أعشق مدينة بورسعيد.. رغم أنني لست منها وليس لي فيها أقارب. علاقتي ببورسعيد بدأت من الكتب المدرسية التي سطرت بطولات أهلها في عدوان 1956 وكيف قاومت المدينة الباسلة حتي انتصرت. ثم تطورت علاقتي ببورسعيد عندما كنت أزورها مثل معظم أبناء جيلي مرتين في العام الواحد.. رحلة في الشتاء وأخري في الصيف لشراء الكسوة.. وذلك في نهايات السبعينيات وبدايات الثمانينيات. وقتها.. أخطأت فهم الشخصية البورسعيدية. فالتعامل مع التجار هناك كان سطحيا وكنا جميعا ننظر إليهم علي أنهم مثال جشع.. ولذلك لم أحب بورسعيد في صورتها التجارية البحتة.
ولكني ذات يوم.. وقعت في هوي مدينة بورسعيد عندما أمضيت فيهأ اسبوعاً بكامله. خلال 7 أيام فقط.. عرفت بورسعيد وأهلها علي حقيقتهم. تعاملت مع البقال وسائق التاكسي والجيران وصاحب المطعم والناس في شوارعها.. واكتشفت المدينة وناسها وكانت أبرز ملامحها الطيبة وحسن الخلق والعشرة الطيبة. عشقت بورسعيد.. المدينة صغيرة المساحة.. نظيفة الشوارع.. نقية الهواء وتمنيت أن تمتد إقامتي بهذه المدينة الطيبة حتي نهاية العمر. ومن يومها لا يمر عام إلا وأزور بورسعيد مرة أو مرتين علي الأقل وتعددت صداقاتي بعدد من أهلها الطيبين.
حكايتي مع بورسعيد وحبي لها.. ليس إلا مدخل لما يجري للمدينة الطيبة في أعقاب مجزرة الاستاد التي راح ضحيتها 73 مشجعاً أهلاويا واصابة أكثر من 300 متفرج الاسبوع الماضي. بمجرد وقوع المجزرة.. أدركت أن المدينة الجميلة التي أعشقها ستتم معاقبتها شعبيا.. توقعت أن يدفع أهالي بورسعيد الطيبون ثمن جريمة لم يقترفوها.. وانما ارتكبها مجموعة من الصبية المتعصبين كرويا تحركهم أصابع خفية لم يتم الكشف عنها إلي الآن وغياب أمني متعمد ومقصود.
وبالفعل.. تم عقاب بورسعيد كلها. وتم حصار المدينة الصغيرة شعبيا وأصبح من الخطر الجسيم دخول وخروج أي أحد أو أي شيء لبورسعيد. سيارات الخضار الذاهبة للمدينة تحطم في منتصف الطريق. أي شخص لا يستطيع أن يقول في أي مكان غير بورسعيد انه بورسعيدي. التراس الأهلي والزمالك وباقي الأندية الشعبية أعلنوا الانتقام من المدينة بأكملها بعد المجزرة.. وهو انتقام أعمي أعتقد أنه سينتهي قريبا عندما تهدأ النفوس.
أما حصار المدينة الجميلة فلم يستمر طويلا بعدما قرر المشير محمد حسين طنطاوي ارسال طائرات معونة لأهالي المدينة الباسلة في رسالة واضحة للجميع أن من في بورسعيد مصريون وليسوا يهودا. خطأ كبير وقع فيه الالتراس الذين احترمهم كثيرا عندما أخذوا العاطل بالباطل وقرروا الانتقام من كل بورسعيد. بورسعيد المدينة الجميلة الهادئة التي بلاشك لا يمثلها مجموعة من المتعصين كرويا. بورسعيد.. المدينة الباسلة التي نعشقها. بورسعيد.. مصرية وعزيزة علي قلوب كل المصريين.