" من هو حماري " : الحمار له في حياتي شأن . إنه عندي كائن مقدس كما كان الجعران عند المصريين القدماء – لقد عرفته منذ صغري في صورة جحش جميل اشتراه لي أهلي بثلاثين قرشا . وجعلوه لنزهتي في الريف وكانت له بردعه صغيره حمراء لا أنساها . وكنا خير رفيقين لا نفترق إلا للنوم – فقد كان في مثل سني ... أي في طور الطفولة من فصيلته كما كنت أنا في طور الطفولة في جنسي . علي هذه الحال من المودة عشنا حتي فرقت بيننا الأيام . فذهبت أنا إلي مدارس الحضر وبقي هو في ريفه .. وعدت في الصيف بعد أعوام فوجدت الحياة قد تنكرت له . فالبردعة الحمراء قد نزعت من فوق ظهره وألقي بها في مكان مهجور .. ووضع مكانها " غبيط " – يحمل فيه التراب والسماد والطين .. فدنوت منه ومسحت رأسه المعفر بكفي فنظر إلي نظرة حزينة وكأنه يقول لي : أرأيت ؟ لقد ذهبت الطفولة وولت أيام الهناء ؟ وحزنت تلك النظرة في قلبي ونظرت إلي من حولي قائلا : أما كنتم تستطيعون أن تجنبوه هذا العمل الشاق المهين .. وتجعلوه علي الأقل للركوب ! وكأنه فهم عني فقد رفع رأسه نحوي وكأنه يقول : " لا فائدة ! لا تجهد نفسك معهم .. ما من أحد غيرك يعرف لي قدرا ! " توفيق الحكيم 1945