نجاح كبير حققته مصر في علاج مرضي فيروس سي، جهد كبير بُذِل منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، منصب رئيس الجمهورية، انتهي باختفاء طوابير حاملي الفيروس اللعين الراغبين في العلاج، وبات العالم ينتظر قدوم اللاعب الأرجنتيني، ليونيل ميسي، من زيارته لمصر قبل نهاية العام، دعمًا لبرنامج السياحة العلاجية، وعلاج مرضي فيروس سي بالعالم داخل مصر، بعد تتويجنا بالمركز الأول عالميًا في علاج الفيروس. الإنجاز الطبي العظيم، لا يمنعنا أبدًا عن الاستمرار في مواجهة القصور الحادث بالمنظومة الصحية، فنحن نواجه العديد من التحديات التي تستوجب علي الجميع التكاتف لعبورها، وآخرها ما أحدثته الأزمة الاقتصادية الحالية وارتفاع سعر الدولار، من تأثير سلبي علي قطاع عريض من مرضي الفشل الكلوي، فنحن لدينا أكثر من 60 ألف مريض فشل كلوي سنويًا ينتظرون الموت بين الحين والآخر. مريض الفشل الكلوي يتطلب رعاية صحية خاصة، فعلاجه يحتاج الخضوع لثلاث جلسات غسيل أسبوعيًا، والنقص الملحوظ في المستلزمات الطبية أثّر بالتبعية علي المعدات والمحاليل، وجاء قرار وزير الصحة الدكتور أحمد عماد، برفع سعر جلسات الغسيل من 140 جنيهًا إلي 250 جنيهًا بمثابة ضربة قاضية للمصابين بهذا المرض. دائمًا ما تتحدث وزارة الصحة، وتصدر بيانات تؤكد عدم وجود أزمة، وأن المشكلة مفتعلة ومجرد حالات فردية، والحقيقة عكس ذلك، ففي الوقت الذي تؤكد فيه الوزارة توافر جميع المستلزمات الطبية والمحاليل اللازمة للغسيل الكلوي، تفاقمت أزمة إغلاق المراكز نتيجة نقص المحاليل الطبية. إغلاق مؤقت 9 من مراكز الغسيل الكلوي بمحافظة الفيوم، وعدد آخر في بني سويف والغربية، أعلنت إغلاقها المؤقت لمراكز الغسيل الكلوي، وتحويل المرضي إلي جهات أخري بسبب ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية والمحاليل ونقصها نتيجة ارتفاع سعر الدولار. أصحاب هذه المراكز أرسلوا عشرات الاستغاثات إلي نقابة الأطباء، مؤكدين أن تلك المراكز تخدم مئات المرضي الذين تتكفل الدولة بعلاجهم، إما عن طريق التأمين الصحي أو العلاج علي نفقة الدولة، وعقب زيادة سعر الدولار، أدي ذلك إلي وصول عبوة الملح والجلوكوز إلي 20 جنيهًا بدلًا من 6 جنيهات. ولفت أصحاب المراكز أنَ سعر الجلسة بالتأمين الصحي والعلاج علي نفقة الدولة يبلغ 140 جنيهًا، وبعد تعويم الجنيه وزيادة سعر الدولار أصبحت تكاليف الجلسة الواحدة تتعدي 235 جنيهًا، فأدي هذا الغلاء إلي إغلاق المراكز بالمحافظات. الدكتور ممدوح راغب نقيب الأطباء بالفيوم، يُشير إلي أن تلك الأزمة تم التحذير منها مُسبقًا، مؤكدًا أنها خارج إرادة الجميع، فبعد ارتفاع سعر الدولار كان يجب التأكد من وجود ما يكفي من مستحضرات طبية، لافتًا إلي أن النقابة تُرسل يوميًا استغاثات ومناشدات إلي وزير الصحة بضرورة توفير هذه المحاليل اللازمة للغسيل الكلوي، لكن دون جدوي. وأكد راغب، أن هذا الحال لا يقتصر علي مراكز الفيوم بل امتد ليصل إلي أحد المراكز بمحافظة الغربية، وهو مركز طنطا للكلي، الذي أعلن عن نقص الفلاتر المستخدمة للغسيل الكلوي، التي ستؤدي بالطبع إلي توقف المركز عن خدمة المرضي، هذا بالإضافة إلي مركز العجايبي بحلوان، الذي طالب مرضاه بإيجاد مكان بديل لعدم توافر أي مستلزمات طبية لغسيل الكلي. تدخل رئاسي الأزمة ليست وليدة اللحظة بل تم التحذير منها طوال الخمسة أشهر الماضية، وتم التنبيه إلي الأخطار الجسيمة التي تُهدد مرضي الفشل الكلوي الذين يبلغ عددهم 115 ألف مريض، موزعين علي 309 مراكز حكومية بمختلف أنحاء الجمهورية، هذا ما أكده محمود فؤاد، رئيس المركز المصري للحق في الدواء، الذي أشار إلي أن أزمة نقص المحاليل الطبية وعدم توافرها إلا بالسوق السوداء أمر شديد الخطورة، ويتطلب التدخل الفوري من رئيس الجمهورية، الذي بإمكانه إصدار قرار فوري بتصنيع تلك المحاليل محليًا، ونحن أهل لذلك، فلدينا القوة البشرية ولدينا موارد مادية، فنحن لن نخترع العجلة، المحلول الطبي ما هو إلا ماء مقطر وملح، فهل من المعقول أن نضحي بحياة المئات من أجل استيراد ودولار. تابع فؤاد: »يُعاني مرضي الغسيل الكلوي من ندرة الوفاء باحتياجاتهم من المحاليل الطبية حيث يقومون بالغسيل الكلوي 3 جلسات أسبوعيًا، ويستهلكون في الجلسة الواحدة 3 عبوات، وأصبحت المراكز تطلب منهم ضرورة شراء المحاليل علي نفقتهم الخاصة بسبب ندرتها، الأمر الذي يصعب علي محدودي الدخل من المرضي تنفيذه، فسعر عبوة المحلول الواحدة وصلت في السوق السوداء إلي 100 وأحيانًا 120 جنيهًا». كله تمام وكعادتها نفت وزارة الصحة الأزمة، علي لسان الدكتور خالد مجاهد المتحدث الرسمي باسمها، حيث أكد مجاهد عدم ورود شكاوي تُفيد بوجود نقص في الفلاتر أو المعدات الطبية، لافتًا إلي أنه لا يوجد مريض واحد لم يحصل علي جلسته من العلاج، مؤكدًا أن الخدمة المُقدمة للمرضي تُقدم علي أحسن صورة. من جانبه، أكد الدكتور جمال سعدي رئيس الجمعية المصرية لأمراض وزراعة الكلي، أستاذ الباطنة والكلي بطب قصر العيني، أن معدل حدوث أمراض الكلي سنويًا يتراوح بين 100 إلي 150 حالة لكل مليون شخص، مشيرًا إلي أن الحالات المُتراكمة الموجودة في مصر تصل إلي حوالي 650 حالة لكل مليون شخص في مصر، مؤكدًا أن المرضي الذين يعانون من قصور في وظائف الكلي والحالات التي تحتاج إلي غسيل كلوي مستمر تصل إلي 60 ألف حالة. وأشار سعدي، إلي أن الأزمة الحالية التي يُعاني منها مرضي الفشل الكلوي ليست بعيدة عنه نظرًا لعمل الجمعية، مؤكدًا أن حلها مسألة وقت ليس أكثر، فبعد ارتفاع سعر الدولار كانت تلك النتيجة المتوقعة وكان يجدر بالمسئولين التأكد من وجود فائض من المستلزمات الطبية من محاليل وغيرها، لافتًا إلي أن السعر المُقرر من قبل وزارة الصحة »140 جنيها» لم يرتفع منذ عشرة أعوام سابقة، وبالتالي التكلفة الفعلية للغسيل أصبحت تتخطي ال250 جنيها، مُطالبًا وزارة الصحة بدعم هؤلاء المرضي، وزيادة الميزانية المُخصصة لعلاجهم. تحذيرات النقابة النقابة العامة للأطباء، ناشدت رئاسة مجلس الوزراء، ووزيري الصحة والمالية، ضرورة أن تكون الأولوية في ظل أزمة الدولار الحالية للأدوية ومستلزمات العلاج، وأشارت النقابة إلي ضرورة أن تكون هناك أولوية لتوفير العملة الصعبة لتوفير الدواء المستورد الذي لا يوجد له بديل بمصر، وكذلك المواد الخام اللازمة لتصنيع الأدوية المصنعة بمصر. وطالبت النقابة، المسئولين بضرورة بذل كافة الجهود لإيجاد حل سريع حتي لا تتفاقم الأزمة وتنعكس علي المريض ومنع أي محاولات لاستخدام هذه الأزمة لتربح البعض علي حساب المريض الذي أصبح لا يحتمل المزيد من المعاناة، مُطالبة بضرورة تدخل وزارة الصحة وإمداد مراكز الغسيل الكلوي بالمستلزمات الخاصة لإجراء جلسة الغسيل الكلوي الدموي، إضافة إلي رفع سعر جلسة الغسيل الكلوي المدفوعة من التأمين الصحي أو بقرار العلاج علي نفقة الدولة إلي 250 أو 300 جنيه، لتتواكب مع زيادة الأسعار الحالية. الحكومة تتكفل الدولة ستتحمل فارق الزيادة التي تم إضافتها علي سعر إجراء جلسات الغسيل الكلوي من 140 إلي 200 جنيه، سواء بالمستشفيات الحكومية أو الخاصة، نتيجة ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية، هذا ما أكده الدكتور أحمد عماد الدين وزير الصحة، مُشيرًا إلي أنه يتم حاليًا دعم الميزانية بقيمة 600 مليون جنيه، إضافة إلي تكلفة علاج مرضي الفشل الكلوي علي نفقة الدولة سنويًا بحوالي 750 مليون جنيه، وذلك لتغطية فرق التكلفة في أسعار الجلسات. وأكد وزير الصحة، في بيان له، أن هناك تعليمات صارمة لمديريات الشئون الصحية بالمحافظات بتشغيل وحدات الغسيل الكلوي بالمستشفيات بمعدل 4 »نوبات عمل» بدل »نوبتين» فقط، وذلك لاستيعاب أي عدد من المرضي حال توقف المراكز الخاصة عن العمل. وبدأت الوزارة في التعاقد علي توريد 6 ملايين فلتر غسيل كلوي، بمختلف مراكز الكلي علي مستوي الجمهورية، وتم تكليف مدير الطب العلاجي بالوزارة بالتعاون مع التموين الطبي لتوزيع 302 ألف فلتر غسيل كلوي علي جميع المستشفيات ومراكز ووحدات الغسيل الكلوي التابعة للوزارة. الدكتور أحمد محيي رئيس قطاع الطب العلاجي بوزارة الصحة، أشار إلي أن الأسبوع المقبل سيشهد توزيع 302 ألف فلتر علي المستشفيات، لافتًا إلي أن 36 ألف مريض يجرون عمليات غسيل كلوي بشكل مستمر علي نفقة الدولة، مضيفًا أن الوزارة ليس بها أزمات في مسألة توفير المستلزمات الطبية. وأوضح، أن الوزارة غير مسئولة عن أي مراكز خاصة تقوم بعمليات الغسيل الكلوي، مشيرًا إلي أن الوزارة يمكنها التدخل لحل أزمات القطاع الخاص مع الشركات لتوفير فلاتر الغسيل الكلوي للمراكز، لافتًا إلي أن الأرصدة الموجودة حاليًا بمخازن بعض المديريات والمستشفيات تكفي لمدة 21 يومًا فقط، والبعض الآخر يكفي لمدة شهر ونصف.