أكدت الدكتورة أميمة توفيق رئيس قسم التكاثر الحيواني بالمركز القومي للبحوث، أن منظومة الإنتاج الحيواني في مصر تُعاني أزماتٍ عدة بسبب الإدارة العشوائية، والاعتماد علي الطرق البدائية في تربية الحيوان، ما أدي إلي تراجع الثروة الحيوانية لدينا بشكلٍ كبير. مشيرة في حوارها ل»آخر ساعة» إلي أن بنك الأجنة وحفظ الأصول الوراثية الذي تم افتتاحه بالمركز القومي للبحوث يُعد الأول من نوعه في الشرق الأوسط. وتكمن أهميته في وضع خريطة وراثية للثروة الحيوانية المحلية. مؤكدة أن تقنيات الهندسة الوراثية الحديثة في عملية التكاثر الحيواني التي طبقتها من خلال مجموعة مشروعات، يُمكن أن تُحدث طفرة في تحسين الصفات الوراثية والإنتاجية للحيوانات، وبصفة خاصة في إنتاج الخيول العربية الأصيلة. ما تقييمك لمنظومة الإنتاج الحيواني لدينا؟ - بالطبع هناك العديد من الأزمات التي تواجه الثروة الحيوانية لدينا، تتمثل بالأساس في العشوائية التي تتم بها عملية الإنتاج الحيواني، والطُرق البدائية في تربية الحيوان التي يتبعها المزارعون. غير سوء التغذية الذي تعاني منه كثير من الحيوانات في المناطق الريفية، والناتجة عن أزمة منظومة الأعلاف التي تعتمد بشكل رئيس علي استيراد الذرة الصفراء. كل ذلك أدي إلي تراجع الثروة الحيوانية لدينا حسبما تُشير إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المُتحدة »فاو»، فرصيدنا من الجاموس علي سبيل المثال لا يتجاوز أربعة ملايين رأس، ولا تزيد معدلات الخصوبة لدينا عن 60% في الحيوانات. مُقابل تنامي الاحتياج المحلي مع الزيادة السكانية الهائلة التي نشهدها. ما دفعنا إلي التوسع في استيراد اللحوم المُجمّدة ومشتقات الألبان وكذلك الحيوانات الحيّة، التي تحتاج إلي تهيئة ظروف مناخية وبيئية مُعيّنة حتي تعطي نفس إنتاجها في مواطنها الأصلية وهذه العملية بالطبع مُكلّفة جدًا، والأهم من ذلك أن استيراد الحيوانات الحية من الأمهات والعجول، يُعد من الأسباب الرئيسية لإنتشار الأمراض بين الحيوانات لأنها يُمكن أن تكون حاملة لأنواع من الفيروسات. وعلي رأس هذه الأمراض الحُمي القلاعية ومرض »اللسان الأزرق» ومرض »البروسيلا» الذي يُسبب الإجهاض في أواخر شهور الحمل. لذا أجرينا العديد من المشروعات لاستخدام تكنولوجيات وتقنيات الهندسة الوراثية الحديثة في عملية التكاثر الحيواني، والتي تعد ضرورة لا غني عنها لتحقيق الأمن الغذائي من الثروة الحيوانية. حدثينا عن هذه التقنيات؟ - هذه التقنيات تعتمد علي إنتاج الأجنة معمليًا وتحسين الصفات الوراثية والإنتاجية للحيوانات. حيث تتيح نقل الجينات المحسنة وراثياً الخاصة بإنتاج اللحم وزيادة معدلات الخصوبة، وكذلك مقاومة الأمراض وتحمّل الظروف المناخية الصعبة، كما يمكن تحسين الجينات المسئولة عن إنتاج اللبن من حيث جودته وغزارة إنتاجه، بحيث نضمن إنتاج أجيال جديدة تحمل نفس الصفات المُحسّنة. ولأهمية هذه التقنيات اتجه كثير من دول العالم إلي تطبيقها منذ سنوات طويلة، لذا تعاونا مع العديد من المنظمات والمراكز العلمية في أمريكا وإيطاليا وفرنسا وبلغاريا واليابان وغيرها من الدول، لتطبيق التكنولوجيا التي أثبتت كفاءتها بشكلٍ كبير لدينا وخاصة في إنتاج الأغنام والماعز والجاموس، وبالفعل تم ولادة ثلاثة عجول باستخدام هذه التقنيات. كيف تتم عملية إنتاج الأجنة معمليًا؟ - أولي هذه المراحل تبدأ بعملية الانتخاب الوراثي، والتي تتم بجمع الحيوانات المنوية من ذكور الحيوانات، والبويضات من الأمهات ذات الصفات الوراثية المتميزة بأحد الأجهزة المُخصصة لشفط البويضات، بعد إجراء عملية تعدد التبويض لمضاعفة عدد البويضات المُنتجة. ثم مرحلة التخصيب المعملي التي تتم بتلقيح البويضات قبل وضعها في أوساط معينة للزرع لإتمام مراحل النمو والانشطار، لتُحفظ بعد ذلك في حضّانات تُماثل درجة حرارتها الرحم الطبيعي. إلا أننا واجهنا معوقات كثيرة أثناء تطبيقنا لهذه المشروعات. ما المعوقات التي واجهتكم؟ - الصعوبات التي واجهتنا تتعلق بالتمويل وإجراءات تنفيذ المشروع، وتوافر الحيوانات اللازمة لإجراء التجارب. حيث لجأت إلي وزارة الزراعة ومعهد الإنتاج الحيواني أثناء عملي علي المشروع لأحصل علي الحيوانات، لكنّي لم أجد أي دعم من هذه الجهات التي يُفترض أن تُساند المشروعات التي تخدم الثروة الحيوانية، ما اضطرني إلي البحث لمدة سنة ونصف السنة حتي توصلت إلي اتفاق مع بعض المزارع لأجري عمليات الانتخاب الوراثي. ومن ثم أتممت تجربة التقنيات الأخري لتحسين الصفات الوراثية للحيوانات من خلال الوحدة التي استحدثناها، التي كانت بمثابة نواة لإنشاء بنك الأجنة وحفظ الأصول الوراثية، الذي أسسناه بالفعل داخل المركز القومي للبحوث. كيف جاءت فكرة إنشاء بنك الأجنة؟ - هذا البنك يُعد الأول من نوعه علي مستوي مصر والشرق الأوسط، أنشأناه منذ شهور قليلة بتمويل مشترك بين صندوق العلوم والتكنولوجيا التابع لأكاديمية البحث العلمي، والمؤسسة اليابانية للعلوم والتقنية »الجايكا». حيث تقوم فكرة إنشائه علي وضع خريطة وراثية للثروة الحيوانية في مصر لحفظ هذه الأصول. ولا تقتصر التقنيات التي يعتمد عليها البنك علي حفظ الأجنة، لكنها تُتيح لنا أيضًا حفظ وتجميد الأنسجة الخاصة بالحيوانات حتي النافقة منها، ما يُمكننا من إجراء عمليات استنساخ لها. كما توصلنا عبر استخدام أجهزة مطوّرة في مجال »البيولوجيا الجُزيئية» من قراءة التركيب والتعبير الجيني للبويضات والحيوانات المنوية، ويتيح أيضاً إمكانية تركيب هذه الجينات صناعيًا في شرائح معينة وإضافتها إلي الأجنة التي تفتقر إليها، غير إمكانية تجزئة الجنين إلي أربعة أقسام، حيث يُنقل جزء منه إلي حيوان آخر. لكن الاستفادة المثلي من هذه التقنيات لن تتحقق ما لم يتم تعميمها علي مستوي الجمهورية، والاعتماد عليها من جانب الحكومة في مشروعات تنمية الثروة الحيوانية. كونها صالحة للتطبيق لجميع أنواع الحيوانات، ويمكن أن تُحقق طفرة هائلة في منظومة إنتاج الخيول العربية الأصيلة. كيف تُسهم هذه التقنيات في تطوير إنتاج الخيول العربية؟ - نحن نمتلك ثروة هائلة من سلالات الخيول العربية الأصيلة ذات القيمة الفريدة، ما يجعلنا في حاجة ملحة إلي الاحتفاظ بهذه الأنساب وحمايتها من الانقراض علي المدي البعيد وذلك لن يتم دون استخدام هذه التقنيات، فالمشكلة التي تواجه محطة الزهراء -المعنية باعتماد أنساب الخيول والحفاظ عليها-، تكمن في فقدها للطلائق ذات الصفات العالية ببيعها في مزادات؛ لذا يتيح تجميد السائل المنوي الخاص بالطلائق الاحتفاظ بصفاتها ونقلها، ما يسهم في مضاعفة إنتاج الخيول وزيادة معدلات الجمال التي تتميز بها. وهذا من شأنه أن يعيدنا إلي الخريطة العالمية بعدما تفوقت علينا مزارع الخيول بدول الخليج. كما أن امكانية إجراء عمليات التنسيب وقراءة بصمتها الوراثية، توفر الوقت والتكلفة الهائلة التي تُنفق علي إرسال عينات الخيول إلي المعامل في الخارج لإثبات نسبها. وتفتح المجال كذلك لتجارة أجنّة الخيول المُنسّبة وتصديرها إلي الدول الأخري، ما يُشكل موردًا اقتصاديًا هائلاً.