صعود الاسلاميين في مصر ترك الاقلية المسيحية الكبيرة منقسمة بشأن ان كانت ستغادر البلاد أم تبقى ضمن الاقلية الصامتة أم تتواصل مع قوة سياسية ضمنت فيما يبدو دورا رئيسيا في مستقبل البلاد. يقول المتشائمون ان ثورة بدأت بانتفاضة ضد الرئيس السابق حسني مبارك في يناير تتفكك لان كثيرين من الاسلاميين الذين فازوا في الجولة الاولى من الانتخابات البرلمانية ليس لديهم اهتمام يذكر بالحريات المدنية أو الحريات الدينية. وهم يقولون ان تعهدات الاسلاميين بحماية الاقباط ومعظمهم مسيحيون ارثوذكس ترجع جذورهم الى ما قبل وصول الاسلام في القرن السابع تتناقض مع كثير من تصريحاتهم اثناء الحملة الانتخابية. وتقول جماعة الاخوان المسلمين -- التي يتجه حزبها (الحرية والعدالة) لشغل معظم مقاعد مجلس الشعب الجديد -- منذ فترة طويلة ان "الاسلام هو الحل" في بلد عشرة بالمئة من سكانه مسيحيون. اما من جاءوا في الترتيب بعد الاخوان فهم السلفيون المتشددون الذين يعكس تفسيرهم للاسلام الايديولوجية الوهابية الصارمة التي ولدت في السعودية حيث لا يسمح بأي دين اخر. وقال جو فهيم وهو مسيحي وناقد سينمائي عمره 29 عاما "نخدع انفسنا اذا اعتقدنا ان الاسلاميين سيعطون للمسيحيين مزيدا من الحقوق أو الحريات." وأضاف "كثيرون من اصدقائي المسيحيين يخشون من المستقبل وما سيحدث اذا حكم الاخوان والسلفيون مصر. يفكر كثيرون منهم في مغادرة البلاد." ويواجه الاقباط معضلة بشأن الربيع العربي وهي ان المزيد من الحرية للغالبية المسلمة يمكن ان يعني مزيدا من الضغط على الاقلية غير المسلمة. فقد تضررت الطائفة المسيحية في العراق على أيدي الاسلاميين بعد الاطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين عام 2003 . لكن الربيع العربي كان انتفاضات شعبية مطالبة بالديمقراطية لا غزوا قادته الولاياتالمتحدة. وأدت الانتفاضة المصرية الى نظام سياسي جديد قد يساعد في موازنة تضارب المصالح في المجتمع المصري. ويقول مثقفون اقباط ومسلمون ليبراليون ان الاحزاب الاسلامية لا يمكنها ان تعلن الفوز الان حيث مازالت توجد مرحلتان في الانتخابات البرلمانية. وهم منقسمون ايضا بشأن رغبة الاخوان المسلمين في التعاون مع الاحزاب الليبرالية وليس مع السلفيين. ويأمل هؤلاء المثقفون في ان تتمكن الكتلة المصرية الليبرالية من الفوز بأصوات كافية في المراحل النهائية لكي تكون عاملا حاسما في البرلمان. وقال يوسف سيدهم رئيس تحرير صحيفة وطني القبطية الارثوذكية انه اذا فشلت (الكتلة المصرية) فانهم يفكرون بالفعل في الخطة ب - أي اقامة علاقة عمل مع الاسلاميين المعتدلين. وقال سيدهم لرويترز انه يجب الاستعداد لليوم الذي يتعين فيه اتخاذ قرار. وأضاف "هل سنكون راضين بأي نوع من المعارضة سواء كانت ضعيفة أم قوية أو هل يمكننا اتخاذ خطوة للامام للعمل معا؟" وأضاف انه حتى اذا عزز الاخوان المسلمون نجاحهم في الجولة الاولى فان رغبتهم في الظهور كحكومة في الانتظار قد يضمن هيمنة الجناح الاكثر اعتدالا. وقال "انهم يعلمون انه لا يمكنهم الالتزام بالمسؤولية التي القاها على عاتقهم الشعب بالدعوة فقط للمعتقدات الاسلامية وطريقة حياة اسلامية اصولية." ويقول مسؤولو الاخوان انهم يريدون بناء دولة حديثة ديمراطية تقوم على أحكام الشريعة. ويتحدث حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي للاخوان عن نشر قيم الشريعة مع التأكيد على ان اصحاب الديانات الاخرى ستحكمهم قوانينهم فيما يتعلق بامور الدين. وبينما يقول بعض الاقباط ان مصر تتحول الى دولة دينية مثل ايران يقول اخرون ان هذه المقارنة بالثورة الشيعية هناك قبل اربعة عقود مسألة مزعجة ولا تتناسب مع بلد مسلم سني في عصر الفيسبوك وتويتر. وقال جمال عيد من الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان "اننا نراهن على يقظة المجتمع المصري وغريزته التي كانت دائما ضد التطرف." ويشكو الاقباط منذ فترة طويلة من التمييز في سوق الوظائف وامام القانون وأبلغوا عن مشاكل في الحصول على تراخيص لبناء كنائس. وتحولت هذه المظالم الى اعمال عنف في الشارع في الاشهر التي سبقت الاطاحة بمبارك وقتل ما يصل الى 23 شخصا في انفجار في اول يناير كانون الثاني أمام كنيسة بمدينة الاسكندرية. واندلعت اشتباكات من وقت لاخر منذ الانتفاضة وقتل 25 شخصا على الاقل في اكتوبر تشرين الاول عندما اشتبك مسيحيون مع الشرطة العسكرية في وسط القاهرة. وقال عيد انه اذا اختار الاخوان المسلمون التعاون مع السلفيين في البرلمان الجديد فان بامكانهم جعل الحياة صعبة للاقباط. وقال "يمكنهم على سبيل المثال ان يجدوا صعوبة في الحصول على مناصب معينة أو في الترقية ويمكننا ان نرى ايضا تضييقا في المساحة التى تمنح للمسيحيين في الاعلان عن اعيادهم واحتفالاتهم في وسائل الاعلام الحكومية." ومع خوفهم من ان يواجهوا وضع مواطنين من الدرجة الثانية في ظل حكومة اسلامية يقول بعض المسيحيين ان المسلمين قد يكونون الخاسر الاكبر. وقال ناشط حقوق الانسان ممدوح رمزي "أعتقد ان المسلمين المعتدلين سيضارون أكثر من أي جماعة اخرى في ظل حكم اسلامي قد يجدوا انفسهم فيه مجبرين على الالتزام بقواعد لا يريدون بالضرورة اتباعها." وينتقد بعض المسيحيين زعماءهم الدينيين لتجنبهم المواجهة المباشرة مع الاسلاميين. وقال الناقد السينمائي جو فهيم "الكنيسة تلزم الصمت التام." وأضاف "شاهدت قسا في قناة مسيحية مصرية يستضيف زعيما سلفيا في مقابلة. انه نوع يعني ضمنا ان الكنيسة تبعث برسالة الى الناس لكي يهدأوا ويقبلوا النتيجة -- ان يقبلوا حكم الشريعة". ويعزف زعماء الكنيسة عن الادلاء باحاديث مسجلة لانهم يخشون اذكاء التوتر مع المسلمين الذين صوتوا للاسلاميين لكنهم قالوا انهم يشعرن بالقلق من الرسائل المتباينة من الاخوان. وقال مسؤول رفيع في الكنيسة القبطية "زعماء الاخوان المسلمين لم يكونوا واضحين تماما بشأن خططهم." وقال "بعد الانتفاضة بوقت قصير قالوا انهم يريدون دولة مدنية ثم قالوا ان الدولة المدنية تقوم على احكام الشريعة والان يقولون انهم يريدون دولة اسلامية حديثة. كل هذه الاشياء تثير الارتباك والقلق. ويقول الاخوان المسلمون ان مخاوف المسيحيين من برلمان اسلامي ليس لها اساس ويضيفون ان كل المصريين بغض النظر عن دينهم يجب احترامهم كمواطنين. ومثل هذه التطمينات تركت مسؤول الكنيسة في حالة شك. وقال "انني شعر اننا متجهون نحو نفق مظلم ولا نعرف ماذا ينتظرنا في النهاية." وأضاف "لكن في نهاية الامر اعتقد اننا سنجتاز ذلك. انني اعرف ان مسلمين كثيرين غير راضين عن فوز الاسلاميين في الانتخابات البرلمانية."