حين أصبحت الطيور في مرمى حجر من صياد عجوز، اقترب منهم فوق أطراف أصابعه المشققة، وألقى عليهم شباكه المترامية، فاصطاد منهم طيرا كثيرا. لكن الطيور المعتقلة تمكنت من رفع شبكته وحلقت بها عاليا فوق أشجار الحقل. تعقب الصياد صيده وهو يلهث من شجرة إلى شجرة، حتى مر بفلاح شاب يقف فوق محراثه. سخر الفلاح من سذاجة الصياد العجوز وقال له: "لو كان طيرا واحدا، لكان لديك عذر في الرهان على ضعف جناحيه وقلة حيلته، ولكن لا أمل يا صديقي في تعقب تلك الطيور لأنها لن تهبط إلى الأرض طواعية إلا عندما تشعر بالأمان. "قال الصياد العجوز في ثقة: "لو كان طيرا واحدا ما راهنت على سقوطه". وقبل أن يعود الفلاح الطيب إلى بيته، مر به الصياد العجوز باسما وهو يحمل صيده الثمين على كتفه. سهل جدا أن تسقط الطيور الباحثة عن الخلاص من مكعبات سجنها حين تنظر أعينها في اتجاهات متباينة وتفرد أجنحتها فوق سحب تعبث بها الرياح كيفما تشاء في خطوط متقابلة لتصبح محصلة جهدها جملة أصفار على يسار الخرائط. ولا يحتاج القنص إلى صياد ماهر ليدرك أن موسم السقوط قادم لا محالة. ولأننا نطير سويا داخل شبكة الوطن الآيل إلى سقوط مروع فوق أعتاب الجغرافيا أمام صيادي الخرائط في مأزق الخلاف على التركة المتهالكة من بقايا نظام لم يترك في أنقاضه حجرا على حجر، ليس لنا من سبيل إلا الرهان على مناقيرنا وما تبقى لنا من أمل في آثار حكمة أفراد السرب الطاعن في أنانيته ونرجسيته كي يفهم أننا مقبلون على سنوات عجاف ليس بعدها سبع سمان إن لم تتحد مخالبنا في مواجهة الأزمة العاصفة التي تمر بها البلاد. يا أفراد سربنا المهدد بالسقوط في حمأة النزاع، ألم تقرؤوا قول ربكم جل وعلا (ولاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)؟ ألا تدركون خطورة ما أنتم مقدمون عليه من كشف لسوءات الوطن ومعصية خلاف وحتمية فشل بدأ الناس يتجرعونه علقما في كل واد؟ ألم يئن للذين آمنوا أن يُغلِّبوا مصلحة الفقراء والمساكين والأرامل والعجزة على أطماع لن تعود عليهم أو على ذريتهم إلا بالذل والعار في الدنيا والعذاب المقيم في الآخرة؟ ماذا تقولون لربكم غدا وأنتم تصنعون فتنا لا يحترق بنارها إلا الضعفاء والمعوزون؟ ماذا تقولون له وأنتم تجرون مصر الآمنة على مر الدهور إلى رعب قد يأتي على اليابس والأخضر - هذا إن كانت تعرف الأخضر أساسا؟ لم يعد صراعكم على دنيا تصيبونها خافيا على العوام ناهيك عن مثقفي الأمة وهم كثر. وأخشى ما نخشاه أن تقودنا رعونتكم إلى السقوط في فخ التناحر والفشل الذي سبقتنا إليه دول كانت بالأمس القريب عزيزة مرهوبة الجانب فتذهب ريحنا وتصبح بلادنا أثرا بعد عين. يا عقلاء الأمة، كلكم مشاركون في الإثم والمصير المرعب إن لم تفيئوا إلى الحق وتدافعوا عن ساحة الوطن ووحدة نسيجه كل في ثغره، وليحذر كل منكم أن يكون عود ثقاب أو عود حطب أو أن يؤتى الوطن من قِبَلِه، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. يقول تشارلز هولتون: "حين ينتهي الصراع بسبب النصر أو الهزيمة أو التسوية المرضية، يعود للمرء رشده". فمتى يعود إليكم رشدكم ؟.