سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حكايات الفراق ورائحة الموت علي شواطئ رشيد أم وحيد: ابني دفع حياته ثمناً لمستقبل في علم الغيب عبد العزيز: ضاع حلم محمد قبل وصوله لإيطاليا.. متولي: فقدت ابني وحفيدي في غمضة عين
لم تكن تعرف مدينة رشيد تلك المدينة الهادئة انها ستصبح بين يوم وليلة حديث مصر وبعض البلدان العربية.. لم تكن تعرف هذه المدينة انها ستصبح ملجأ اخيرا يلجأ اليه اهالي المفقودين في حادث الهجرة غير الشرعية بالكيلو 23 في البحر المتوسط.. لم تكن تعرف انها ستتشح بالسواد بعد زيارة هؤلاء الاهالي بحثا عن اولادهم في كشف الناجين او ميتا محمولا علي اعناق ومراكب الصيادين ليستقر عند الشاطئ.. لم تكن تعرف تلك المدينة ان برزخها سيشهد طوابير من الاهالي في انتظار من يأتي بخبر العثور علي ابنهم حيا او ميتا.. علي بوغاز تلك المدينة وقفت »الأخبار» لتستمع إلي حكايات الفراق والامل في العثور علي الجثة. جلست علي الارض بملابسها السوداء واضعة وجهها في قلب ايديها تارة.. ورافعة يدها إلي السماء تارة اخري.. وساجدة تارة ثالثة..هكذا كان حال مها رياض عمر.. تلك المرأة الخمسينية التي جاءت من مدينة الغربية إلي مدينة رشيد بحثا عن ابنها حيا او ميتا..الكلمات تخرج من فمها معدودة.. فهي غير قادرة علي الحديث.. تردد كلمة واحدة وهي »هاتولي ابني».. اقتربنا منها وقالت ابني اسمه وحيد يدرس بالصف الثاني من التعليم الفني الصناعي، اخبرني بانه يرغب في الهجرة إلي إيطاليا بحثا عن وظيفة وشراء شقة في القاهرة، كان يعرف انه من الممكن ان يتعرض للموت ولكنه خاطر بحياته من اجل تحقيق هدفه، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، فاتنا الان لا اعرف ابني اين مصيره هل الموت غرقا ام النجاة واذا مات اين هي جثته؟ حرارة الفراق تركنا مها تردد كلماتها التي كانت سببا في بكاء كل من يمر من امامها لننتقل إلي هذا الرجل الذي يرتدي جلبابا بسيطا تعلوها »تلفيحة» تقيه حرارة الشمس.. ولكن من يقيه حرارة الفراق؟!.. محمد عبد العزيز جاء من قرية ابوصوير التابعة لمركز سمنود بمحافظة الغربية بحثا عن ابن شقيقته ويدعي محمد عادل الذي كان يستقل المركب الذي تعرض للغرق، مؤكدا انه اتفق مع احد السماسرة في القرية علي السفر إلي إيطاليا نظير دفع 30 الف جنيه يستلمهم السمسار عند الوصول إلي إيطاليا، وكانت الظروف القاسية هي التي دفعت محمد إلي تجميع هذا المبلغ من اجل السفر إلي الخارج خاصة في ظل الاوضاع الاقتصادية السيئة التي طالت اسرته بعد وفاة امه، فكما يقول عبد العزيز ان والد محمد يعمل علي توك توك ولا يستطيع الوفاء بمتطلباته ومتطلبات اشقائه وهو ما دفع محمد إلي السفر.. ويكمل عبد العزيز قائلا: عاوز ابن شقيقتي حيا او ميتا حتي تهدأ نارنا ونعرف مصيره بدلا من تواجده الان في عرض البحر ولا نعرف مصيره. علي مقربة من عبد العزيز وقف ابراهيم احمد ينتحب ويبكي اشد البكاء.. ينظر إلي البحر محاولا شق جلبابه الا ان المحيطين به يمنعونه.. اقتربنا منه فقال ان من ضمن المتواجدين علي المركب الذي تعرض للغرق هو نجل عمه ويدعي محمود ابراهيم فاروق، مشيرا إلي ان محمود لم يطلع احد علي سفره وكان يحتفظ بهذا السر مع نفسه وفوجئنا قبل الحادث بيوم واحد باتصال منه يخبرنا مباشرة انه مسافر إلي إيطاليا بحثا عن العمل، وحاول والده اقناعه عبر الهاتف لإثنائه عن قراره الا ان محاولات ابيه باءت جميعها بالفشل. يستطرد إبراهيم قائلا: ان الفقر الشديد الذي تعاني منه اسرة محمود هو السبب الرئيسي في محاولته الهجرة غير الشرعية مضيفا انه حتي الان لا يعرف ان كان حيا او ميتا، فالكشف الذي اعده قسم مدينة رشيد بالناجين لم يكن من بينهم وهو ما يجعلنا ننتظر الان امام البحر لعل هناك من اتي بخبر يقين يؤكد وفاته او بقاءه حيا. صرخات تخترق علي بعد امتار وامام بوغاز رشيد افترشت الارض الحاجة أم محمد.. تلك المرأة الستينية التي اخترقت صرخاتها اجساد المنتظرين.. لم تتوقف عن الصراخ.. تصرخ تارة وتارة اخري تقول »حتوحشني يامحمد».. حاولنا ان نهدئ من روعها وبالفعل استجابت وقالت ابني محمد عنده 19 عاما..كان دائما ما يفكر في السفر ويحلم بالعمل في دولة اوربية واكثر من مرة تصديت له ولكن ولاد الحرام »اغوه» بالسفر واستجاب لهم وهذه كانت النتيجة. تركنا أم محمد مع تخميناتها لننتقل إلي الحج متولي الجمال 65 عاما..فهذا الرجل وفقا لتعبيره ان الناس لديها مصيبة اما هو فلديه مصيبتان فقد تعرض للغرق نجله متولي وحفيده محمد موضحا ان الصيادين نجحوا في العثور علي جثة نجله ويتبقي جثة حفيده موضحا انه فوض امره لله وانه مؤمن بالقضاء والقدر مشيرا إلي انه تعرف علي جثة ابنه متولي بين 18 جثة كانت متواجدة في ثلاجة مستشفي دمنهور موضحا ان الجثامين ليست سليمة وبها تشوهات ناتجة عن مشاجرات تمت علي المركب. واضاف متولي انه قام بابلاغ جهاز الشرطة عقب الحادث عن اثنين من السماسرة كانا سببا في هجرة نجله وحفيده إلي إيطاليا. صرخاته امتدت الينا اثناء حديثنا مع الحاج متولي ثم جاء الينا مطالبا بفعل اي شئ لايجاد ابنه.. انه محمد احمد ابراهيم 55 عاما والذي اكد ان نجله احمد ليس من بين قوائم الناجين موضحا انه كان علي علم بسفر ابنه إلي الخارج عبر الهجرة غير الشرعية وعندما تحدث معه بشأن عدم السفر قال له ابنه »سيبني خليني ادور علي لقمة عيشي!». ويستكمل محمد كلامه قائلا: بالفعل اتفق نجلي مع سمسار الهجرة غير الشرعية والذي أخذ منه مبلغ 17 الف جنيه نظير السفر و13 الف جنيه بعد الوصول. ومن علي لسان محمد اختطف الحديث محمود سمير 23 عاما والذي اكد ان ابن عمه تعرض للغرق فهو لم يجده في كشف الناجين مشيرا إلي انه كان يعمل سائقا للتوك توك قبل سفره ولكن الحالة كانت في غاية الصعوبة وهو ما دفعه للمخاطرة بحياته في عرض البحر متمنيا العثور علي جثمانه.