أسطورة شعبية استقرت في عقول ووجدان الكثيرين؛ حتي تحولت إلي نوع من أنواع قصص أبو زيد الهلالي وأرسين لوبين، ذكاء خارق وجرأة مذهلة وقدرة عجيبة علي التصرف في أدق المواقف كأنه الزئبق الذي يظهر ثم يتلاشي كسرعة البرق.. إنه سفاح القرن العشرين محمود سليمان.. نشأة محمود سليمان وبدايته مع الجريمة منذ طفولته: نشأ بمحافظة قنا مركز أبو تشت بقرية المال قبلي – الكعيبات، ترك وأسرته المحافظة وسافروا إلي الإسكندرية ثم انتقلوا إلي لبنان. أقام الطفل مع أسرته في بيروت حتي كبر وأصبح عمره 7 سنوات ... وهنا بدأت قصته مع الجريمة .. لقد سرق الطفل 4 خيارات وشعر بلذة عجيبة وهو يحتضن الخيارات الأربع ويروي قصته إلي زوجته نوال ؟ قال لها : - ما زلت أذكر ذلك اليوم تماما، خبطتني أمي، وضربتني بعنف طلبت مني أن أرد ما سرقته، قفزت من الشباك، اختفيت لحظة فوق شجرة بالحديقة ثم رجعت من نفس الشباك، ودخلت والدتي ضبطتني آكل الخيار المسروق – ربطتني وانهالت علي ضربا بعيدان القصب، وجلست أبكي بعد «العلقة» وعندما علم والدي، لم يفعل شيئا، وقال لأمي – مالكيش دعوة بيه بكرة يتعلم وحده، وفرحت لما قاله أبي، ودخلت كلماته إلي قلبي، وليتها ما دخلت. بداية إجرام السفاح لم تعد سرقة الخيار تكفيه، فكان يتوق إلي تدخين السجائر ودخول السينما، تماما كما يفعل الرجال، سطا علي منزل مجاور سرق ليرات كثيرة بهرت عينه، ودخل السينما، وضبطته أمه يشعل أول سيجارة في حياته، ربطته بالسلاسل، وقرر الهرب من المدرسة، إلي لبنان وهناك التقي زعماء العصابات.. تعاقدوا معه علي القفز داخل المنازل وسرقتها لكنه دخل السجن لأول مرة .. وخرج منه وأصبح صاحب تجربة .. خرج ليواجه الكارثة التي دفعته إلي الجريمة بخطوات واسعة. في لبنان أصبح محمود سليمان معروفا لدي الشرطة اللبنانية؛ دخل السجن عدة مرات ثم خرج أو هرب – وأمرت السلطات بترحيل أسرته من لبنان نهائيا وهرب محمود سليمان من السجن ليلحق بأسرته .. وقالوا له إن أسرته سافرت إلي بلدته في الصعيد فذهب إلي هناك، فقالوا له إن التقاليد ضايقت أمه – فطردوها من القرية؛ فذهب إلي حي الحضرة بالإسكندرية والتقى بأسرته وقرر أن يسرق وأن يصبح مجرما خطيرا وبدأ يداعب الإسكندرية .. ثم القاهرة. موسوعة جينيس إن قصة محمود أمين سليمان يعتقد أنها دخلت موسوعة جينيس على اعتبار انه أول مجرم ضرب أرقاما قياسيا في تعدد حوادثه على مستوى الجمهورية، وقد كانت فلسفته أن يأخذ من الغني ويصرف على الفقير، فقد كان يسهر في فندق هيلتون النيل مع النجوم والكتاب، وكان صديقا للشاعر كامل الشناوي .. والفنان عبد الحليم حافظ ثم اكتشفوا أمره بعد سطوه على فيلا أمير الشعراء أحمد شوقي وظل طريدا – يحاول قتل زوجته نوال عبد الرءوف لمجرد أنها طلبت منه الطلاق بعد أن كان يضربها ويربطها في السرير بفندق الهيلتون حيث كان يقيم . قصصه النادرة وبعض جرائمه لقد كشفت تحريات رجال المباحث عن علاقة كانت بين المجرم واثنين من الصحفيين أحدهما يعمل بالسودان والثاني يعمل بالمغرب . وقام الصحفيان بتأليف كتاب عنه طبعه من أمواله الخاصة ووضع عليه اسمه . كانا يقدمانه لأصدقائهما الصحفيين على أنه الدكتور محمود أمين سليمان الأستاذ بالجامعة "سابقا" ويقولان عنه إنه استقال وافتتح دارا للنشر . دخل السفاح فيلا المليونير "بولفار" صاحب مصانع النسيج بمحرم بك وبدلا من أن يطلق الرصاص على المليونير أخطأ وأصاب خادمه برصاصتين في ساقه وهو يتناول طعام السحور، وسقط على الأرض يئن من الألم؛ بينما اختفى السفاح ولم يظهر له أثر تماما كما لو انشقت الأرض وابتلعته في جوفها. قصته مع محاميه بدر الدين أيوب تعرف السفاح محمود سليمان، على المحامى بدر الدين ، الذي كان يترافع عنه في كل جريمة فنشأت بينهما صداقة وطيدة – وفى أحد الأيام وهو في السجن تلقى صدمة قاتله إذ وصله أحد الأشخاص وأوحى إليه بأن زوجته تخونه مع محاميه بدر الدين أيوب، فقرر الهرب من السجن بحيله ماكرة؛ فقد ادعى بأنه ابتلع دبابيس وذهبوا به إلى المستشفي ومن هناك استطاع الهرب بان ارتدى بالطو الأطباء – ذهب إلى بيت زوجته التي كانت تجلس في حجرة مواجهه لباب الشقة ومعها والدها ووالدتها وشقيقتها، وفجأة تحطم زجاج الشقة وبرز وجه السفاح غاضبا، ومد يده من «الشراعة» بمسدس ضخم أفرغ 7 رصاصات في اتجاه زوجته أصابت ثلاثة منها شقيقتها ولكنها لم تمت، وهرب السفاح دون القبض عليه. ويقول السفاح "أنا لست مجرما كما أطلق على ..أنا رجل شريف أنا لم أبغى من ذلك كله غير شيء واحد .. قتل زوجتي وقتل بدر الدين أيوب المحامى الذي خانني مع زوجتي فقررت قتلهما، ويعترف ويقول أنا حزين على البواب الذي أطلقت عليه الرصاص بالمنيل فقد اعترض طريقي فأطلقت عليه الرصاص حتى أتمكن من الهرب. هذه الاعترافات أدلى بها السفاح عند سرقته منزل سيدة تقطن بالمنزل رقم 26 بشارع المساحة بالدقي وأمام هذه السيدة اعترف بذلك قبل أن يسرقها فقد سرق مجوهراتها وتقدر ب3000 جنيه ولاذ بالهرب بعد أن علمت حقيقته. سر الصداقة بين السفاح وكلاب الحراسة سر أخر من أسرار القاتل انكشف للمحققين ، فقد لاحظ رجال المباحث أن اللص القاتل كان يسطو على كثير من المنازل دون أن تنبح كلاب الحراسة بها، كانت الكلاب تصمت وكأنما أصابها الشلل، فاعتقد وكلاء النيابة أن اللص كان يعطى لهذه الكلاب مخدرا يمنعها من الصياح ولكن ظهر سر جديد من أسرار اللص القاتل – فقد لجأ السفاح إلى طريقة علمية لإسكات الكلاب حيث كان يستعمل بطارية من نوع قوى يسلطها على عين الكلب وتسليط الضوء على عيني الكلب يفقده القدرة على النباح فترة تكفى لتسرب اللص وعصابته إلى المنزل ويترك الكلب بعد ذلك مضطرب الحواس. - وقد أكد الدكتور السيد فؤاد عميد كلية الطب البيطري آنذاك هذه الحقيقة وقال إن تسليط ضوء قوى على عين الإنسان أو الحيوان يشل حواسه ويجعله غير قادر على التصرف لفترة من الوقت، وكان السفاح، يمتلك قدرة عجيبة على الدخول إلى النوافذ من الشبابيك داخل الشقق التي يريد سرقتها كأنه شبح يخترق النوافذ ثم يسرق ويعود كما كان. قصة فيلم اللص والكلاب لنجيب محفوظ تملكت شخصية محمود أمين سليمان كل حواس كاتبنا الكبير نجيب محفوظ ، حتى أن الكاتب يحي حقي سال نجيب محفوظ ماذا تقرأ هذه الأيام وما يشغلك ؟ فأجابه نجيب محفوظ لا شغل ولا تفكير إلا في محمود أمين سليمان عن مصرع الطغيان، وبالفعل ترجم نجيب محفوظ أفكاره وخواطره وكتب قصة فيلمه الشهير اللص والكلاب التي استوحاها من قصة السفاح محمود أمين سليمان. وزير الداخلية يسلم السائق والخفير 500 جنيه لكل منهما الأول سيشترى سيارة والثاني فدانا .. سلم عباس رضوان وزير الداخلية التنفيذي آنذاك بيده مبلغ خمسمائة جنيها إلى السائق إبراهيم على طايل والخفير عبد العظيم سيف دياب مكافأة لهما على مساعدتهما في الإرشاد عن السفاح محمود سليمان ، ووجه اليهما الوزير كلمته شكر وتقدير على يقظتهما وإخلاصهما للواجب الوطني . ومكافأة كلاب البوليس التي اشتركت في مطاردة السفاح ولم يفت المقدم كمال الحديدي قائد سلاح الكلاب البوليسية التي اشتركت في الحملة أن يكافئها، فقد أعفى هذه الكلاب الذكية من طوابير يوم كامل .. وهو ثلاثة طوابير يومية شاقة التدريب .. وجعلها تحس بالراحة الكاملة مكافأة لها على عمل جيد. رسالة من السفاح إلى الأهرام قبل مصرعه بيومين أعد اللص القاتل محمود أمين سليمان، رسالة كتبها ليبعث بها إلى الأهرام قبل مصرعه بيومين، حيث كتب اللص هذه الرسالة في كراسة مدرسية وتركها في حجرة نومه في الشقة التي استأجرها في شارع محمد على – طلب اللص في رسالته أن تنشر سلسلة واختار لنشرها يوم الثلاثاء من كل أسبوع وكتب لهذه السلسلة عنوانا – (محمود سليمان يتكلم بعد صمت طويل) ويخص الأهرام بهذه الرسالة. كتب اللص رسالته بالحبر بأسلوب مليء بالأخطاء اللغوية والإملائية، كشف فيها عن تفكير مشوش، وحاول فيها أن ينسب جرائمه ودوافعها إلى خيانة زوجته في حين أنه ارتكب 58 جريمة قبل حوادثه الأخيرة . تحدث اللص في هذه الرسالة عن زوجته، والظروف التي تم فيها زواجه منها – وحاول تحليل شخصيتها وإخلاصه لها . مصرع السفاح انتهت أسطورة المجرم محمود أمين سليمان بمصرعه في مغارة بجبل حلوان قبيل الساعة الرابعة بعد الظهر بعد أن حاصره رجال الشرطة من طرفي المغارة وفقد كل أمل في الهروب . تقدم الملازم أول صفوت سوريال وفى يده مدفع رشاش وعلى رأسه خوذه واقتحم المغارة ثم تبعته قوات الشرطة .. انطلق الرصاص، وبعد دقائق أخرجت جثة المجرم وفى ساقه 7 رصاصات من مطاردة سابقة بشارع محمد على منذ ثلاثة أيام، وصدره ورأسه مملوءين بالعديد من الطلقات، حاول الرائد رءوف عبد الوهاب مع المجرم أن يسلم نفسه وتقدم إلى قمة المغارة ونصحه بالتسليم إلا أن المجرم رفض فكان جزاؤه مصرعه وانتهاء أسطورته . أزمة بعد نهاية السفاح مانشيت مثير لجريدة الأخبار بتاريخ 10 أبريل 1960 بعد مصرع السفاح تزامن مع زيارة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لباكستان، وقيل وقتها إن تأميم الصحافة كان بسبب ذلك المانشيت المثير لجريدة الأخبار، وقيل أيضا أن علي أمين، تم إبعاده إلى انجلترا، رغم أن كثيرا من الجهات نفت تلك الأخبار، ولكن ما حدث أن مصرع السفاح قد أدى بالفعل إلى أزمة آنذاك.