بعد أن أصاب الكُساح جسد مؤسستنا العسكرية والمدنية وإستفحل بها مرض العظام الذي نخرها وقضم من جسدها المترهل وهي في حالة من الضياع وإختلاف الأفكار وتبديل الخطط للبحث عن منفذ وإيجاد حل لمرضها المستعصي وتبعد عنها أعمال العنف التي تطالها بين تفجير وتفخيخ وزرع عبوات وإشاعة رعب وإحتلال بنايات. أصبح من العسير عليها أن تصد هجوم متوقع أو عمل تخريبي قادم مما وضعها في دوامة التصريحات ، والإنتقادات اللاذعة تقرس جسدها بين أنين ولوعة لمحتضر لا يريد أن يستسلم. بالرغم من جراحاته تجده صلباً متجلداً منتصباً على قدمين نخر عظمها الكساح مصابة بالكسل لتحمل جسداً كثرت نباله وطعون سهامه بدماء نازفة لا يمكن تضميدها أو ايقاف نزيفها قد ملأه الدم بإغماد الخناجر وسكاكين الغدر من الصديق والعدو بين ناقد ومتشفي وداعياً لشفاءه بعد أن طالت محنته وترك آثارها الزمن المر على جسده الممزق. إن المؤسسة الأمنية تكون خاضعة لصاحب القرار (حتى يعرف رأسه من رجليه) ويوجهها بإتجاه الأهداف المرسومة لها من حماية البلاد والعباد ، إلا أن فيها فساد مستشري وأطماع لا تنتهي وخلق الأزمات عشعشت في رؤوسها لمصالح شخصية غابت عنها المهنية والعلمية. وتتمحور في تخبط ليس له أول ولا أخر , إنعكس سلباً على أدائها بالرغم من الترهل الذي تعاني منه ورتب مختلفة ورجال يقبعون في زاوية النسيان أو كما يطلقون عليه في المجمدة لخطأ غير مقصود وقرار غير مدروس وثأر شخصي لتسقيطه والتشفي به. وعامل آخر يضاف لجملة العوامل يكون سيف مسلول على الرقاب بحجج وأباطيل ما أنزل الله بها من سلطان غايتها شل حركته وقتل روح الإبداع فيه بالتهميش والإقصاء والإحالة على التقاعد والتهديد بين الفينة والأخرى بحجة عدم الولاء ومن أزلام النظام السابق. وسبب آخر مهم يكمن بالفساد وشراء الذمم والفضائيين التي يجبر عليها قائد الوحدة ليطعم أفواه جوعى وأجساد حرى أصابها وباء الفساد والسحت الحرام وبيع الضمير , والتبعيه لكتلته وحزبه. فكيف للمؤسسة أن تنجح وتأخذ دورها في مكافحة العنف والإختراق إذا كانت هي أصلاً لا تستطيع ذلك ؟. أمام هذه المشاكل والمعوقات , وأمور أخرى جعلتها ضعيفة هزيلة لاتستطيع المقاومة وتتهاوى أمام الزحف مهما كان شكله وقوة دفعه. إننا لا يمكن أن نتجاوز التضحيات الجسيمة التي قدموها والضربات الموجعة التي وجهوها للمجرمين بشكل عام بين عصابات إجرامية وميليشيات مسلحة وأزلام القاعدة الذين أوقفت عملهم وهدت أركانهم ، إلا أننا نرى تراجعاً أصابها وخوفاً ركبها وتناحر قتلها وإختراقا أنهكها وفك نسيج وحدتها بتعدد مراكز القوى فيها. وها هي الأمور بدأت تنكشف يوم بعد آخر لما جرى في سجني التاجي وأبو غريب من تخطيط عدواني سافر وتحشيد عناصر من القاعدة بإمكانها أن تفعل المستحيل وتصل لأهدافها غير عابئة بالذي أمامها. حتى "علوش" بائع في كشك صغير أمام بناية السجن قد قفل دكانه وهرب قبل أن تحل ساعة الصفر للهجوم لأنه علم بما يكون في الساعات القريبة لهذه الأماكن المحصنة. ودليل آخر على أن بعض القيادات تعرف المعلومة مما دعاها لسلك طريق آخر غير الذي تسلكه يومياً حتى لا يصاب بما لا يحمد عقباه. ومائدة الإفطار للسجناء في ليلة الحادثة وإنطفاء التيار الكهربائي وتغيير مدير السجن ، كلها عوامل ساعدت على نجاح خطتهم بالرغم من تسرعهم في التنفيذ وفقدان حلقات كثيرة لما مخطط له في الواجب المكلفين به لان الذعر اصابهم والخوف لم يفارقهم والتحسب قائم لديهم. وإلا بماذا تفسر عدم تلغيم السجون وتفجيرها وحرق كل مافيها !! وكان بإمكانهم تحقيق ذلك ,وأيضاً عدم القدرة على تحرير كافة السجناء من قاعاتهم والإبتعاد عن الثأر من السجناء الشيعة الذين كانوا يقبعون في قاعات أخرى. إن الإرتباك واضح والتخطيط غير دقيق والسرعة في التنفيذ ساعدت إدارة السجن على لملمة ماتبقى من آثار تخريبهم وقتل من من قتل وهرب من هرب منهم. وقفة سريعة لما يجري على الساحة العراقية تكتشف العجائب والأدهى من ذلك أن الشيخ "حميد الهايس" أطلق تصريحه المدوي وهو يقول : حاولت الإتصال بالأستاذ حسن السنيد وحاكم الزاملي منذ عصر اليوم أو حوالي الساعة الثالثة والنصف لإبلاغهم بهذه المعلومة ولم أفلح لأنهم لم يكلفوا أنفسم برفع هاتفهم والتحدث معي لإبلاغهم بها , نقف حيارى ومذهولين هل أن دم العراقي رخيص بهذا المستوى والتخبط وصل لهذا الحد !! .. لانستبعد ذلك. وعودة لما بحثناه في أول كلامنا بأن الإستقرار والطمأنينة في العمل يخلق حالة الإبداع والتطوير وهذا ما تفتقده مؤسساتنا الأمنية لأنها فاقدة لهذه الصفة كونها تتبع الأهواء والتحزب والتكتل ( وياهو يدفع أكثر) , بهذا السلوك والإعوجاج لايمكن أن نبني مؤسسة أمنية قوية بالإمكان أن تتصدى لأي هجوم محتمل وعمل تخريبي وفعل عنف إجرامي. ستبقى حلقاتها مفتوحة لحين إيجاد جهاز إستخباري متكامل متفاعل مع مايدور بساحة البلد ودول الجوار وخطط الأعداء والأصدقاء والمقربين وعند ذاك سيكون لنا حديث آخر نعبر به عن الإستقلالية التي ننشدها والبناء الذي نريد والشعب الذى يكافح عن أمنه وأمانه وسندفع من الأبرياء الكثير مقابل ذلك ولكن ستكون الأجيال في مأمن من هذه الصراعات والتآمر. ليقف نزف قلبي وتلتئم جراحه وحالي يقول بلسان المطربة "سليمة خضير" : :مليان كل كلبي حجي .. ألمن أروحن أشتكي".