يُعد المعرض كما أعلن البيان الصادر عن قطاع الفنون التشكيلية باكورة ثمار بروتوكول التعاون المُوقع بين وزارة الثقافة المصرية ومؤسسة الشارقة للفنون، كما أنه نتاج عامين من التنسيق والتحضير بين القطاع وبين مؤسسة الشارقة للفنون ليخرج للنور في صورة تليق وأهميته وتم الاتفاق علي انطلاقته الأولي من القاهرة ثم إلي الشارقة ومنها إلي جولة عالمية . إضافة إلي المقتنيات الخاصة بمؤسسة الشارقة ومجموعة فان ليو التي قدمتها الجامعة الأمريكية والمقتنيات الخاصة بالأفراد. حسب الإحصائية الصادرة عن قطاع الفنون التشكيلية قدمت وزارة الثقافة المصرية 42عملا من مقتنيات متحف الفن الحديث بالقاهرة، و9 أعمال من مقتنيات متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية، و7 أعمال من مقتنيات مركز محمود سعيد للمتاحف بالإسكندرية ، وعمل من مقتنيات متحف إنجي أفلاطون بالقاهرة، إضافة إلي 28 عملا مقتنيات خاصة بمؤسسة الشارقة للفنون ومؤسسة براجيل ، و 25 صورة فوتوغرافية من مقتنيات مكتبة الكتب النادرة بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة وهي مجموعة ( فان ليو ) ، إضافة إلي المقتنيات الخاصة بكل من شيرين أحمد مرسي (7 أعمال)، وأحمد مصطفي (4 أعمال)، وسمير غريب (3 أعمال)، و نديم إلياس (7 أعمال)، ومحمد أبو الغار (عملان)، وأحمد خضر (11 عملا) ، ونجيب ساويرس (عملان)، وهشام منير كنعان (8 أعمال). ولأول مرة يتمكن الجمهور المصري من الوقوف أمام تلك الكنوز الفنية وجها لوجه بعد أن ظلت حبيسة المخازن أو المتاحف المغلقة في كثير من الأحيان في وجه الجماهير بسبب الصيانة وأعمال التجديد ، فلأول مرة أقف أمام لوحات الجزار الشهيرة "الكورس الشعبي" و"مفتاح الزمن" و"الإنسان والآلة" وغيرها لأشعر بالرهبة .. رهبة منبعها قدسية الحضور وطغيان الوجود الروحي للعمل وصاحبه .. تلك الروح التي سيطرت علي المكان من اجتماع تلك الروائع التي قاومت الزمن وحملت تحت طبقات الألوان أرواح الخالدين .. وكنت كلما اقتربت من لوحة "مفتاح الزمن " أو كما قرأت عنها قبل ذلك تحت اسم "الماضي والحاضر والمستقبل" سرت في جسدي قشعريرة وشعرت بأنه من الممكن جدا أن تخطفني اللوحة في ذلك التيه الذي خلقه الجزار بعبقرية . وليس هذا فحسب بل إن المجموعة التي قدمتها الشارقة قد مكنت الجمهور من التعرف علي أعمال كمال يوسف الذي تكلفت مؤسسة الشارقة ود.صلاح حسن عناء التواصل معه في أمريكا حيث يقيم، بل وتولت تنظيم معرض كامل لأعماله بمتحف الشارقة للفنون، وعرضت بالقاهرة بعضا من أعماله ومنها تمثال خشبي صغير تم عرضه بالطابق الثالث بقصر الفنون .. وكمال يوسف هو أحد أبرز السرياليين المصريين في جيله. إضافة أيضا إلي تقديم عدد من أعمال الفنان إبراهيم مسعودة، الذي عرضت أعماله عام 1952 بصالة متحف الفن الحديث الكائنة آنذاك بشارع قصر النيل، في معرض ضم أعمال حسن التلمساني وعبد الهادي الجزار وكمال يوسف وافتتحه محمد يوسف همام مراقب عام الفنون الجميلة ، وذلك حسب إحدي الوثائق التي قدمت المعرض. عشرات الأعمال الفنية المذهلة لعمالقة الفن التشكيلي من أمثال حامد ندا وسمير رافع وإنجي أفلاطون عبد الهادي الجزار وأحمد مرسي الذي تأثر بالجزار في عدد من أعماله، وغيرهم من العمالقة الذين جمع بينهم شيئا واحدا هو انتماؤهم للحركة السريالية المصرية ، بما تشكله من أهمية علي الصعيدين الفني والاجتماعي، ولعل مشاهدة تلك الأعمال فقط هو المكسب الأهم من هذا المعرض الذي ضم مجموعة مهمة من الوثائق المتوفرة عن هذه المرحلة المهمة من تاريخ الفن المصري، والتي تُسلط الضوء علي قصة الجماعة السريالية المصرية بما في ذلك صور ومطبوعات وملصقات ومقتطفات من جرائد وبيانات من مواد أرشيفية مختارة طبقا لتسلسل زمني لأحداث هامة ذات علاقة بتطور الحركة السريالية المصرية في سياق التاريخ الثقافي والسياسي لمصر عامة. وسوف لن أطيل الحديث هنا عن تلك الروائع الفنية وتاريخ الحركة السريالية ومغزاها حيث يتناولها تفصيلا: د.عماد أبو غازي، ود. صلاح حسن، ود.مصطفي الرزاز ، وعز الدين نجيب علي صفحات هذا الملف . انتقادات بالجملة إلا أن أهمية هذا المعرض أيضا تتمثل كذلك في حجم الانتقادات التي وجهت له بصورة غير مسبوقة ، لتخرج الصحف والجرائد والمواقع الإلكترونية والصفحات الشخصية علي الفيس بوك بسيل من الانتقادات وأبرزها علي سبيل المثال لا الحصر أن كثيرا من الأعمال التي تم عرضها لا تنتمي للسريالية بأي حال من الأحوال وهو ما تسبب في تشتيت زوار المعرض وخلط الأوراق الفنية، كذلك فإن كثير من الأعمال جاوزت التاريخ الزمني الذي حدده القائمون علي تنظيم المعرض والممتد بين 1938 : 1965، حيث ضم عددا من الأعمال التي ترجع للسبيعنات ومنها أعمال الفنان أحمد مصطفي والفنان محمد رياض سعيد، بخلاف وجود أعمال لعبد الهادي الوشاحي ضمن معرض عن السرياليين وهو الذي قال عنه تلامذته إنه لم ينتم يوما للسرياليين،إضافة إلي آلية العرض التي اتبعها المنظمون حيث بدت الأعمال مرتبة بعشوائية أو علي الأقل بمنهجية مجهولة للزوار، زاد من سوء الأمر عدم وجود دليل إرشادي للزوار أو كتالوج به الأعمال التي ضمها المعرض وهو ما أثار حنق الكثيرين من محبي الفن ، خاصة مع رفع لافتة ممنوع التصوير دون وجود ما يبرر ذلك. أما علي الجانب الآخر فقد عصف القلق بالكثيرين ممن شعروا بالخوف المرتبط بخروج هذا الكم من الأعمال الأصلية التي تشكل تراثنا الفني إلي معرض جوال، ووجود احتمالية عدم عودة الأعمال مرة أخري أو تزييفها لتظهر بعد عدة سنوات في أشهر صالات المزادات العالمية ، لا سيما وأن الذاكرة لا تزال تحمل عدة حوادث منها اختفاء لوحة"الراهبة" للفنان أحمد صبري ، حيث خرجت اللوحة، التي يقدر ثمنها بملايين الجنيهات للمشاركة في أحد المعارض الخارجية ولم تعد، إضافة إلي حادث اختفاء لوحة"زهرة الخشخاش" التي دفع الراحل محسن شعلان ثمنها من حريته والتي ربما كانت هي السبب في تدهور صحته وموته كمدا بعد أن سجن بسبب تلك الواقعة، إضافة إلي حادث اختفاء لوحتين من دار الأوبرا المصرية، وبالرغم من عودتهما لم يكن هناك أخبار رادعة عن معاقبة الجاني ترهب من تسول له نفسه بفعلة مشابهة. كما أثير الكثير من التساؤلات حول سبب وجود مقتنيات خاصة بأفراد في معرض بهذه الأهمية، ومدي أصالة تلك الأعمال والعائد وراء ذلك خاصة وأن الجهة المنظمة ستتحمل عبء تأمين تلك اللوحات والحفاظ عليها ، هذا بخلاف رفض الكثيرين أن تكون مؤسسة الشارقة هي المنظم الرئيسي للحدث وأن يتراجع دور وزارة الثقافة لتكون هي واحدة من مؤسستين تتعاون معهما الشارقة تتمثل الثانية في الجامعة الأمريكية التي عرضت مجموعة فان ليو . حملت كل تلك التساؤلات وذهبت للقاء الفنان إيهاب اللبان أحد قومسيرات المعرض للاستماع إلي وجهة النظر ودار بيننا حوار امتد لساعتين، في البداية تحدث عن اسم المعرض قائلا : لقد اخترنا أن يكون اسم المعرض "حين يصبح الفن حرية .. السرياليون المصريون (1938-1965) " وليست السريالية، حيث الحديث هنا عن الفنانين الذين ينتمون إلي السريالية وليست الأعمال السريالية ، فكون "فنان سريالي" لا تعني بالضرورة أن كافة أعماله سريالية ولكن ممكن أن يكون جزء من أعماله فقط هي التي تنتمي للسريالية، لذا فضلنا أن نعرض جملة شبه متكاملة لكل فنان تتضمن مشهدا متقدما ومشهدا متأخرا من إنتاجه غير إنتاجه السريالي، فبعض الفنانين انتموا لهذا الاتجاه وخرجوا منه سريعا، وبعض الفنانين انتموا إليه ولكن لهم أنتاج مختلف تماما بعيدا عن هذا الاتجاه. كذلك فيما يتعلق بعرض الأعمال الفنية خارج الفترة الزمنية التي حددها المعرض في العنوان يقول اللبان : قررنا أن نفتح الجملة وأن نعرض نماذج لاحقة للحركة السريالية المصرية، تلك الأعمال التي يظهر فيها جليا تأثر فنانيها بالتوجه السريالي، وهم كثيرون ولكننا فضلنا أن نلقي الضوء علي بعضهم، ومنهم علي سبيل المثال الفنان أحمد مصطفي وهو مشهور باهتمامه بالحروف العربية إلا أن ذلك لم يمنع من وجود توجه سريالي قوي في بعض أعماله، وقد عرضنا له لوحتين كانتا بمتحف الفن في الإسكندرية وحين تواصلنا معه قدم أربعة أعمال من أروع ما يكون أضفناها للمعرض.. كذلك الفنان محمد رياض سعيد والفنان محمد القباني وآخرون. ويضيف اللبان: إن ما قدمناه خارج الفترة الزمنية المحددة هي مجرد نماذج والبحث ممتد ويمكن أن يطرح النقاد أسماء جديدة لفنانين آخرين تأثروا بالتوجه السريالي، وربما نضيف في المستقبل نماذج أخري للمعرض. وفي هذا السياق أشار اللبان إلي ضم أعمال الوشاحي لمعرض السرياليين رغم عدم انتمائه للجماعة السريالية، حيث قال رأينا أن هناك ملمحا سرياليا في أعمال الوشاحي، فالمنطقية في البناء والتنفيذ ليس لها علاقة بالمنطقية في التفكير، فقد كان الوشاحي يذهب بعقله وخياله لنماذج خارج الواقع كأن يصور شخصيات مجنحة، وليس هناك ما يمنعني من طرح رؤيتي ومن حق النقاد والجمهور الاتفاق أو الاختلاف، فالاختلاف يخلق حراكا فنيا وفكريا ، ولكنني أرفض الجزم في الحكم ، لأنه ليس هناك أمور قاطعة في الحكم علي العمل الفني. ويضيف اللبان إن رؤية المعرض كانت نتاج مشاورات تمت بين القيمين القائمين علي المعرض وهم د.صلاح حسن الناقد السوداني ومدير معهد الحداثات المقارنة بجامعة كورنيل وحور القاسمي مدير مؤسسة الشارقة للفنون ود.نجلاء سمير الأستاذ المشارك بقسم الفنون بالجامعة الأمريكية إضافة إليه. غياب الكتالوج وممنوع التصوير ربما كان ما ذكره اللبان في إطار رؤية القائمين علي تنظيم المعرض له ما يبرره، في إطار حرية الطرح والتنسيق إلا أنه في وجهة نظري ما خلق هذا القدر من البلبلة هو غياب الشرح والتفسير ، فلم يكن هناك ما يوضح تلك النقاط أمام زوار المعرض، فقد كان من الممكن أن تضاف جملتين إلي اللوحات الشارحة التي تضمنها المعرض لتقطع الشك باليقين ، بدلا من أن يتوقف الزوار داخل المعرض يتساءلون عن ماهية تلك اللوحات التي لا تنتمي للسريالية وسبب وجودها داخل المعرض، ربما كان من الأفضل وضع النماذج التي لا تنتمي للفترة الزمنية التي حددها المعرض في قسم منفصل مع وجود ما يفسر عرض تلك اللوحات التي تأتي خارج إطار التصنيف الزمني، لقد تم تصنيف المعرض طبقا لمراحل تاريخية وجماعات حسبما ذكر اللبان. لكن ذلك أيضا لم يكن مشارا إليه. ورغم ما قاله إيهاب اللبان عن أن كل ذلك موجود داخل كتالوج المعرض، وأن تأخر الكتالوج سببه ضيق الوقت حيث استغرق تصوير الأعمال وتصنيفها والعمل علي الكتالوج وقت طويل، لم يكن من الممكن إتاحته مع بداية المعرض ، إلا أنني أري أنه ليس هناك ما يبرر غياب الكتالوج في معرض بهذه الضخامة ، فوجود مؤسستين بحجم وزارة الثقافة والشارقة لابد أن يضمن التخطيط السليم لخروج الكتالوج في الوقت المحدد .. أو علي الأقل مطوية يحملها الزائر العادي معه حتي صدور الكتالوج النهائي .. أما أن يغادر الزائر المعرض دون أن يحمل ورقة واحدة أو حتي صورة واحدة بمحموله بعد قرار منع التصوير فهو أمر غير مقبول. أما عن منع التصوير بسبب الخوف علي الأعمال من فلاشات الكاميرات، فمن الممكن جدا منع التصوير بالفلاش، أما المنع هنا هل بسبب حقوق النشر الخاصة ببعض الجهات والأفراد؟، فالتصوير أمر شائع حتي في أكبر المتاحف العالمية، وإذا كانت هناك جهات تمنع التصوير فعلي الأقل توفر الكتالوج الذي يحصل عليه الزائر ولو بمقابل مادي .. المهم أن منع التصوير وعدم وجود الكتالوج هو واحد من المآخذ القوية ضد المعرض. ولكن يبقي أن صدور كتالوج يضم هذه الروائع الفنية هو حدث ينتظره محبو الفن ، كذلك يقول اللبان أنه هناك كتالوجا توثيقيا ضخما سيصدر عقب انتهاء كافة فاعليات المشروع يختلف عن كتالوجات المعارض التي ستقام علي حدة، في إطار البروتوكول الموقع بين الشارقة ووزارة الثقافة. غياب اللوحات بين التزييف والهجرة هل حقا ستضيع كنوزنا الفنية ؟ هل ستسافر فلا تعود مرة أخري أو يتم تزييفها بالخارج ؟ كانت تلك الأسئلة هي أكثر الانتقادات قسوة، فالخوف من ضياع لوحة واحدة يثير الرعب فما بالك بضياع تلك الثروات. الأمر في الواقع متعلق بالإجراءات التأمينية، حيث يقول إيهاب اللبان : خروج لوحة واحدة من أي متحف يتطلب إجراءات مشددة، ومن بينها أخذ بصمة للوحة، حيث يتم مضاهاتها بالبصمة مرة أخري عقب عودتها ، ثانيا : تأمين اللوحات الذي تغطيه مؤسسة الشارقة يبدأ منذ اللحظة الأولي والذي يتضمن كافة الجوانب، كذلك فإن القيمة التأمينية لكل عمل تبلغ أربعة أضعاف قيمة العمل نفسه .. ويضيف اللبان أن عقب كل عرض ستعود اللوحات إلي أماكنها الأصلية وحال وجود معرض جديد خارج مصر سوف تخرج اللوحات بنفس الإجراءات المشددة . أما عن تخوف الناس بسبب الحوادث السابقة لضياع بعض اللوحات، فيقول إيهاب: تلك اللوحات التي ضاعت قبل ذلك حوادث إهمال ، أما هنا فالوضع مختلف لأن الأعمال معروفة ومؤمن عليها. مضيفا أنها ليست المرة الأولي التي تتم فيها إعارة لوحات فنية لخارج مصر، فهناك علي سبيل المثال معرض "منسيو القاهرة"، والذي ضم حوالي 170 عملاً خرجت للعرض بالأورساي بفرنسا وقد حقق المعرض نجاحا كبيرا ، وغير ذلك من الأمثلة عديدة . كذلك فيما يتعلق بأعمال الأفراد الذين تم اقتناء (عرض) أعمال منهم، فقد تم التأكد من أصالتها عن طريق إدارة المعاينات والترميم بوزارة الثقافة، كما تم أخذ بصمتها للمطابقة قبل وبعد الاستلام، وإذا كانت هناك بعض الانتقادات الموجهة بسبب الاستعانة بأفراد في معرض بهذا الحجم فوجود مقتنيات خاصة بأفراد هو أمر شائع في المعارض الكبري في جميع أنحاء العالم ، ثم لماذا لا يتم الاستعانة بمقتنيات الأفراد إذا كانت ستضيف إلي المشهد. سألت اللبان وكيف عرفت بوجود تلك اللوحات لدي هؤلاء الأفراد، فأجابني: سوق الفن التشكيلي في مصر محدود وبالتالي المقتنون معروفون بالاسم ، ورغم ذلك هناك لوحات أخري لدي مقتنين لا نعرف عنها شيئا . وزارة الثقافة المصرية صاحبة اليد العليا في بروتوكول التعاون بالرغم من كون مؤسسة الشارقة هي منتج الحدث وهي المنظم الرئيسي المسئول عن تمويل الفكرة منذ بدايتها ومرورا بتنظيم المؤتمر الذي عقد بالجامعة الأمريكية العام الماضي وصولا للمعرض الحالي إلا أن وزارة الثقافة هي صاحبة اليد العليا -حسب تعبير إيهاب اللبان- في بروتوكول التعاون الذي تم توقيعه مؤخرا..فمن حق الوزارة رفض عرض الأعمال في المكان الذي لا تراه مناسبا.. حيث يتطلب انتقال المعرض لدولة جديدة توقيع تعاقد منفصل، كذلك يحق لوزارة الثقافة رفض سفر أي لوحة ، فليس ملزما سفر كل مقتنيات وزارة الثقافة كل مرة ، وليس من حق المنظمين إضافة أو حذف أي عمل من المعرض دون الرجوع للوزارة. ويضيف اللبان: كذلك أصررنا أن يقام المعرض الأول بمصر ، قبل سفر الأعمال لأي مكان ، ليكون الجمهور الأول للمعرض هو الجمهور المصري . إقصاء المصريين مطروح للمناقشة في تغطيته لمؤتمر السريالية المصرية الذي عقد بالجامعة الأمريكية كتب أحمد ناجي لأخبار الأدب: شهدت أولي جلسات المؤتمر نقاشاً حول أسباب غياب الحركة السريالية المصرية من التاريخ الثقافي. وكان من المقرر أن يحضر سمير غريب، لكنه اعتذر لظروف صحية وأرسل ورقة قرأها صلاح حسن أستاذ تاريخ الفن والدراسات البصرية بجامعة كورنيل. سمير غريب استعرض في ورقته تاريخه الشخصي مع الحركة السريالية المصرية بداية بكتابه "السريالية في مصر" الذي صدر عام 1986، وكان أول الكتب التي سلطت الضوء علي تاريخ الحركة. ثم كتابه "راية الخيال". حيث أثار كلا العملين شهية المترجمين والمهتمين بتاريخ الفنون لإعادة اكتشاف تاريخ الحركة. توقفت كثيرا عند جملة غياب السريالية المصرية من التاريخ الثقافي، ثم ربطها بما يحدث الآن علي الساحة وهو النقيض تماما ، حيث يعود الفضل لدكتور صلاح حسن (أمريكي من أصل سوداني) صاحب فكرة المشروع من البداية ولمؤسسة الشارقة في عودة الاهتمام المكثف بالسريالية المصرية ، الأمر الذي نتج عنه مؤتمر السريالية العام الماضي والذي شارك فيه مجموعة متميزة من الباحثين والنقاد والفنانين المعنيين بالقضايا المتعلقة بالفن السريالي في مصر، ومن ضمنهم عماد أبو غازي، بشير السباعي، عادل السيوي، باتريك كين، سمير غريب، مانثيا دياوارا، جان كولومبين، مي تلمساني، ومني خازندار وآخرون. وقدم المشاركون أوراقهم البحثية التي تنوع محتواها ما بين نشأة السريالية والدور الجوهري الذي لعبته علي المستوي الفني والسياسي في تاريخ الفن المصري والعالمي، وأبرز رموزها، بالإضافة إلي واقعها المعاصر ودورها الحالي علي مستوي الساحة الفنية في مصر. وهي الأوراق التي تم تجميعها لتنشر قريبا في كتاب توثيقي مهم. ثم طرحت علي نفسي ذات التساؤل الذي أثير ضمن الانتقادات الموجهة لمعرض السرياليين المصريين أين كان الأكاديميون والباحثون المصريون طوال تلك الفترة وأين أساتذة الفن من تصنيف الأعمال واختيارها، ثم طرحت سؤالا آخر حول أسباب وجود عاصفة من الانتقادات لقيام ناقد غير مصري هو بالأصل صاحب الفكرة ومحركها وسيدة إماراتية هي مدير مؤسسة تقوم بدور الداعم المالي لتحريك فكرة ظلت بعيدة عن دائرة الضوء سنوات طويلة .. وتساءلت أيضا- هل هناك ما يمنع أن يتقدم ناقد غير مصري بفكرة وينفذها.. الأفكار أبناء أصحابها وهم الأولي بها، وإذا كان هذا الرجل قد تمكن من خلال جهوده من تحريك مؤسسة الشارقة لتنظيم هذا المؤتمر الهام الذي استضافته الجامعة الأمريكية ستصدر أبحاثه قريبا فشكرا له لاهتمامه بتراثنا الفني والفكري وتقديمه إلي العالم. ويبقي السؤال حول علاقة د.صلاح حسن بمؤسسة الشارقة، هو فعلا سؤال مهم لأنه يوضح خلفيات قد تكون غائبة في سياق هذا الحدث، فالتعاون قائم بالفعل منذ فترة نتج عنه أن قام د.حسن بتنظيم معرض لأعمال الفنان السوداني إبراهيم الصلحي "رؤي الحداثة" الذي استضافه متحف الشارقة للفنون منذ عدة سنوات ليعكس المعرض مسيرة الفنان السوداني إبراهيم الصلحي الذي يعد واحدا من أكثر الفنانين المعاصرين تأثيرا في الفن الحديث في السودان وواحداً من أبرز رموز الفن التشكيلي المعاصر ..وتضمن المعرض حوالي 80 عملا حصيلة أكثر من خمسة عقود من تاريخ الفنان وأسفاره. فمن خلال أعماله الفنية وكتاباته ونقده الفني أسهم الصلحي مساهمة أساسية في متابعة حركة الحداثة في أفريقيا والعالم العربي وقد ألهم الفنان الذي تجاوز أسلوبه المتفرد الحدود الجغرافية والثقافية أجيالا من الفنانين في السودان وأماكن أخري في أفريقيا. وقد انتقل هذا المعرض إلي متحف "التيت الحديث" ومبعث الأهمية في ذلك ، أنه بذلك هو المعرض الأول الذي خصصه ذلك المتحف لفنان أفريقي معاصر. كذلك تعاون د.صلاح حسن مع مؤسسة الشارقة لتنظيم معرض فردي لأعمال الفنان المصري كمال يوسف تحت عنوان" كبسولة الزمن للسريالية المصرية 2016" والممتد من 17 سبتمبر إلي 17 نوفمبر بمتحف الشارقة للفنون، وهو أحد أبرز السرياليين المصريين في جيله. فاهتمام د.صلاح حسن بالسريالية أساسا منبعه اهتمامه الأكاديمي بحركات الحداثة في أفريقيا، وهو ما تفصح عنه سيرته الذاتية حيث إنه أستاذ كرسي قولدوين اسميث لتاريخ الفن والثقافة البصرية في أفريقيا والشتات الأفريقي بمعهد الدراسات والبحوث الأفريقيانية، وأستاذ بشعبة تاريخ الفن والدراسات البصرية بجامعة كورنيل. ويعمل حالياً مديراً لمعهد الحداثات المقارنة بجامعة كورنيل. وفي حواره معي يقول د.صلاح : اهتمامي بالسريالية بدأ ضمن اهتمامي بتاريخ الحداثة في العالم العربي والأفريقي، ولا يمكن الحديث عن حركات الحداثة وما بعد الحداثة دون الحديث عن العرب والأفارقة، فالحداثة بمختلف تجلياتها حركة دولية جامعة، وأنه لا ينبغي الحط من قدر أساليب التعبير الحداثية في الفن والأدب التي ظهرت خارج بلاد الغرب (بما في ذلك السريالية) باعتبارها منتجاً ثانوياً للحداثة الأوروبية. ويضيف: لاحظت أنه في كثير معارض السريالية العالمية تم تجاهل المصريين رغم أهمية حركتهم الفنية ، لأن الحركات المصرية هي حركات أصيلة نبعت من روح المجتمع ولم تكن مجرد انعكاس لحركة فنية عالمية، فلو نظرنا للوحات مثل " السلام" و"الميثاق"، أو حتي لوحة"إنسان السد" المفقودة لعبد الهادي الجزار سنجدها تعبر عن مضمون قومي ولكنها منجزة بأسلوب سريالي . وكثير من أعمال الفنانين الذين انتموا للجماعة أو تأثروا بأدبياتها لا يمكن تصنيفها كأعمال سريالية بالوصف الدقيق للكلمة حسب أسلوب وجماليات الحركة كما تجلت في سياقها الأوروبي والأمريكي الشمالي، لأن ما جذب أولئك الفنانين للانضمام لجماعة الفن والحرية إنما هو الأيديولوجية الثورية والتوجهات السياسية اليسارية. والخلاصة من وجهة نظري: فكرة تحولت لمشروع متكامل هو أمر يستحق الإعجاب.. أن تقدم لجمهور الفن التشكيلي المصري معرضا رفيع المستوي هو أمر ضروري .. أن نعيد للحركة التشكيلية الحراك المطلوب لأنها تنعم بحالة من السكون لفترة طويلة جدا أمر يستحق الإشادة.
