مصر لا تساوم على أمنها أو مستقبلها    وزير الإسكان يتفقد مشروع الإسكان الأخضر وتطوير شبكة الصرف الصناعي بالمنطقة الصناعية A1 والمرحلة الثانية بمحطة مياه شرب رقم 3    حماس: المجاعة وسوء التغذية تفتك بأطفال غزة وعلى العالم التحرك فورا لوقف تلك الجريمة    توماس مولر: لا أمانع اللعب بجوار ميسي بعد مغادرتي لبايرن    من هو أسد الحملاوي المهاجم المحتمل لتعويض وسام أبو علي في الأهلي؟    وكيل تموين قنا: حملات رقابية يومية لضبط الأسواق ومراقبة الأنشطة التموينية    منهم 2 أشقاء.. 3 فتيات وشاب غرقا في النيل بالمنيا    علي الخواجة يكشف ل "الفجر الفني" كواليس تعاونه مع رامي جمال في أغنية "محسبتهاش"    وكيل صحة قنا: انطلاق الحملة القومية للتبرع بالدم بمشاركة واسعة من الجهات التنفيذية والمجتمع المدني    مدارس البترول الحكومية بعد الإعدادية 2025 (الشروط والأوراق المطلوبة)    مجلة «جون أفريك» تكشف كواليس مطاردات الموساد لعناصر حزب الله في أفريقيا    وزيرا الأوقاف والعمل يضعان حجر الأساس لبناء مسجد برأس غارب بتبرع من رجل أعمال    السيسي يوافق على قرض بقيمة 35 مليون يورو لإنشاء خط سكة حديد الروبيكي    تداول 13 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بمواني البحر الأحمر    انطلاق منتدى مصر الدولى للتعدين 15 يوليو المقبل    البابا تواضروس الثاني يلتقي وكلاء المطرانيات وأعضاء المجالس الإكليريكية الفرعية (صور)    الاحتفاء بمسيرة أحمد الباسوسي في أمسية بقصر الإبداع الفني بأكتوبر    تحت عنوان «عودة الغايب».. فضل شاكر يحيي حفلا غنائيا لأول مرة في قطر يوليو المقبل    بنفيكا يخطط لإنقاذ جواو فيليكس من دكة تشيلسي    إسماعيل كمال يتفقد مستشفى أسوان التخصصي العام بالصداقة الجديدة    فوائد مشروب الكركم وأفضل طرق لعمله والاستفادة منه    حركة حماس تنعى والد عزت الرشق القيادى بالحركة    غلق وتشميع 35 محلا وكافيه غير مرخص فى أسوان    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى فيصل دون إصابات    تجديد حبس عاطل بتهمة سرقة مبلغ مالى من مكان عمله السابق    وزير الزراعة: الصادرات الزراعية المصرية إلى هولندا 500 مليون دولار    الحرس الثوري الإيراني: سنرد على أي اعتداء جديد "بشكل مختلف وأشد قوة"    أيامه أصبحت معدودة.. تفاصيل العروض الخارجية لضم وسام أبو علي من الأهلي    فى ذكرى ميلاده.. أبرز مؤلفات عباس العقاد    مدير مركز القدس للدراسات: إسرائيل ترفض أى تهدئة وسط كارثة إنسانية غير مسبوقة    انطلاق التحضيرات لمهرجان أكاديمية الفنون للعرائس وتعيين إدارة تنفيذية جديدة    أسفار الحج (6)..الصفا والمروة وزهرة اللوتس    عيبك أولى بالإصلاح من عيوب الآخرين    قمة برازيلية.. الموعد والقناة الناقلة لمباراة بالميراس وبوتافوجو في كأس العالم للأندية    «عايزين يفجروا أزمة ويضربوا استقرار الأهلي».. إبراهيم المنيسي يفتح النار على عضو مجلس الزمالك    الجيش الروسي يحرر بلدة تشيرفونا زيركا في دونيتسك    بينها «500 ألف طوارئ و100 ألف عملية».. عميد قصر العيني: نستقبل سنويًا 2 مليون مريض    تأجيل محاكمة عاطل قتل نجل زوجته بالسلام إلى جلسة 27 أغسطس    شيماء عبد الحميد.. من مدرسة الصنايع إلى كلية الهندسة ثم وداع لا يُحتمل    مديرية الصحة في شمال سيناء تطلق حملة لتعزيز الوعي بأهمية وفوائد نقل الدم    نوران جوهر بعد تتويجها ببطولة العظماء الثمانية: لم يكن لديّ ما أخسره    منظمة أكشن إيد: مراكز توزيع المساعدات تحولت إلى فخ مميت لأهالي غزة    موعد مباراة الهلال القادمة في كأس العالم للأندية بعد الصعود لدور الستة عشر    ضحى همام.. رحلت قبل أن تفرح بنجاحها في الإعدادية    12 أكتوبر.. روبي تحيي حفلا في فرنسا    "كانت بتنشر الغسيل".. مصرع سيدة سقطت من الرابع في قنا    الإنتاج الحربي: الشركات التابعة حققت إيرادات نشاط بنسبة 144% بمعدل نمو بنسبة 44% عن العام الماضي    "الفنية العسكرية" توقع اتفاقين لدعم الابتكار في المسابقة الدولية التاسعة    مصر ترحب باتفاق السلام بين الكونجو الديموقراطية ورواندا    قصة كفاح مهندسي مصر من أجل تحقيق حلم.. 8 سنوات تلخص رحلة إنشاء مصيف مطروح.. 25 مليون جنيه تكلفة المشروع    مصدر فلسطيني مسئول لسكاي نيوز عربية: حماس تضع 4 شروط لقبول صفقة التبادل    السبت 28 يونيو 2025.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع    5 حالات يجوز فيها التعاقد لحالات الضرورة بقانون الخدمة المدنية    مع شروق الشمس.. أفضل الأدعية لبداية يوم جديد    إرادة جيل يطلق أولى دوراته التدريبية لتأهيل المرشحين استعدادا لانتخابات 2025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 28-6-2025 في محافظة قنا    رسميًا.. موعد صيام يوم عاشوراء 2025 وأفضل الأدعية المستحبة لمحو ذنوب عام كامل    ستوري نجوم كرة القدم.. مناسبة لإمام عاشور.. تهنئة شيكابالا لعضو إدارة الزمالك.. رسائل لعبدالشافي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب‮:‬ البنت الأخري لم أخرج من ليلي‮:‬
سر آني إرنو‮!‬
نشر في أخبار الحوادث يوم 22 - 10 - 2016

وأنا أقرأ آني إرنو،‮ ‬أتذكر جملة جوان ديديون الخاصة بأن الكتابة فعل عدائي‮ ‬يتمحور حول قول‮ "‬أنا‮"‬،‮ ‬حول فرض ذات الكاتب علي الآخرين،‮ ‬حول قوله لغيره‮: "‬إنصت إليّ،‮ ‬إنظر بعينيّ،‮ ‬غير رأيك‮!"‬
مع فارق أن ديديون في رواياتها تعتمد علي التخييل والبنية المركبة علي عكس ما تسلكه في كتبها‮ ‬غير الروائية،‮ ‬في حين أن إرنو تكتب ذاتها وتضع كل تفاصيل حياتها وعلاقاتها تحت المجهر دون حاجة إلي التخييل،‮ ‬كما تبدو‮ ‬غير مهتمة بتغيير رأي الآخرين أو بالتأثير فيهم،‮ ‬وإن كانت تنجح في هذا،‮ ‬إذ‮ ‬يشعر قراؤها بأنها تحكي عنهم،‮ ‬وبأنها تمنح هواجسهم الخاصة ومشاعرهم المسكوت عنها صوتاً‮.‬
تكتب عن علاقتها بأمها في‮ "‬امرأة‮" ‬فتشعر قارئات كثيرات بأن الأم تشبه أمهاتهن،‮ ‬وعن علاقتها بحبيبها في‮ "‬عشق بسيط‮" ‬فتبدو كمن تقبض علي جوهر العشق إن كان له جوهر‮.‬
في تقديمها لترجمتها ل"الحدث‮" ‬تصف الشاعرة هدي حسين كتابة إرنو بأنها‮: "‬تكمل عندي جملاً‮ ‬لم أقلها،‮ ‬وتنهي مراحل لا أرغب في أن أعيشها كاملة‮."‬
وفي تقديمها لترجمتها ل"البنت الأخري و لم أخرج من ليلي‮" ‬تكتب الروائية نورا أمين‮: "‬لقد عشت قصص آني إرنو كأنها حكاياتي الشخصية‮. ‬غصت فيها وتجسدتها‮. ‬توحدت مع صوتها حتي خُيِّل إليّ‮ ‬أحياناً‮ ‬أنها تكتبني بشكل شخصي‮."‬
أنا أيضاً‮ ‬ينتابني إحساس مشابه حين أقرأ أعمال إرنو،‮ ‬رغم انحيازي عادةً‮ ‬للتخييل والتركيب‮. ‬إلا أن التماهي بيني وبين إرنو تضاعف أثناء قراءة‮ "‬البنت الأخري‮" (‬صدرت بالفرنسية في‮ ‬2011‮) ‬لسبب أساسي هو أني فقدتُ‮ ‬أختاً‮ ‬صغيرة مثلها،‮ ‬وكتبت عنها قصة بعنوان‮ "‬فتاة فبراير‮" ‬ضمن مجموعتي القصصية الأولي‮. ‬الفارق أني رأيت شقيقتي الصغيرة‮ "‬ياسمين‮"‬،‮ ‬التي رحلت بعد شهرين من ميلادها،‮ ‬أما إرنو فوُلِدت بعد وفاة شقيقتها‮ "‬جينيت‮" ‬بعامين،‮ ‬ولم تعرف بأمرها سوي وهي في العاشرة،‮ ‬إذ ظلت الصغيرة الراحلة السر المقدس في حياة الوالدين،‮ ‬وعاشت كاتبتنا في ظل الطيف المهيمن لمن خنقتها الدفتيريا‮.‬
ولأن الصور القديمة هي كل ما‮ ‬يربط‮ "‬البنتين‮"‬،‮ ‬تبدأ آني‮ "‬البنت الأخري‮" ‬بوصف صورة سِبيا،‮ ‬بيضاوية للرضيعة جينيت،‮ ‬وكيف كانت تظنها صورتها هي،‮ ‬أي أننا منذ البداية نجد أنفسنا أمام التباس‮: ‬أنا‮/ ‬هي‮. ‬وهو الالتباس المهيمن علي النص بكامله بداية من العنوان‮. ‬فما‮ ‬يطرأ علي الذهن حين نقرأ عنوان‮ "‬البنت الأخري‮" ‬هو أن الإشارة هنا للأخت المحكي عنها،‮ ‬غير أننا نكتشف لاحقاً‮ ‬أن الكاتبة تقصد نفسها ب"البنت الأخري‮"! ‬فالذات تخلت عن مركزيتها وصارت آخر،‮ ‬والأخت الغائبة احتلت المركز وأزاحت أختها الحاضرة إلي الهامش‮.‬
علاقة الإخوة نفسها مشكوك فيها وفقاً‮ ‬لإرنو،‮ ‬حيث لا‮ ‬يقرها سوي السجل المدني‮. "‬لكنك لست أختي،‮ ‬لم تكوني أبداً‮ ‬أختي‮. ‬لم نلعب سوياً‮ ‬ولم نأكل سوياً‮ ‬ولم ننم سوياً‮. ‬لم ألمسك أبداً،‮ ‬ولم أعانقك‮. ‬لم أرَ‮ ‬أبداً‮ ‬لون عينيك‮. ‬لم أركِ‮ ‬أبداً‮. ‬أنت بلا جسد،‮ ‬بلا صوت،‮ ‬مجرد صورة مسطحة في فوتوغرافيا الأبيض والأسود‮."‬
المشاعر التي تعبر عنها الكاتبة هنا بالغة التعقيد،‮ ‬فهي خليط من الغيرة والتنافس مع ظل خفي،‮ ‬والذنب لأنها نجت من التيتانوس فيما رحلت شقيقتها التي هي دافع الحكي ومبرره‮. "‬أنا لا أكتب لأنكِ‮ ‬متِ‮. ‬لقد متِ‮ ‬من أجل أن أكتب‮. ‬هناك فارق كبير‮."‬،‮ ‬لكن كيف تكتب إرنو ما لا تعترف بوجوده،‮ ‬ما لم تره سوي كغياب تام مخبَّأ في قلبيّ‮ ‬الأب والأم باعتباره سرهما الأعظم؟
تفعل هذا عبر رصد وتشريح تأثير كل هذا عليها هي‮: "‬ليس لكِ‮ ‬وجود إلا عبر بصمتكِ‮ ‬علي وجودي‮. ‬أن أكتبكِ‮ ‬هو إلا أتعدي معاينة‮ ‬غيابكِ‮. ‬إنكِ‮ ‬شكل فارغ‮ ‬يستحيل ملؤه بالكتابة‮."‬
اللافت أن آني إرنو تصف نصها،‮ ‬في أكثر من موضع،‮ ‬بالرسالة‮. ‬وهو فعلاً‮ ‬رسالة موجهة لجينيت أينما كانت‮. ‬والتحدي الماثل هنا،‮ ‬هو أن‮ "‬ضمير المخاطب فخ‮. ‬ففيه شيء خانق،‮ ‬ويقيم بين الأنا والأنت حميمية متخيلة بفوحان الشكوي،‮ ‬إنه‮ ‬يقرِّب كي‮ ‬يلوم‮. ‬وبرقة‮ ‬يميل إلي أن‮ ‬يجعل منكِ‮ ‬سبب وجودي،‮ ‬وأن‮ ‬يحط من شمولية وجودي بسبب اختفائك‮."‬
هكذا تواصل إرنو الجري وراء ظل،‮ ‬معتبرة أن رسالتها المكتوبة لجينيت رد دين متخيل بأن تمنح أختها الوجود الذي منحه لها موتها،‮ ‬فلو عاشت جينيت لما أتت آني إلي العالم لأن أبويها كانا مصممين منذ البداية علي إنجاب طفل واحد فقط‮.‬
النص الثاني الذي‮ ‬يضمه الكتاب الصادر مؤخراً‮ ‬عن دار أزمنة،‮ ‬هو‮ "‬لم أخرج من ليلي‮" ‬الذي سبق أن صدرت طبعته الأولي عن المركز القومي للترجمة،‮ ‬وتسرد فيه إرنو قصة مرض أمها بالزهايمر وتفاصيل إقامتها في قسم المسنين بمستشفي‮ "‬بونتواز‮". ‬الكتاب،‮ ‬الصادر بالفرنسية عام‮ ‬1997،‮ ‬تم تدوينه علي هيئة‮ ‬يوميات أثناء مرض الأم التي‮ ‬يعرفها قراء آني إرنو جيداً‮ ‬عبر نص‮ "‬امرأة‮". ‬في‮ "‬لم أخرج من ليلي‮" ‬يتعرف القراء علي وجه آخر للسيدة دوشاسن هو وجه المرض والأفول،‮ ‬وعلي ملمح مختلف من علاقة الكاتبة بها‮.‬
سواء في‮ "‬البنت الأخري‮" ‬أو‮ "‬لم أخرج من ليلي‮"‬،‮ ‬تحافظ آني إرنو علي سرها الخاص ككاتبة تجيد النفاذ إلي أعماق المشاعر الإنسانية بكل تعقيدها‮. ‬وأخيراً‮ ‬تبقي الإشارة إلي المقدمة الكاشفة التي قدمت بها نورا أمين النصين،‮ ‬والتي تعد مدخلاً‮ ‬مثالياً‮ ‬للتعرف علي إرنو‮ ‬وعالمها الأدبي‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.