في الموعد المحدد؛ الخميس 13 أكتوبر، استنفرت جميع الدوائر الأدبية والثقافية في العالم انتظارا للكشف عن صاحب الشهادة والميدالية الذهبية والخمسة ملايين كرونة سويدية التي تعادل نحو مليون دولار أمريكي، الجائزة رقم 113 منذ بدأت الأكاديمية السويدية منح جائزة نوبل للآداب مع أربع أخر للطب والفيزياء والكيمياء والسلام، أضيف إليها سادسة للاقتصاد بدءا من عام 1969، ولكنه انتظار صعب لا يخلو من الشد والجذب الذي أخذ يزيد عاما بعد الآخر، وفي الواحدة تماما أعلنت سارة داينوس السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية عن فوز المغني ومؤلف الأغاني الأمريكي اليهودي "بوب ديلان" بنوبل للآداب لعام 2016 لتفتح المجال علي مصراعيه لمزيد من الجدل المضاعف. ديلان ليس روائيا أو قاصا أو شاعرا، لكنه من أكثر الشخصيات حضورا شعبيا خلال الخمسة عقود الأخيرة، وصاحب تأثير لا ينكر في الثقافة الأمريكية وخاصة بين الطبقات الكادحة والفقيرة كونه أحد أبنائها المخلصين، والذي لم يتخل عنها أو عن معاناة ومشاكل أهلها، ورغم ما يدعمه إنسانيا واجتماعيا لنيل أرفع الجوائز والأوسمة، ولكنه سيظل بالنسبة لأهل الأدب مغنيا ومؤلف أغان فأين محل هذا من نوبل وجائزتها المخصصة للآداب؟، حتي مع تبرير داينوس التي كانت تيقن أن الاختيار سيدهش الجميع، ولكن اللجنة وجدت نصوصه لا تقل قيمة وتأثيرا عن كتابات هوميروس وسافو. ورغم الكثير من الجدل الذي يضفي شيئا من الإثارة علي الحدث، ولكن هذه الجائزة صنعت لنفسها تاريخا يدعمها خلال مائة وستة عشر عاما توقفت فيها ست مرات بسبب الحربين العالميتين الأولي والثانية، بدأت عند الشاعر الفرنسي "رينه سولي برودوم" وكانت آخر من حصلت عليها العام الماضي قبل ديلان البيلاروسية "سفيتلانا أليكسييفتش"، وكان للفرنسيين النصيب الأكبر فيها بخمسه عشرة جائزة ثم الولايات بإحدي عشرة جائزة آخرها 2016 فالمملكة المتحدة عشرة، فثمانية للسويد وألمانيا، وستة لكل من إيطاليا وإسبانيا وهكذا، حيث حصل عليها مبدعون من واحد وأربعين دولة مختلفة. وتنوعت اللغات التي يكتب بها الفائزون، ولكن الغلبة كانت للإنجليزية التي كتب بها 31 منهم ثم اللغة الفرنسية 16، فالألمانية 13 والأسبانية 11، فالسويدية 7، الإيطالية والروسية 6، البولندية 4، وكل من الدنماركية والنرويجية 3، والصينية واليونانية واليابانية 2، ويعززها أن بين من لحقت بهم وضمتهم لقائمتها أسماء مثل طاغور، ييتس، برنارد شو، براندلو، فولكنر، هيمنجواي، كامو، باسترناك، سارتر، بيكيت، نيرودا، ماركيز وغيرهم في السنوات الأخيرة. رجال ونساء واجهت نوبل للآداب والأكاديمية المانحة لها العديد من التحديات والتيارات بداية من أبرز المرشحين الذين أجمع عليهم مختلف المثقفين وآل الأدب في العالم وجاءوا في مقدمة أغلب الاستفتاءات، وكل منهم يحمل إشكالية تتعلق ببلاده والقارة التي ينتمي إليها وردة الفعل تجاهه إن ربح أو لم يربح، وما ينعكس علي الأكاديمية السويدية بالسلب في مختلف الأحوال خاصة وأن كلا منهم كان قريبا من نوبل في السنوات الأخيرة، ولهذا هربت لجنتها من هذا الصراع الداخلي الخارجي قليلا وقررت أن تصدم الجميع، لعل الصدمة تربك المتابعين فيعجزوا عن التفاعل معها سريعا. إلا أن اختيار ديلان كان له مدلوله عند خبراء الأدب وما انعكس علي مختلف الاستفتاءات التي ركزت علي الكتاب الذكور دون النساء لتكشف عن توجه تم تسريبه ولم تعترف به الأكاديمية بعد مفاده أنها ستمنح جائزة الآداب دون البقية بالتبادل بين الرجال والنساء عاما بعد عام، وهو ما بدا واقعيا بالفعل منذ عام 2012 عندما حصل عليها الصيني "مو يان" ثم الكندية "أليس مونرو" فالفرنسي "باتريك موديانو" عام 2014 و"سفيتلانا أليكسييفتش" العام الماضي، وصولا للأمريكي ديلان عام 2016، وفي انتظار من ستنالها العام القادم. يأتي هذا التحدي غير المعلن وسط سخط شديد من الجنسين علي حد سواء لأسباب مختلفة، ومن بين المعارضين من حصلوا علي نوبل للآداب من قبل، حيث صرحت الألمانية "مارتا مولر" الحائزة عليها عام 2009 "هذا الطرح ظالما لتفوق أحد النصفين علي الآخر"، بينما يري التركي "أورهان باموق" الذي نالها عام 2006 أن هذه القيود المتعلقة بالنوع والعمر والتوجه السياسي وغيرها، يجب أن تتحرر منها مثل هذه الجوائز الكبري حتي تصل إلي من يستحقها، فيكفيها ما تواجهه من ضغوط ولا داعي لإضافة المزيد. القارات .. والجنسيات كما تتضاعف الاعتراضات من الكثيرين حول فكرة أخري تسربت من الأكاديمية بحسب عدة مصادر صحفية، لم تؤكدها أو تنفيها أيضا؛ مفادها أن جائزة الآداب ستمنح للقارات الخمس بإضافة أستراليا إلي آسيا بالتناوب، ويمكن اعتبار منطقة الشرق الأوسط سادسة، ووفقا لذلك فكان المرجح أن تذهب الجائزة هذا العام للأفريقي أو لشرق أوسطي، كون آخر مرة ذهبت لأفريقيا كانت عام 2003، وللشرق الأوسط عام 1988، بينما الأخيرة أوروبيا العام الماضي وآسيويا عام 2012، أمريكا الشمالية عام 2013، والجنوبية عام 2010، وعن هذا كتب الناقد "بيجامين كونيل" رافضا "هناك تباين كبير بين ما تنتجه القارات المختلفة أدبيا، وبالتالي فإنه سيمثل قيدا سيضع الأكاديمية المانحة في مآزق جمة مستقبلا إن سارت في هذا الاتجاه". واشتدت التسريبات التي كشفتها حركة تعديل التصويت في كبري مكاتب المراهنات، والتي يبدو أن لها اعتبارها عند أعضاء اللجنة بالأكاديمية السويدية، بعدما أثر علي مصداقيتها بالسلب منحها الجائزة للبيلاروسية سفيتلانا أليكسيفيتش التي كانت تتصدر كل المراهنات، ولهذا مال الأعضاء نحو الابتعاد عن الخمسة الذين يتصدرون قوائم كبري المكاتب، وهو ما ييسر عليهم اختياري شرق أوسطي، ولكن تسرب اسم أدونيس من قبل من لا يرضيهم هذا الفكر بعد اجتماع الخميس الثاني في 29 سبتمبر جعل اسم الشاعر السوري يدخل بين الأسماء الخمسة الأولي في قوائم المراهنات، بل ويحتل المركز الثاني مع صباح يوم الجمعة، وكان هذا كفيلا بخروجه من السباق. وتكرر الأمر مع الكيني "واثيونجو" فبعد اجتماع الخميس 6 أكتوبر وهو قبل الأخير الذي سيتم فيه التصويت النهائي قبل الإعلان عن الفائز مباشرة جاء واثيونجو من بعيد ليحتل المركز الأول في المراهنات ويزيح الياباني موراكامي من الصدارة لأول مرة منذ أكثر من عشرة شهور، وكان بديهيا أن تستبعده اللجنة من اختياراتها أيضا. تأتي هذه الحركة في الأمتار الأخيرة في ظل حملة أمريكية شرسة لعدة شهور مباشرة عبر آلتها الإعلامية وغير مباشرة أيضا، وضغوط شديدة علي اللجنة المانحة لجائزة نوبل للآداب، واتهامها بالتعنت آخرها صباح يوم الإعلان عن نوبل للآداب 2016 عبر المحللة الصحفية " ماجي بيكر " وتزكيرهم بأن أمريكا فازت بنحو 60٪ من جوائز نوبل في الاقتصاد، 33٪ في الفيزياء، ومثلها في الطب، 30٪ في الكيمياء، 19٪ في السلام، بينما لم تحصد من جوائز الآداب إلا علي 74٪ فقط . وبالعودة لقوائم المضاربات التي لا يمكن إهمالها بعد ذلك، فإن أول أمريكي بها هو الكاتب المعتزل " فيليب روث" الذي بدا من المستبعد أن تمنحه اللجنة الجائزة، لأسباب عدة أهمها توقفه عن الكتابة وإهانة كل من له علاقة بالمجال الثقافي في آخر ظهور له، فكان الثاني بها "دون ديليلو" الذي تبادل أعضاء اللجنة التشاور حوله عبر التليفون المحمول بحسب مصادر صحفية لم تكشفه عنها الجارديان التي أشارت إلي تسريب اسمه جعله يتقدم في القائمة ليتجاوز روث، فلم يكن هناك مجال للتفكير، ولضيق الوقت ذهبت نوبل للثالث في القائمة "بوب ديلان". ولكن اختياره لاقي استحسان الكثيرين وقوبل إعلان اسمه بالتصفيق الحاد في القاعة، فرغم ما يبدو من أنه انصياع للضغوط واستسلام لها، لكن اختياره لن يرضي الدوائر السياسية والحكومة الأمريكية كونه واحدا من أشرس المعارضين لكل الحكومات المتعاقبة هناك، وله مواقفه التي تمسك بها حتي بعد تكريمه من الرئيس أوباما، وأنها جميعها مخربة وتزيد الفقراء في العالم فقرا. التقسيم .. والفنون والإعلام اختيار ديلان سيزيد من ضغوط الباحثين الذين تقدموا بأوراقهم خلال السنوات الأخيرة التي تحمل اقتراحات حول زيادة قيمة الجائزة المادية ومن ثم تقسيمها بحسب فروع الآداب وفنونها ما بين رواية وقصة قصيرة وشعر وغيرها من التقسيمات التي اختلفت من باحث لآخر كل حسب فكره ورؤيته، وتحفظ البعض علي هذه الفكرة أيضا، وخاصة من يتبنون بصرامة رؤية الحفاظ علي تراث جوائز نوبل دون العبث بها. ومع اختياره أيضا لم يعد ترشيح المخرج الأمريكي المخضرم "ستيفن سبيلبرج" لجائزة نوبل للآداب دعابة بل حولها لموضوع جاد للنقاش حول إمكانية أن تتضمن آداب نوبل الفنون المختلفة أيضا، بينما وجد البعض أن في ذلك خلطا يتعارض مع أهداف جائزة الآداب، والأفضل أن تستحدث الأكاديمية جائزة أخري للفنون سينما ومسرح وتشكيلية وغناء كون الفنون أصبحت أعلي شأنا الآن عما كانت عليه عندما وضعت جوائز نوبل، وبالمثل طالب بعض الإعلاميين بمنتدي "أوب" الأكاديمية نظير ما يبذلونه من أجل البشرية وإن كان يستحق؛ أن يستحدثوا جائزة للإعلام لدعم المخلص والشريف في هذه المهنة.