في الدين كما في الحياة، هناك أولويات تستحوذ علي النصيب الأكبر من اهتمام الإنسان المسلم، فالأركان تأتي في المقدمة، يليها الفرائض، ثم النوافل، وتبعًا لهذا الترتيب، لا يجوز بأي حال أن نقدم الأقل أهمية علي الأهم، كما أنه في حياة الإنسان، هناك قضايا كبري ذات أهمية قد يتوقف عليها تحديد مصيره، ومسائل أقل منها أهمية، لا تحتاج الوقوف أمامها بل نتجاوزها إلي ما هو أعلي منها، وعلي ضوء ذلك يتم تحديد الأولويات. فعلي سبيل المثال لا الحصر، الأخلاق »إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، والعمل والإنتاج (ورد في القرآن 180 مرة)، وإصلاح الناس، والتعايش بين البشر، والسلام، هي قضايا كبري، لها الأولوية علي ما عداها، تسبقها في الأهمية، ويجب أن تكون نظرتنا إليها من هذا المنظور، لكن حين نركز علي الشكل والمظهر والأمور الجزئية، ونحول العمل والأخلاق إلي مسألة غير مهمة، تحدث هنا المشكلة، فنظلم الإسلام، لأن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها. في موضوعات الدين، لابد من مراعاة الأوزان النسبية، فالإيمان ليس درجة واحدة، بل هو أحجام وأوزان.. »الإيمان بضع وستون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذي عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».. لماذا الحياء وليس باقي الشعب؟، لأن الحياء هو الذي يأتي بالأمور الأخري والأخلاق الأخري فالحيي لا يكذب ولا يرتكب الفاحشة.. حتي الذنوب ليست درجة واحدة، بل فيها كبائر وصغائر. التفرقة بين القضايا والمسائل (معيار الفرائض والنوافل) عن طلحة بن عبيد الله يقول: جاء رجل إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم من أهل نجدٍ، ثائرُ الرأس، نسمع دويَّ صوته ولا نفقه ما يقول - لكن عنده عقلية فارقة - حتي دنا من رسول الله صلي الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل عليَّ غيرُهن؟ قال: لا، إلا أن تطوّع، وصيام شهر رمضان، فقال: هل عليَّ غيرُه؟ فقال: لا، إلا أن تطوَّع، وذكر له رسول الله صلي الله عليه وسلم الزكاة، فقال: هل عليَّ غيرُها؟ قال: لا، إلا أن تطوَّع. قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد علي هذا ولا أنقُص منه. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أفلح إن صدق. وفي رواية أخري: »أفلح، وأبيه، إن صدق. أو: دخل الجنة وأبيه إن صدق». فالحديث حدد الأوزان النسبية للموضوعات في الدين، ووضع علي رأسها أركان الإسلام، وهذا الرجل كان لديه عقلية فارقة، فقال: والله لا يزيد عنها ولا أنقص، وكان رد النبي: »أفلح إن صدق»، وبناءً علي ذلك فالفرائض والأركان هي بلا شك قضايا وما سواها فهو مسائل، فلا تأخذ مسألة وتحولها إلي قضية مثل إطلاق اللحية، أو الأخطاء في أداء العبادات والخلافات بين المذاهب الفقهية، والعكس لا تحول قضية إلي مسألة، مثل العمل والإنتاج والتعليم والأخلاق. ويبدو أن العقلية الفارقة التي تحدد أولويات الدين، فتضع القضايا في حجمها والمسائل في حجمها هي السبب في درجات الناس عند الله يوم القيامة »هم درجات عن الله»، لأن الاختبار الكبير في الحياة هو اختبار أولويات في المقام الأول، فالذنوب والمعاصي كل إنسان يدرك بفطرته أنها حرام، لكن أعظم ما خلق الله هو العقل، لذلك كان أكبر اختبار للعقل هو الاختيار بين الأولويات. في حديث معاذ بن جبل أن النبي صلي الله عليه وسلم قال له: »ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه»؟، قلت: بلي يا رسول الله، قال: »رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد».. انظر إلي ترتيب العقل لدي النبي.. رأس الأمر الإسلام، وذروة سنامه الجهاد، وهو الجهاد بالمعني الصحيح وليس القتال، ولكن بالمعني الشامل بذل الجهد والعمل في الحياة. العلاقات الاجتماعية والقضايا والمسائل ليست في أمور الدين فقط، لكن في الحياة كلها حتي في العلاقات الاجتماعية والأسرية.. في ترتيب القضايا الاجتماعية: صلة الرحم أولوية.. مع زوجتك: العشرة والمودة هي القضايا الكبري، وغيرها ما هي إلا مسائل صغري، فعندما تكبر المسائل الصغري، وتنسي القضية الكبري مثل: كيف كانت بجوارك كل هذا الوقت وعاشت معك علي الحلو والمرة، وتنسي كل هذا أمام زيادة ملح الطعام أو القميص تضيع الحياة. في مسألة الزواج، قد يحدث أن يغضب الأب من العريس، فيقدم المسألة علي القضية، لكن انظر إلي رد النبي علي رجل جاء يسأله: »يا رسول الله تقدم لبنتي اثنتان أحدهما غني والآخر فقير، فقال النبي للأب: وبنتك من تهوي.. فقال الرجل: الفقير.. قال النبي: لا أري للمتحابين إلا الزواج».. الرسول يقدم لك القضايا ويرتبها حتي في الأمور الاجتماعية. خطوات الشيطان والتفريق بين القضايا والمسائل يمثل فرصة رائعة لهزيمة الشيطان، الذي يتحرك معك في سبع خطوات، الأولي: يقول لك: اكفر بالله، بدينه، ولقائه، فإذا لم يستطع انتقل إلي الخطوة التالية: أشرك مع الله غيره، وسينجو من كيده كل من حافظ علي الفرائض خاصة الصلوات الخمس والتزم سنة النبي. عندها سينتقل إلي الخطوة الثالثة: سيقول لك افعل الكبائر، مثل ترك الصلاة، عقوق الوالدين، الزنا، شرب الخمر، المخدرات.. وعندما تبتعد عن كل مكان أو صديق يأخذ بيدك إلي هذه الكبائر وتتوب لله فورًا ستفشل محاولته في الإيقاع بك. الخطوة الرابعة: يزين لك الصغائر، فيقول لك مادامت تركت الكبائر فأنت أفضل من الآلاف غيرك، والله غفور رحيم، فلا بأس إذن من المعاصي الصغيرة، فيكون مرتكب الكبيرة النادم الخائف أحسن منك حالاً، لأن الإصرار علي الصغيرة يحولها إلي كبيرة، وتنجو من هذه المكيدة بدوام الاستغفار، والإكثار من الحسنات. الخطوة الخامسة: يعمل علي إضاعة وقتك في الأمور المباحة، بأن يشغلك طوال النهار في حل الكلمات المتقاطعة، أو الجلوس علي مواقع التواصل طوال الليل، وتتجنب ذلك بمعرفة قيمة الوقت، والطاعات. الخطوة السادسة: يشغلك بالأقل أهمية في الإسلام عن الأكثر أهمية، يغير ترتيب الأولويات بالنسبة لك ولرؤيتك للحياة وللدين.. حتي تجد نفسك مشغولاً بسفاسف الأمور، وتنجو من هذه الخطوة بمعرفة أولويات الدين. الخطوة السابعة: الأذي يصيبك في الحياة وفي المال وتصبر عليه.. فهذا يكون نجاة لك من مكائد الشيطان والفوز بعيدًا عن الخطة التي رسمها لك. اسأل نفسك في أي خطوة تخلص منك الشيطان؟! إذا كانت في الثالثة فقد تخلص منك بسرعة.. أما إذا وصلت إلي الخامسة والسادسة والسابعة فأنت صاحب طموح وعقيدة.. وأخيرًا: ركز علي القضايا ولا تضع عمرك في المسائل، حتي تعلو في عين الله وعين الناس وتعلو في الحياة.