لطالما أثارت جائزة "نوبل" للآداب الجدل حول الأشخاص الذين تختارهم الأكاديمية السويدية، لكن في النسختين الأخيرتين كان الجدل مختلفًا؛ حيث أصبح الجدل يدور حول ما إذا كان من الممكن وصف الفائزين بالجائزة بأنهم أدباء أم لا. فبعد فوز الفرنسي باتريك موديانو عام 2014 والجدل حول أحقيته بخاصة مع وجود أسماء كبيرة كانت مرشحة كالياباني هاروكي موراكامي صاحب "كافكا على الشاطئ"، والفرنسي ميلان كونديرا صاحب "كائن لا تحتمل خفته"، فجرت الجائزة مفاجأة بفوز البلاروسية سفيتلانا أليكسيفيتش، التي لم تكتب رواية واحدة طيلة حياتها، ليفوز في 2016 المغني والشاعر الأمريكي بوب ديلان. وكانت الأكاديمية قد أعلنت فوز ديلان، اليوم الخميس، خلال الحفل الذي أقيم بالعاصمة السويدية ستوكهولم. بوب ديلان، أو ألين تسيمرمان، وهو اسمه الحقيقي، ولد في 24 يناير 1941، في مينوسوتا بالولاياتالمتحدةالأمريكية. بدأ ديلان حياته الفنية كمغن للfolk، أو ما يمكن أن يسمى بالأغاني التراثية، في المقاهي، بعد أن كون فرقة موسيقة خاصة به، مقتفيًا أثر مغني الروك الشهير إلفيس بريسيلي. وكانت فترة الستينيات هي الفترة الذهبية في حياة ديلان، حيث قدم مجموعة من الأغاني التي تفاعلت معها الجماهير، وما زالت تتفاعل معها حتى الآن، وعلى رأسها أغنية "Blowin' in the Wind" التي قدمها في أحد ألبوماته عام 1963، وصارت، ليأتي ألبومه التالي The Times They Are A-«hangin"" فيجعله أحد أشهر كتاب الأغنية الفلكلورية في تلك الحقبة. الأكاديمية السويدية كانت تعلم أن اختيار ديلان سيثير جدلًا كبيرًا، وهو ما قالته رئيس الأكاديمية للصحف، حسبما نشرت جريدة "جارديان" البريطانية؛ حيث تمنت "ألا تنتقد اللجنة بسبب اختيارها"، رغم إيمانها بأنه "يستحقها بكل تأكيد". وقالت سارة دانيوس، رئيس الأكاديمية، إن ديلان "يجسد التراث، وكان في القلب منه لمدة 54 عامًا، يعيد إنتاج نفسه بشكل مستمر، ويخلق هوية جديدة". وأضافت دانيوس إن الاختيار قد يبدو مفاجئة، ولكنها تستدرك: "ولكن عندما تنظر إلى الوراء فأنت تجد هويمروس وسافو، لقد أنتجا نصوصًا شعرية كان الغرض منها أن تسمع، وتؤدى، وغالبًا مع آلات موسيقية، والأمر نفسه بالنسبة لبوب ديلان. ما زلنا نقرأ هوميروس وسافو ونستمتع بهما، الأمر نفسه بالنسبة لديلان، هو من الممكن أن يقرأ، ولابد أن يقرأ". وبالنسبة للجنة فإن أعمال ديلان "تدور حول موضوعات مثل الظروف الاجتماعية للإنسان، الدين، السياسة، والحب". ويبدو أن الاختيارات الأخيرة تبرز جنوح لجنة نوبل وأكاديميتها نحو اختيار ألوان جديدة، ربما لا يراها البعض منتمية للأدب، كما هو الحال مع سفيتلانا ألكيسيفيتش، التي كانت كتبها عبارة عن تجميع لشهادات أشخاص حول حوادث معينة مثل انفجار تشيرنوبل. ثم يأتي ديلان ليكون أول شاعر غنائي يفوز بالجائزة في مجال الآداب، والمثير للجدل أكثر أنه يعد مغنيًا أكثر منه شاعرًا، ولكن فوز ديلان يفتح الباب على عدة أسئلة تبدو محيرة بالنسبة لكثير من متابعي الأدب. أما عن السؤال الأول فهو: ماذا عن أباطرة الرواية المرشحين منذ سنوات، من قبل ديلان حتى، والذين بلغ بعضهم أعمارًا تثير الشكوك حول إمكانية لحاقهم بالنسخ التالية، ميلان كونديرا 86 عامًا على سبيل المثال؟ هل كان ديلان صاحب ال75 عامًا أحق بها الآن؟ وألم يكن من الممكن تأجيل فوزه كما تأجل فوز الآخرين. وأما عن القضية الثانية فهي: هل تفتح النسختان الأخيرتان أمام توقع ألوان مختلفة تمامًا من الفنون، لا يعتبرها البعض أدبًا بالمعنى المعروف والتقليدي؟ 23 عامًا انتظرتها الولاياتالمتحدة لتفوز بالجائزة في مجال الآداب، بعد أن حصلت عليها توني موريسون، الأمريكية من أصول أفريقة عام 1993، ولكن بعد هذا الانتظار، يأتي الفوز مثيرًا للجدل والشكوك، بخاصة مع وجود اسم مرشح بقوة خلال السنوات الماضية، وهو فيليب روث، اليهودي المنحوس كما يسمونه، والذي كان من المنتظر أن يعيد الولايات المتحدة لمنصة تتويج نوبل للآداب.