لن تنسى مدينة بنها هذا الحادث المأساوي الذي أسفر عن مصرع 9 أشخاص منهم خمسة من أسرة واحدة بعد أن سقط بهم مصعد المستشفى الجامعي ، وكالعادة المتهم هو الاهمال وسيظل المتهم الحقيقي بعيدا عن المساءلة والحساب ، ولكنه لن يفلت من حساب السماء. الغريب ان وزير التعليم العالي أعلن عن صرف 100 الف جنيه لاسرة كل متوفي وهو الامر الذي لم يحدث حتى لحظة كتابة هذه السطور. صحيح انها لن تعوض غياب الراحلين ولكنها ستضمد بعض الجراح. عبد النبي محمد فودة موظف بسيط في السكة الحديد منذ 25 عام ، وعلى الرغم من مرتبه البسيط الذي لايتعدى بضعة مئات من الجنيهات إلا أن أفراد أسرته لم يشعروا بأنهم مختلفون عن غيرهم من أهالي القرية لإن عم عبد النبي كما يناديه أهالي قريته مثال للتضحية والمثابرة فهو يفعل كل شيء من أجل أسرته الصغيرة المكونة من زوجته وابنه الكبير أحمد ونجلتاه واحدة منهما تزوجت واطمأن على مستقبلها مع زوجها - وضعت مولودها الأول في نفس يوم وفاة أفراد أسرتها - أما ابنته الصغري فبدأ في تجهيزها بعد أن تقدم لخطبتها أحد جيرانهم . عم عبد النبي كان يضع كل مليم يحصل عليه لكي يستر ابنته ويزوجها ليطمئن عليها مثل شقيقتها وكان يساعده في ذلك ابنه أحمد الذي وضع مستقبل شقيقته قبل مستقبله فكان يساعد في جهازها لكنه القدر فقبل الحادث بحوالي أسبوعين أصيبت والدة عم عبد النبي ببعض الكسور نتيجة سقوطها من على السرير لكبر سنها فهي في العقد التاسع من عمرها وتقيم مع ابنها في منزله البسيط فهو وحيدها على بنتين ، كانت النور الذي ينير له حياته فذهب بها للمستشفى الجامعي ببنها لإنه من وجهة نظرهم من أكبر المستشفيات المجهزة لمثل حالتها بالإضافة لقرب المستشفى من قريتهم الواقعة بين محافظتي المنوفية والقليوبية ، وطوال 15 يوم كانت أسرة عم عبد النبي تتألم وهم يشاهدون جدتهم تعاني بسبب عدم قيام المستشفى بإجراء العملية الجراحية وتسويفهم بالإضافة للإهمال الشديد فكل شيء كان غير متوفر في المستشفى الجامعي وكل المستلزمات يشتروها على نفقتهم من الخارج حتى جاء اليوم الموعود الذي أخبروهم فيه أنه يوم العملية فذهبت الأسرة كلها ولكن لم يعودوا لمنزلهم مرة أخرى فعندما كانوا في طريقهم للانصراف وهم داخل المصعد سقط بهم من الدور السابع ويلقى عم عبد النبي حتفه مع ابنته وزوجته وشقيقته وزوجة ابن عمه عروس الجنة شيماء عبد النبي طالبة في الصف الثالث الثانوي التجاري كانت تحلم بأن تتزوج من الإنسان الذي أحبه قلبها واقترب الحلم كثيرا بعد أن تقدم لخطبتها وتم تحديد الفرح يوم الجمعة 2 فبراير وامتلأت غرفتها بجهاز عرسها وكانت تستعد لذلك اليوم بسعادة وفرح لها أهالي قريتها فهي شخصية محبوبة من الجميع لاخلاقها العالية وطيبتها لكن فرحها تحول إلى مأتم كما قال خطيبها فبدلا من أن يقرأ فاتحتها في الفرح قرأها على روحها في المقابر لتسقط شيماء جثة هامدة داخل اسانسير الموت في المستشفى الجامعي مع باقي أفراد عائلتها فيما لم يتم محاسبة المسؤول الحقيقي عن الحادث ليستمر الاهمال في انتظار ضحية جديدة. رفيقة الكفاح والموت فاطمة عربي النويهي 49 سنة أم لشاب وفتاتين كان كل حلمها هو أن تفرح بهم وتراهم في الكوشة وبالفعل فرحت بالأولى لكن ابنها أحمد أجل خطوبته حتى يساعد والده في تجهيز شقيقته الصغرى ، كافحت فاطمة مع زوجها عبد النبي طوال سنوات طويلة فهي تزوجته قبل أكثر من 25 عاما عندما كان مازال غفير صغير في السكة الحديد وتحملت معه كل شيء وساعدته حتى حصل على الشهادة الإعدادية وتمت ترقيته ليصبح موظف في الهيئة وكانت هذه هي أسعد لحظات حياتها مرت الأيام لم تهمل فيها بيتها يوما وكانت تخدم والدة زوجها المسنة طوال سنوات فهذه هي العادات والتقاليد ولم تقصر في شيء وحزنت كثيرا عندما أصيب حماتها وكانت كل يوم معها في المستشفى الجامعي ببنها ويوم الحادث كانت فرحة لأن حماتها أجرت الجراحة وستعود معهم للمنزل بعد عدة أيام وتطلب من زوجها أن يعيدها للمنزل حتى تنهي تجهيزات المنزل لعودة حماتها وتجهيز عرس ابنتها لكن الاهمال في المستشفى دمر لها أحلامها لتسقط مع عائلتها من مصعد المستشفى الذي لايصلح لحمل بني البشر وتكون ضحية مسؤول لايعرف معنى المسئولية تاركة ابنها الوحيد يعاني حزنا ومرارة على فقدان كل شيء جميل في حياته. ماتت بدلا منها عفاف محمد على شقيقة عبد النبي الصغرى متزوجة وتعيش مع زوجها في سعادة بمنزلهم بإحدى قرى الباجور حتى جاءها خبر من شقيقها يخبرها بأن والدتها أصيبت بكسر في الحوض وسيذهب بها للمستشفى الجامعي لأنها من أكبر المستشفيات الموجودة في محيطهم فتذهب للإقامة مع والدتها في المستشفى لتكتشف أن المستشفى الجامعي ليس اسم على مسمي فكل شيء غير متوفر في المستشفى وكانت تضطر في أوقات معينة إلى النزول لشراء أدوات طبية تطلب منها من أجل والدتها حتى اجرت والدتها العملية فاستأذنت أن تذهب لمنزلها لترى أولادها وترى متطلبات زوجها قبل أن تعود لوالدتها لكنها لم تعد لمنزلها ولم تعد لوالدتها بل سقطت من الدور السابع في مصعد الموت ليتم تشييع جثمانها مع عائلتها في قريتهم. أنا وحدي أما آخر الضحايا من هذه العائلة فهي نادية محمد أحمد الأبيض زوجة أبن عم عبد النبي والتي كانت في زيارة معهم لزوجه عمها في المستشفى قبل أن يسقط بهم المصعد وتموت تاركة زوجها بمفرده فهي متزوجة منذ 15 عاما لكن لم ترزق بالأطفال فكانت حياتها مع زوجها مساعد الشرطة والذي يعمل في بنها في سعادة وهناء حتي وقع الحادث المؤلم نتيجة الإهمال .