لا تتعجب من العنوان فهي حقيقة لأول مصري يعيش في مدينة ميلانو منذ سنوات هو محمد إبراهيم فرحات ابن محافظة الدقهلية فبعد أن أنهي دراسته بكلية التربية جامعة الأزهر عام 1985 إلتحق بالعمل مدرس بالقاهرة لمدة عام بعدها قرر السفر لدراسة التربية الرياضة بجامعة مينسي بالمانيا. وإنتظم في دراسته لمدة عامين ونظرا لمصاريف المعيشية والحياة الباهظة في المانيا برغم كل ذلك كان يستقطع وقت من دراسته ويبحث عن عمل لتغطية مصاريفه اليومية وإيجار السكن الذي يقم به مع اثنين من أصدقائه وتقسيم إيجار السكن والطعام اليومي علي ثلاثة أفراد. بعد ذلك إفترق الأصدقاء كلاً في طريقه وأصبح محمد فرحات وحيداً بلا أصدقاء وشعر بفراغ كبير في حياته بعد أن افترق اعز أصدقائه من المصريين كلا في طريق. كلما عاد إلي مسكنه يجد الصمت الرهيب من حوله ويشعر بفراغ كبير في وحدته بعد أن كان يعج في يوم من الأيام بأصوات وضحكات أصدقائه ومسامرتهم كل ليلة تؤنسهم في غربتهم، تمر الأيام ثقيلة في حياته يفكر بأن يترك الدراسة والبحث عن المتاعب والمجهول الذي ينتظره. بعد أن مكث عامين بدون أن يحقق شيئا يذكر في حياته من الأحلام التي كانت تراوده، فجأة تسقط من علي مكتبة مجموعة كتب الدراسة وبدء في جمعها ليجد بينها أجندته الخاصة مدون بها أرقام تليفونات من الأقارب والأصدقاء الذين يعشون ويعملون في الدول الأوروبية. وبدأ يلقي عليها نظرة حتى وقع نظرة علي رقم تليفون عمه يعيش في إيطاليا، وعلي الفور قام بالإتصال بعمه في مدينة ميلانو الإيطالية، وطلب منه عمه أن يأتي إليه لزيارته وقضاء وقت معه في ميلانو. وبعد أيام قرر محمد فرحات السفر إلي ميلانو بالقطار الدولي للقاء عمه والحصول علي بعض المال لتكملة دراسته ، ربما هذه الرحلة تحفف عنه عناء الوحدة القاتلة بعد رحيل أصدقائه. تمضي الأيام في ضيافة عمه حتى عرض عليه أن يبقي معه في ميلانو ويعمل معه ، ويترك الدراسة في المانيا ويبني مستقبله. فكر محمد جيدا قبل أن يتخذ قراره ليبدأ حياته من جديد كما تعود في حياته ، هل يضرب بعرض الحائط عامين دراسة في المانيا والمصاريف الباهظة التي كلفته طوال إقامته ويعمل عامل من اجل جمع المال. أخيرا بعد أن فكر جيد واتخذ قراره بالبقاء مع عمه والعمل معه وهيأ له مكان للسكن وبدأت رحلة العمل الشاق في مهن من اجل أن يعيش ويتنقل من مكان إلي مكان آخر في أعمال النقاشة والبناء. وشعر طوال هذه الفترة أثناء وجوده مع عمه بأنه لم يحقق الهدف الذي جاء من أجله العلم ، فقرر أن يترك عمه ويستقل بنفسه، ويشق طريقة في الحياة بسواعده بدون الاعتماد علي عمه. وبدأ البحث عن شركات المقاولات وعمل بها في مهنة النقاشة والبناء لمدة عامين بعدها ترك العمل وبحث عن مهنة أخري ليعمل عامل في مطبعة أرحم من العمل فاعل في شركة البناء. تقدم محمد فرحات بسرعة مذهلة بذكائه في أعمال الطباعة وأصبح لدية خبرة فنية كبيرة إستمرت عامين ، إلي أن جاءته ضربة الحظ والتي سقطت عليه من السماء من حيث لا يدري توجه إلي القنصلية المصرية في ميلانو لتسجيل نفسه بالقنصلية وقام بتسجيل بياناته بأنه "خريج الأزهر" !!!. كانت هذه الكلمة وحدها مفتاح السعد له وأبواب السماء تفتحت له في هذه اللحظة، كانت هناك حالة وفاة لمواطن مصري وبحثوا في كل مكان علي مغسل يقوم بعمل إجراءات ومناسك تكفينه حسب الشريعة الإسلامية،والصلاة عليه لان الحانوتي الإيطالي ليست لديه صلاحية بعمل هذه الإجراءات. وعرض الأمر علي فرحات لأنه خريج الأزهر وهل لديه مانع أن يتطوع ويقوم بهذه المهمة الإنسانية فوافق علي الفور وذهب مع الحانوتي الايطالي وقام بعمل اللازم ، فجاءت السيارة المخصصة لإستلام الجثمان والتوجه بها المطار ويرافقها صاحب المكتب وإستوقف محمد فرحات وصافحه وعرض عليه أن يعمل معهم لأنهم في إحتياج لمن يقوم بهذه الإجراءات. كانت مفاجأة لمحمد فرحات لم يتوقعها لسماعه هذا العرض السخي الذي سقط عليه من السماء وتم تحرير عقد مفتوح والتامين علي حياته طبقاً للقانون الايطالي وطلب محمد منه مهلة حتى ينهي تعاقده مع صاحب المطبعة التي يعمل بها وينهي التعاقد معهم. عاد محمد فرحات إلي المطبعة التي يعمل بها وهو لم يصدق نفسه بهذه المفاجأة، وقدم إستقالته لصاحب المطبعة ونظر إليه صاحب المطبعة في ذهول فلم يصدق نفسه بأن يتركه بهذه السهولة بعد أن أصبح فني من الدرجة الأولي طوال عامين من العمل معه في المطبعة ، وعرض عليه صاحب المطبعة بأن يرفع راتبه إلي الضعف من أجل أن يبقي معه فهو لا يستطيع الإستغناء عنه لمهارته وخبراته في العمل..ولكن محمد إتخذ قراره علي أن تبقي علاقة الصداقة بينهم. إنتقل محمد إلي عمله الجديد في مكتب تجهيز ونقل الموتى الإيطالي .. فكم من الوقت مكث في هذا العمل ؟ .. ( 14عاما ) إكتسب فيها خبرات كثيرة من الإجراءات التي يقوم بتجهيزها من التقارير الطبية والتصاريح ودفع المصاريف الخاصة بنقل الجثمان إلي الدول التي ينتمي إليها المتوفي. ويمتاز محمد بأنه إنسان هادئ ودقيق في عمله وحينما يفكر قبل أن يتخذ أي قرار يقوم بدراسته جيدا وبتأني حتى يصل إلي القرار الصائب وتكون نتائجها ناجحة. إلي أن فكر أن يفتتح مكتب خاص مستقل به يدير بها نشاطه. وكما فعل محمد مع صاحب المطبعة فعلها هذه المرة مع صاحب مكتب نقل الموتى التي كانت لطمة قوية أطاحت برأسه لأنهم إعتمدوا عليه ليتولي إجراءات الرعايا العرب والمصريين. وبدأت شهرته في كل مكان ولم تقتصر علي المصريين بل الأجانب أيضاً في ايطاليا ، وقامت بلدية ميلانو بعمل تعاقد خاص لمكتبة لممارسة نشاطه. وبدأت الحياة تبتسم له بعد أن أصبح صاحب مكتب وتعتبر أول مرة في تاريخ ايطاليا أن يحصل أجنبي علي تصاريح لمزاولة هذه المهنة وترخيص لمكتبة للاستيراد والتصدير بين مصر وإيطاليا ، علما بأن هذه المهنة مختصرة فقط علي فئة معينة من الايطاليين. لم تتوقف آمال وأحلام محمد فرحات لهذا الحد بل بدأ بتوسيع نشاطه في دول الإتحاد الأوروبي وفتح فروع بها. وكانت نتائج رحلة طويلة من المعاناة والجهد والعرق في بداية حياته حتى إنتهي به الأمر يفتتح مكتبة في قلب مدينة ميلانو بالإضافة لتوسيع نشاط الإستيراد والتصدير وترويج المنتجات المصرية ، والتقي برفيقة حياته من دولة تونس الشقيق وتزوجها وأثمر هذا الزواج من الأولاد رامي 13 سنة وسارة 11 سنة. يفكر محمد فرحات الآن بتوسيع نشاطه وبالذات ى مصر حتى يتسنى له تدريب مهنيين في هذا المجال لخدمة الرعايا الأجانب المسنين والدبلوماسيين في مصر لإتاحة فرص عمل للكثيرين. وأضاف فرحات بأن مصر دولة عريقة وتؤسفني الإجراءات التي تتم بنقل رفات الأجانب بطريقة لا تليق بمكانة مصر وبوضع الجثمان في صناديق بأنواع خشبية رديئة ورديئة الصنع لا تليق بسمعة مصر وإحترام قدسية الموتى. علما بأن الإجراءات التي تتم بمعرفتنا في أي دولة أوروبية حتى التي ترسل إلي مصر تجهز في صناديق خشبية حسب المواصفات الصحية والعالمية ، ونوعية الصندوق تليق بمكانة أسرة المتوفى، وينقل بسيارة مجهزة خصيصا لذلك بالإضافة لأن لدينا سيارة أخري مجهزة لخدمات حوادث الطرق لنقلها. ففي مصر جميع الدبلوماسيين الأجانب الموجدين في مصر مأمن عليهم من قبل شركات التأمين التي تقوم بهذا العمل، وبطريقة مزرية. وانا علي إستعداد لفتح فرع في مصر من خلال خبراتي والشهادة العالمية علي مدي عشرين عاما في هذا المجال ومن إقليم لومبارديا ،بتسهيل الإجراءات ودفع مصاريف الخاصة بنقل الجثمان إلي الدولة التي ينتمي إليها الرعايا الأجانب والدبلوماسيين العاملين في مصر كذلك حوادث الطرق للسياح الأجانب !!!. بجانب هذه الأنشطة نجح محمد فرحات في مطلع هذا العام أن يؤسس نادي أصدقاء العالم العربي الثقافي لتكون وصلة أتصال وتبادل الحوار الثقافي العربي الإيطالي يجمع نخبة من الشخصيات العربية التي لها ثقلها الثقافي والاجتماعي في المجتمع الإيطالي لتكون ثمرة نجاح علي طريق حوار الثقافات وتصحيح صورة العرب والمسلمين لدي الغرب !!!.