علي امتداد السنوات..ما أن أراه، حتي أبادر بتغيير نبرة صوتي، وأحاول بأداء مسرحي هادئ أن أقلد طريقته في الكلام : »أهلا»... يضحك فاروق شوشة قائلا: »ابنتي تفعل ذلك أيضا »...أقول: طبعا هي أول من يدرك جمال صوتك وجمال لغتك...لغتك الجميلة التي اتسعت وأفاضت لتصير لغتنا الجميلة..تلك العلاقة العميقة والمتفردة باللغة مفرداتها..إيقاعها..بنائها..ومعانيها..فاروق شوشة بالفعل منذ برنامجه الإذاعي الأشهر(لغتنا الجميلة) قبل خمسين عاما(1967) وبابه الشهير في مجلة العربي الكويتية (جمال اللغة)..ومن قبل ذلك بسنوات وسنوات، وهو أحد حراس اللغة، الأدق أحد عشاقها وأعمدتها والعارفين بأسرارها.... لكن هل فاروق شوشة هو فقط لغتنا الجميلة ؟ هل هو فقط الثقافة الموسوعية، والذائقة الشعرية المميزة، والوعي العميق باللغة العربية ؟ هل هو فقط مجموع ما قدمه من خدمات وإفادات للشعر والشعراء ؟ هل خدم تجربته الشعرية بنفس الدرجة ؟ هل أخلص لقصيدته نفس إخلاصه للشعر؟ الشعراء الكلاسيكيون التقليديون غضبوا بشدة يوم انتقل فاروق شوشة من كتابة القصيدة العمودية، إلي قصيدة التفعيلة والشعرالحر مواكبا القصيدة الحديثة.. فكيف له الخروج والتمرد، وهو الحارس الأمين لقيم الشعرالعربي الأصيل وتقاليده ؟...الشعراء المحدثون علي العكس تماما، لم يروا في خروج شوشة تمردا أو تجاوزا للقديم، فقد ظل أمينا(في رأيهم) لقيم القصيدة العمودية التقليدية، حريصا علي الإنتماء دائما لميراثه الشعري..لكن اتفق الجميع علي قيمته المؤكدة في خدمة الشعر والشعراء..رحم الله فاروق شوشة شاعرا عذبا وموهبة إنسانية.