بما أنه ليس هناك تنظيم ثورى قادر على تنظيم الجماهير وطرح رؤية ثورية وقيادة ثورية للبلاد، وبما أن مثل هذا التنظيم لا يولد بين ليلة وضحاها ولكن يحتاج لسنوات طويلة من العمل والبناء، علينا أن نفكر فى تفكير بديل طبقاً لمعطيات الواقع المتاحة، حتى لا نسمح لقوى الثورة المضادة بإستغلال حركتنا لخدمة أهدافها وإدخال حركة الجماهير فى مسار إجبارى مثل المسار الذى سرنا عليه بعد ال 18 يوم الأولى الذى كان إنقلاباً على الثورة إنحرف بها عن أهدافها وأدخلنا فى حلقة مفرغة من النزاعات السياسية البعيدة كل البعد عن مطالب وأهداف الثورة والتى تكاد أن تودى بمصير البلاد كلها إلى التهلكة. وإن كانت قوى الثورة المضادة قد نجحت فى تحقيق مخططاتها، فإن قوى الثورة تتحمل أيضاً المسئولية الأكبر لأنها لم تضع رؤية لما يجب أن تكون عليه الأوضاع سواءاً بعد سقوط مبارك أو بعد سقوط مرسى، وسيطر على الكثيرين منهم حب الظهور وتفضيل الأنا على صالح المجموع، وإنساقت خلف هذه المخططات سواءاً عن وعى أو عن غير وعى منها. كذلك فإن طرح إنتخابات رئاسية مبكرة الذى يتم طرحه الآن لا يعبر سوى عن عدم وعى وإدراك الكثيرين من قوى الثورة لطبيعة الصراع بل والأهداف المطلوب تحقيقها، فالإنتخابات الرئاسية المبكرة هى عودة مرة أخرى لنفس الدائرة المفرغة للإلتفاف والإنقضاض على مطالب الثورة. كذلك فإن الدور الذى لعبته الأحزاب والقوى السياسية كمعارضة كان دورا هزيلا للغاية فى معظم الأحيان، وخطيرا للغاية فى كثير من الأحيان الأخرى وذلك بكبح قوى الثورة مثلما حدث فى أحداث محمد محمود الأولى أو فى أحداث الاتحادية، حيث فضلت هذه القوى الاكتفاء بدور المعارضة الكرتونية التى تتصرف كرد فعل للنظام وليس كقوى طليعية تقود الجماهير نحو تحقيق أهدافها. كذلك فإن قوى دولية (الرأسمالية العالمية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية) من صالحها عدم حدوث ثورة إجتماعية حقيقية فى البلاد، فتعمل بالتحالف مع بعض القوى الداخلية على عرقلة حركة الجماهير أو الإنحراف بها – فى حال نجاحها - عن مسارها الثورى الساعى للتغيير، وذلك للحفاظ على النظام القائم الذى يخدم مصالح هذه القوى الخارجية وحلفائها فى الداخل. لذلك وتجنباً لسيناريو مستقبلى عشوائى، يفيد قوى الثورة المضادة ولا يفيد قوى الثورة الحقيقية، بل يأتى وبالاً عليها، علينا أن نضع تصوراً فى حال سقوط حكم الإخوان المسلمين وهو الأمر الذى أصبح حتمياً لا مفر منه لإنقاذ البلاد من مصير أسود لا يعلمه إلا الله إذا ما إستمروا فى الحكم. وفيما يلى بعض الأفكار للمرحلة الإنتقالية فيما بعد سقوط الإخوان : أ – إعلان مجلس إنتقالى من خمسة أشخاص بما فيهم ممثل للجيش ولو أنى لم أكن أود أبداً طرح أسماء، إلا أن التجربة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن الناس تحتاج لأسماء محددة تتناقش حولها، كما أن طرح أسماء أصبح مهما للغاية لكى نستطيع الحشد والإلتفاف حولها ودعمها والترويج لها ، والفترة القادمة نحن نحتاج لقيادات تمتلك الكثير من الخبرة والعلم لإخراج البلاد من الكوارث التى حاقت بها فى ظل حكم الإخوان المسلمين وليس مجرد قيادات سياسية ذات خطاب ديماجوجى يرضى طموحات الجماهير لكنه غير قابل للتنفيذ. ولتحديد هذه الأسماء علينا أن نحدد المجالات الهامة التى نحتاج إلى قيادات بها واللازمة فى إدارة البلاد، وهذه المجالات فى رأيى هى الإقتصاد - الشئون الخارجية - الشئون الداخلية - القانون والدستور- إلى جانب ممثل للجيش. والأسماء التالية هى أسماء مقترحة أرى أنها الأنسب لإدارة المرحلة الإنتقالية والتى تبعدنا أيضاً عن الصراع السياسى : - د. أحمد النجار أو د عبد الخالق فاروق- إقتصاد. - د. إجلال رأفت - شئون خارجية. - د. إبراهيم درويش - شئون قانونية ودستورية. - أما الشئون الداخلية فمازلت أبحث فى الأسماء، والشئون الداخلية لا تعنى وزارة الداخلية ولكن كل ما يهم الشأن الداخلى من تخطيط وتنمية وتطوير وأمن وغيرها من الأمور. - إلى جانب ممثل يختاره الجيش. أما السياسيون من الأحزاب والقوى السياسية المختلفة فإذا كانوا يريدون بالفعل خدمة هذا الوطن فعليهم التعاون مع هذه الأسماء ودعمها لإنجاحهم وليس لإفشالهم، إن كان يهمهم بالفعل مصلحة الوطن وليس مجرد الصراع السياسى على المناصب والكراسى. ب - تعطيل العمل بدستور الإخوان وإصدار إعلان دستورى للمرحلة الإنتقالية يتم النص فيه إلى جانب أشياء كثيرة على التالى : صلاحيات المجلس الإنتقالى ودوره وأهدافه وطريقة إصدار القرارات فيه .. وطريقة مراقبة أدائه، وطريقة عزله إن إقتضى الأمر ومن له الحق فى ذلك، وكيفية الإحلال والتجديد فيه إذا تعذر على أحد أعضاء المجلس الإستمرار لأى ظرف من الظروف. ج - يدير هذا المجلس البلاد لمدة عامين كفترة إنتقالية يقوم خلالها بالتالى : - تشكيل الحكومة الجديدة من التكنوقراط المشهود لهم بالكفاءة فى مجالاتهم. - تطهير كافة مؤسسات الدولة من الفساد والمفسدين وإعادة هيكلة جهاز الشرطة والأمن الوطنى. - وضع سياسات إقتصادية تضعنا على طريق العدالة الإجتماعية. - وضع سياسات تضعنا على طريق التخلص من هيمنة الإمبريالية العالمية على القرار الوطنى (بالطبع هذه الأهداف لن تتحقق بين يوم وليلة ولا عام أو إثنين .. لكن على الأقل أن نضع أقدامنا على الطريق الصحيح). - التعامل مع الملفات الخطيرة التى تهدد الأمن القومى مثل سيناء وقضية مياه النيل وإستعادة الأمن فى البلاد. - العمل على توحيد الصف الوطنى حول القضايا القومية بعد الإنشقاق الذى أحدثه حكم الإخوان المسلمين بين أبناء الشعب المصرى. - الترتيب لإنتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد. د - قبل الإنتهاء من المرحلة الإنتقالية التى تبلغ عامين يجب أن يكون قد تم الإنتهاء من الدستور الجديد والإستفتاء عليه. ه - إجراء الإنتخابات من أسفل، بمعنى إنتخابات المحليات، ثم البرلمان، ثم الإنتخابات الرئاسية. أو إذا تعذر الوقت لذلك، إجراء الإنتخابات الرئاسية بعد الإستفتاء على الدستور مع إستمرار الجمعية التأسيسية فى الإنعقاد كسلطة تشريعية لحين إنتخاب البرلمان ، (حتى لا يتولى الرئيس السلطة التشريعية فى ظل غياب البرلمان.) .. فإذا كان الشعب قد إنتخب الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وخرج الدستور بنعم فليس هناك غضاضة من أن نأتمنها على سن القوانين كمهمة مؤقتة. و – فى حال لم يتم إقرار الدستور وتم إعادته مرة أخرى للجمعية التأسيسية، مما يعنى أيضاً تأجيل الإنتخابات، من الممكن مد الفترة الإنتقالية للمجلس الإنتقالى لحين الإنتهاء من الدستور والإنتخابات الرئاسية. ز - يتم حل المجلس الإنتقالى بعد إقرار الدستور وإجراء الإنتخابات ولا يحق لأى عضو من أعضاء المجلس الترشح لأى منصب سواء الرئاسة أو عضوية البرلمان أو غيرها لمدة دورة كاملة (سواء رئاسية أو برلمانية). فى النهاية هذه محاولة للإجتهاد قابلة للنقاش والتطوير، وبالطبع كل نقطة من هذه النقاط تحتاج لمزيد من التفصيل والشرح، ولكن هذا طرح أولى لوضع الإطار العام فقط دون الدخول فى تفاصيل الأن.