مر 113 عامًا علي حادثة "دنشواي"،تلك الحادثة التى يتذكرها المصريون وكأنها بعد لم تحدث إلا أمس، نظرًا لكونها حادثة من الحوادث التى أيقنت الشعب المصرى بهوانه فى نظر المحتل، وأبقت محافظة المنوفية فى وجدانه بعدما أعلنت بأن هذا اليوم عيدها القومي، وأنه لا طريق إلا طريق الاستقلال والخلاص من الاستعمار الإنجليزي حتى ترجع مصر سالمة عزيزة إلى ابنائها، وبلغ الظلم فى تلك الحادثة مبلغًا لا يوصف، أبسبب ضابط انجليزي أصيب بضربة شمس ومات، يعدم أربعة، وأخرون غيرهم يروا من صنوف العذاب ألوانا، فى السطور التالية نعود عليك بأكثر الحوادث ظلمًا فى بداية القرن العشرين. البداية جاءت بوصول كتيبة من نحو 150 ضابطًا وجنديًا من قوات الاحتلال الإنجليزى إلى مركز منوف، وكانوا فى طريقهم من القاهرة إلى الإسكندرية، وأبلغ 5 ضباط منهم مأمور مركز منوف بأنهم يرغبون صيد الحمام فى قرية "دنشواى" وهى القرية المشهورة بكثرة الحمام فيها، وبالفعل بعد موافقة المأمور انتقل الضباط الخمسة إلى قرية دنشواى. هناك مارسوا كل انواع الظلم الذى قد تراه بعينك، تخريب بيوت، هدم محاصيل، وكان هذا وقت حصاد محصول القمح، عيد الفلاح كما يقال عنه، وحتى يستطيع الضباط الخمسة اصطياد أكبر عدد من الحمام قسموا أنفسهم إلى قسمين، النصف منهم يصطاد بجوار محاصيل القمح، والأخر يصطاد الحمام من على الأشجار والنخل. وقتها نزل ضابطان فى جرنفلاح يدعى "محمد عبد النبي" وصوب أحدهما بندقية إلى حمامة تقف على إحدى سنابل القمح، ولأنه لا يجيد النشان بدلاً من أن يصوب تجاه الحمامة صوب تجاه زوجة صاحب الجرن فأصابها، بالإضافة إلى اشتعال النار فى الجرن نتيجة الطلق الناري، صاح الأهالى على الضابط وحاولوا الإمساك به، فجاء باقي زملاء الضابط لإنقاذه، وسادت حالة من الهرج والمرج أطلق فيها الضباط على الأهالى الفلاحين منهم والنساء والأطفال طلقات عشوائية أصابت شيخ خفر القرية واثنان آخران، فزاد ذلك من هلع الأهالي وظنوا أن شيخ الخفر قد قتل، فبداً الأهالى فى رمي الضباط بالطوب والحصى، وحاصروهم حتى أتت مأمورية من مركز الشرطة وأخذت الضباط من قبضة الأهالي. وقت الصراع الذى كان قائماً هرب ضابط من زملائه خوفاً من الأهالى، ربما كان قلبه ما يزال طفلا لا يقوى على حمل السلاح، وبدأ يركض هارباً من القرية، وجاء فى كتاب "مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية" للرافعي، سرد الرواية كاملة حيث قال: "ركض الضابط قرابة 8 كليو مترات تجاه قرية تسمى "سرسنا"، وفى مدخل السوق الموجود فى القرية سقط الضابط جراء ضربة شمس ومات، تجمع حوله الأهالي لاستطلاع ما الأمر، وقتها كان النبأ قد وصل إلى معسر كتيبة من الاحتلال الإنجليزى فى منطقة تدعى "كمشيش" وتحركوا فى طريقهم إلى "دنشواى" فمروا بقرية "سرسنا"، وهناك وجدوا الضابط ملقى على الأرض" ويحاول فلاح يدعى "سيد أحمد سعيد" أن يسقيه شربة ماء ظنًا منه أنه ما زال على قيد الحياه، ولكن الكتيبة رأت فيه أنه هو من قتل الضابط، وعليه ضربوه ببنادقهم، وطعنوه حتى حطموا رأسه، ومات بين أيديهم، وإلى الأن ذكرى هذا الفلاح محفورة فى قرية "سرسنا" حيث يسموه ب"شهيد سرسنا". المعادلة الأن تقول ضابط إنجليزى مات، وفلاح فى قرية "سرسنا"، وإصابة شيخ الخفر وامرأة واثنين أخرين، لكن تلك المعادلة لم تعجب المحتل، ولجأ إلى فرض القوة باعتبار أنه يود أن يأخذ بثأر الجندي الذى قتل بضربة شمس، أهناك جبروت كهذا، وبالفعل كان لهم ما أرادوه، حيث تم القبض على عدد كبير من أهالى "دنشواي"، واستمر التحقيق عدة أيام، وفى يوم 27 يونيو من نفس الشهر الذى حدثت فيه الحادثة، تم الحكم على أربعة من الأهالى بالإعدام، والأشغال الشاقة المؤبدة لاثنين، بالإضافة إلى جلدهم 50 جلدة، هذا إلى جانب جلد 50 جلدة لخمسة آخرين. تلك الحادثة التى تمر على ذاكرة المصرين كل عام، ويدرسها أبنائنا الطلاب فى المدارس، يبقى منها الدورس المستفادة فيها، وهى كما قالها "الرافعي" فى كتاب "مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية"، "أدركت مبلغ هوان المصري فى نظر الاحتلال، وتحققت ألا كرامة لأمة أو لأى فرد من أبنائها بغير الاستقلال" وهو ما كان.