كأن الأيام لم تمر. مازلت أذكر ذلك الصباح من أيام شتاء عام 1986.. كنت وقتها طالباً بجامعة القاهرة.. وبمجرد وصولي إلي مبني كلية الاقتصاد والعلوم السياسية استوقفني طالب لا أعرفه وسألني سؤالاً مباشراً وصادماً: - مش هتشارك معانا في المظاهرة؟ ورددت السؤال: مظاهرة إيه؟ قال الطالب مستغرباً: - سليمان خاطر.. قتلوه في السجن! وتركني الطالب مستنكراً جهلي بحكاية سليمان خاطر.. واستوقف مجموعة أخري من طلاب كليتي الإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية. لم تمض دقائق حتي اشتعلت المظاهرة في كل أرجاء الجامعة.. مظاهرة حاشدة كان الهتاف الأساسي فيها: «حسني مبارك يا جبان.. يا عميل الأمريكان» وهتاف آخر يقول: يا سليمان يا سليمان أنت بطل.. وحسني جبان ودون أن أشعر.. وجدتني مشاركاً في هذه المظاهرة الحاشدة. لم تكن المظاهرة في أساسها من أجل ابن الشرقية سليمان خاطر الجندي البسيط الذي قتل 7 من اليهود اخترقوا الحدود المصرية.. وانما كانت مظاهرة ضد الموقف الخسيس الذي اتخذه مبارك وقتها حينما أمر بايداع البطل المصري السجن ثم تم قتله غدراً وصور وقتها الاعلام المصري علي أن البطل الشهيد مات منتحراً.. ثم خرج رئيس الجمهورية ذليلاً يعتذر للصهاينة عن قتل أحد جنوده لسبعة من اليهود. موقف مبارك من بطولة سليمان خاطر هو ما اشعل المظاهرة التي رجت جامعة القاهرة وكل جامعات مصر في جميع المحافظات.. موقف الرئيس الذليل للأعداء ..للتخاذل قاتل أبناء شعبه إرضاءً للأمريكان والصهاينة لذلك كانت كل الهتافات تنادي بسقوط مبارك الجبان الذي تحول بعد سنوات إلي فاسد وفرعون مارق. مظاهرة سليمان خاطر كانت أولي مشاركاتي في عمل سياسي.. ولذلك لن أنسي هذا الاسم ما حييت.. سليمان خاطر الجندي البسيط الذي تصرف بعفوية شديدة حينما امسك بسلاحه وقتل 7 من اليهود اخترقوا الحدود المصرية بكل صلف وغرور. وواجه الطلبة القوة الغاشمة.. عساكر الأمن المركزي الذين تلقوا أوامر صارمة بعدم خروج المظاهرة خارج أسوار الجامعة. وبدأت معارك الغاز المسيل للدموع من جانب العسكر وحرب الطوب من جانبنا.. وأصيب من أصيب ومر اليوم الذي هاجم فيه طلبة الجامعة لأول مرة حسني مبارك رئيس الجمهورية بأعلي صوت. من يومها واعتقد أن معظم أبناء جيلي اكتشفوا مبارك علي حقيقته التي حاول طيلة 30 عاما اخفاءها عن شعبه.. اكتشف معظم أبناء هذا الجيل أن الرجل الذي يحكمنا بالحديد والنار خانع ذليل أمام الاعداء.. لا يجرؤ علي اتخاذ موقف واحد.. وقبض ثمن خنوعه ملايين ومليارات من الدولارات. اكتشف أبناء هذا الجيل والأجيال التي تلته مدي عمالة هذا الرئيس وضعفه.. وفقدنا جميعاً الأمل في أن تعود مصر إلي سابق عهدها عندما تتحدث تهز الدنيا كلها من شمالها إلي جنوبها ومن شرقها إلي غربها. تحية إلي سليمان خاطر في ذكري استشهاده علي يد زبانية مبارك الخانع لإسرائيل تحية لابن محافظة الشرقية البسيط الذي ازال الغشاوة عن أعين أجيال كاملة بمقتله. لقد عرفنا وادركنا أن من يحكمنا مستعد لقتلنا جميعاً في مقابل ارضاء أعدائنا الصهاينة وأسياده الأمريكان حتي يجمع الدولارات في خزائنه وهو ما اثبتته الأيام.