من يعتقد أن هناك من يعارض الثورة أو يمكن أن يقف حائلاً بينها وبين النجاح فقد جانبه الصواب وإمتطى صهوة التجني في الخطاب . التغيير حلم والثورة هدف ندعو له ونحث الخُطى في سبيله واقفين تحت لوائه . فعندما إنطلقت شرارة التغيير المنادية بإصلاح النظام سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً بُوركت هذه الشرارة وعُدَّت خطوة جريئة ومهمة إحتشد الناس حولها من كل الأطياف يؤازرونها ولسان حالهم يقول وبمرارة : لقد سئمنا الفساد الذي أتخم الكروش وتمادى الفاسدون في غيِّهم وضلالهم معتقدين ألا حساب سيطالهم أو حتى أن يوماً سيأتي وقد طفح المجتمع المغلوب على أمره بالقَرَفِ من ألاعيبهم وإستغفالهم وإستهبالهم طوال هذه السنوات الطوال من سواد تاريخهم مؤمنين أنهم قد ساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في نمو فسادهم وإنتفاخ كروشهم المُتْخَمَة بثروات البلاد دون حسيبٍ أو رقيبٍ . فسادٌ نَخَرَ كافة مفاصل الدولة يسرح ويمرح في ظل قانون مُغَيَّبٍ رغماً عنه وهيئات وأجهزة أُعدَّت للرقابة والمحاسبة فشكَّلت تمويهاً وغطاءً للفاسدين وقضاءٌ يُتَلاعب به ذات اليمين وذات الشمال ونفوذٌ ما فَتِئَ يمارس الظلم والبغي والعدوان بكل أشكاله وصوره وفقراءٌ مستضعفون يُعْبَثُ بحقوقهم في كل إتجاه ومطالب صُمَّت الآذان عن سماعها . فطُوِيَتْ صفحات الإصلاح ونُشِرَت أبسطة الفساد فتصاعدت أبخرته حتى أزكمت أُنوف المانحين الدوليين وأصابت المجتمع بالصرع . الثورةُ على الفساد ومطالب الإصلاح كانتا القشَّة التي قصمت ظهر الفاسدين وفتحت آفاق التغيير والبناء وكسرت حاجز الخوف وأيقظت عقولاً أُريد لها أن تظل في ثُبات مثَّلتا عامل الإحساس والإستجابة وبداية الإنفتاح على مطالب الجماهير وإرادة الشعب فقدَّم الرئيس المبادرة الأولى والتي باركها العلماء وتم رفضها وأتت المبادرة الثانية في قمة الروعة لو تلقفتها المعارضة وقوى الثورة ثم جاءت الثالثة تتويجاً لضغوط الثورة فأعلن الرئيس موافقته على التنحى ولم تكن تخطر على بال أحد من المصريين لكن المعارضة تمادت في إبتزازها مستغلة الشارع . وأُعلن عن خطوات حثيثة للإصلاح وإجتثاث الفساد ومحاسبة الفاسدين . كل ذلك دفع الناس لإطلاق مسمى الثورة على هذه الحركة الإحتجاجية السلمية فلولاها ما تحققت المطالب إنها فعلاً تستحق براءة اختراع في الإصلاح وإنتزاع الحقوق بشكل حضاري وسلمي نال إعجاب العالم رغم الأذى الذي تُسَبِّبُهُ لساحات الاعتصام . الرفض بداية الدفع نحو المجهول : حين تم الالتفاف على براءة الثورة من الحزبية والتسييس خَفَتَ بريقها وتلاشى ضوئها وتحولت من ثورة إصلاح ومطالب مشروعة وحقوق مسلوبة إلى ثورة مماحكات حزبية ومناكفات سياسية وحسابات مصلحية وتصفية حسابات عقائدية وإفراط في التعنت والإبتزاز مما قَلَبَ موازين التفاعل الجماهيري والإلتفاف الشعبي والزخم الإيجابي الذي لم يكن أحدٌ ليتوقعه وَوَضَعَ علامات استفهام وتعجب وتساءل الناس : • أين براءة الثورة ونقاؤها ؟ • ألا يُشكل التعنت والرفض قد تقذف البلد نحو المجهول الذي لا تُحمد عواقبه ؟ • هل هذه ثورة مطالب إصلاحية أم تصفية حسابات لا ناقة للشعب فيها ولا جمل ؟ استغلالها استغلالاً سيئاً حَرَفَ مسارها السَّوي فتحولت إلى : تهديدات . بذاءات وشعارات وهتافات وتصرفات لا أخلاقية ! . تمادٍ في الخروج عن الوعي وتغييب العقل والمنطق ! . محاسبة ومحاكمة كل من فَكَّرَ في إصلاح مسار الثورة وإتهامه بالعمالة والتجسس وأنه مدسوس من الأمن القومي . عمليات نهب وسلب لعدد من والمنشآت والأملاك العامة والخاصة والسيطرة على مدن ومحافظات أُلصقت بالثورة حقاً أو باطلاً ! ? حقائق إختراق وإندساس شوَّهت صورة الثورة ! . المطالبة بالإسقاط بدل الإصلاح وارتفاع سقف المطالب حتى بلغت حدَّ المستحيل أو بعيدة المنال . تغييب شبه كامل للعقل والمنطق ! . الحقيقة المُرَّة : أثبتت التداعيات التي ترافق الثورة وما آل إليه حالها بأننا مازلنا نعاني نقصاً كبيراً فى الوعي وأننا لسنا مهيئين أحزاباً ومنظمات وقوى جماهيرية وأفراداً لقيادة ثورة تُفضي لدولة حديثة لأنَّا لم نصل بعد إلى نصف درجة الوعي التي يمتلكها شباب التغيير فلا زلنا محكومين بثقافة الإستغلال والإستئثار وحب الذات والإقصاء والتهميش ومصادرة الحقوق . لقد وعى الكثير من شباب الثورة هذه الحقيقة – كما عرفها الأكاديميون والأطباء والمحامون والمهندسون وقيادات مدنية وحقوقية وجماهيرية –حضوراً واسعاً ونلت ثقة حفاظاً على الوطن وتصحيحاً لمسار الثورة وانتشالاً لها من الضياع واقتناصاً للفرصة ونزولاً عند قول الحق جل وعلا : وجادلهم بالتي هي أحسن . إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع للاستفادة مما هو متاح ومعقول وتفويتاً لفرص الاستغلال . هنا سيُجسد الوعي والحكمة المُغَيَّبَة فنكون قد وجدنا الحلقة المفقودة بدلاً من التيه في حلقة مُفْرَغة .