بينما نعاني نقصًا مائيًا يتطلب منا التكاتف للمحافظة علي كل قطرة ماء، نجد آلاف الأفدنة المستخدمة ملاعب جولف للأثرياء، والتي تروي بملايين الأمتار من المياه العذبة لرفاهية الكبار الذين لا يعبئون بنقص مياه الشرب والري. وبحسب الدراسة الأخيرة الصادرة من الصندوق العالمي للحياة البرية ، فإن ملعب الجولف الواحد الذي يحتوي علي 18 حفرة فقط يستهلك كمية من المياه تقدر ب700 ألف متر مكعب سنويا، وهذه المياه كافية لاحتياجات 15 ألف نسمة سنويا، كذلك حمامات السباحة، وري الحدائق العامة التابعة للمنتجعات السياحية. كمية المياه التي تهدر في نادي جولف واحد لمدة ثلاثة أيام تكفي لري مائة فدان، والغريب أن وزارة الري تفرض الغرامات علي الفلاحين ممن يزرعون محاصيل استراتيجية كالأرز والموز وقصب السكر في أراضٍ غير صالحة بدعوي الحفاظ علي مياه النيل، وفي نفس الوقت تتغاضي عن اتخاذ قرار حاسم بشأن تلك الملاعب. وبعد ثورة يناير تعالت أصوات داخل وزارة الري، عندما كان الدكتور حسين العطفي يتولي الوزارة لوقف إمداد ملاعب الجولف بالمياه، بعدما أثبتت بعض التقارير الرقابية استخدام مياه ترعة الحمام في ري أشجار قري مارينا والساحل الشمالي، إلا أن تلك الهوجة توقفت بعد ذلك ولا يعلم أحد لماذا؟ هناك دول أوربية كأسبانيا والبرتغال نادت بضرورة تقنين سياحة الأغنياء المستهلكة للمياه بحسب الصندوق العالمي للحياة البرية، وهناك جمعيات عالمية تناهض هذا النوع من السياحة، وكانت منظمة السياحة العالمية حذرت مصر من إهدار مياهها في السياحة شديدة الرفاهية. أغلب تلك الملاعب يقع في الكمبوندات الفاخرة بمناطق القطامية هايتس والسادس من أكتوبر والساحل الشمالي، ومنها ملعب الجولف الموجود بميراج سيتي، ومدينتي، ودريم لاند، وهيليوبلس، ويتم ذلك عن طريق توصيل مواسير مياه من المدينة الرئيسية إلي النوادي، التي وصل عددها إلي 40 ناديا منذ عام، الا أن أعدادها قد زادت لافتتاح أكثر من كمبوند بمناطق التجمع الخامس، والسادس من أكتوبر، ومارينا. الملعب الواحد يحتاح إلي أكثر من مائة فدان لإنشائه و150مليون جنيه تكلفته، هذا يجعلنا نطرح تساؤلا عن تقاعس وزارتي الري والإسكان عن اتخاذ حزمة من الإجراءات لتوفير تلك المياه العذبة المتدفقة علي ملاعب الجولف والتي أولي أن تذهب لأراضينا المستصلحة حديثا أو للمناطق العشوائية التي تجد مياه شربها بمعجزة. بدأت ممارسة تلك الرياضة في اسكتلندا ومنها إلي الدول الأوربية وأمريكا وأسبانيا وقد دخلت تلك الرياضة إلي مصر وتوسعت في عهد نظام مبارك ورجاله الذين ولعوا بها أثناء زياراتهم المتكررة لدول أوربا فجلبوها إلي مستعمراتهم ونواديهم، ولك أن تتخيل أن الحقيبة التي تحوي معدات اللعبة تصل إلي 15ألف جنيه بخلاف الكور والعربات التي يتم التنقل بها لمتابعة سير الكرة، وتزيد المبالغ حسب عدد الحفر. ومن المعروف أن أحمد نظيف وحبيب العادلي كانا عاشقين لتلك اللعبة ويلعباها بنادي القطامية هايتس القريب من قصريهما وقد يكون هذا ما دفع أمين أباظة وزير الزراعة الأسبق من إصدار تصريح ينفي أن تكون تلك الملاعب مسئولة عن إهدار المياه أو إحداث خلل مائي بعد ذلك فأغلبها يعتمد علي تحلية مياه البحر بالرغم من أنها تتكلف أموالا طائلة حسب قوله. محمود جبر، أحد فلاحين البحيرة، وقف يتابع بحسرة أرضه التي لا تتعدي الفدان بعد أن ملأتها الشقوق وجف طينها وباتت علي حافة البوار فالماء انقطعت عنها منذ أسبوعين، ولم يكن وحده من عاني من تلك الكارثة فجيرانه يصرخون ويتوسلون لأي مسئول مهما وضع منصبه وأرسلوا شكاوي إلي مديرية الري بدمنهور ولكن لا استجابة إلي الآن, يفكرون في محصول الذرة والقطن اللذين تدهورا ولن يعطيا إنتاجية تذكر ومعناه تراكم ديون جديدة في بنك التسليف الزراعي واحتكار جديد لمافيا الأسمدة والمبيدات الزراعية التي اشترطت توقيع كمبيالات وشيكات لتسليمهم حصتهم في الأسمدة التي لم يعدوا يجدونها في منافذ بيع المبيدات التابعة لوزارة الزراعة. علي جانب آخر، وفي أحد نوادي مارينا الفخمة بالساحل الشمالي ملعب جولف تتعدي مساحته مائة فدان تروي حفره المتعددة بمياه عذبة متجددة حتي لا يصيبها العطب فيغضب رواد النادي الذين تضخمت كروشهم ويبحثون عن رفاهيتهم وراحتهم غير عابئين بالضغط الأثيوبي علينا ودخولنا في دائرة الشح المائي يسيرون بعربات الجولف يتابعون الكرة بلهفة حتي يستطيعوا الوصول لها عازمين علي اقتناصها. أما راضي البنهاوي أحد الشباب الذين تملكوا فدادين بصحراء مطروح ودفع أموالا عدة لتسهيلات الإجراءات الروتينية واجه عقبة أخري تتمثل في استخراج ترخيص لبئر جوفي لري فدادينه الثلاث التي قرر زراعتها بالموز والشعير وإلي الآن وبعد مرور عدة سنوات فشل في استخراج ذلك التصريح علي الرغم من نجاح بعض رجال أعمال يمتلكون قري سياحية ضخمة في استخراج التصاريح بغرض ري أراضيهم المستصلحة وبالطبع يستخدمونها بعد ذلك لإنشاء حمامات سباحة وملاعب الجولف . يقول الدكتور مغاوري شحاتة، الخبير المائي مستشار وزير الري السابق: إنه لا شك أن ملاعب الجولف وحمامات السباحة سوف تؤثران علي مياهنا ونحن مقبلون علي مرحلة من الشح المائي ولك أن تعلم أن معظم تلك الأراضي كانت قابلة للزراعة ومن الممكن أن تحل مشكلة في توفير آلاف الأفدنة المزروعة بمحاصيل استراتيجية إلا أن مصالح المستثمرين تعارضت مع ذلك وتم التوسع في إنشاء مثل تلك الملاعب لأثرياء مصر الذين لايمثلون سوي نسبة ضئيلة من مجتمعنا ككل. يضيف شحاتة، كان الفدان يستهلك مياها تقريبا 13 ألف متر مكعب سنويا وهو يعادل ضعف كمية المياه التي يأخذها الأرز وستة أضعاف الكمية التي يأخذها القمح ولذا علي الحكومة أن تتخذ حزمة من الإجراءات لمواجهة هوجة إنشاء مثل تلك الملاعب التي تؤجج الطبقية بمجتمعنا. ويتفق معه في الرأي، الدكتور نصر علام وزير الري الأسبق، فيقول: إن هذه الملاعب لا تستخدم للرياضة أكثر من استخدامها كمنظر جمالي ومعظم مستخدميها أجانب لذا فهي لاتخدم سوي أفراد بعينهم في ظل حاجتنا الشديدة لكل قطرة ماء ومن المعروف أن ريها يعتمد علي ثلاثة مصادر أهمها شبكة مياه الشرب والمسئولة عنها وزارة الإسكان وتتجلي بنوادي 6أكتوبر أما المصدر الثاني فالمياه الجوفية وترع هامة كالحمام وذلك يتجلي بقري مارينا والساحل الشمالي وبعضهم يلجأ لتحلية ماء البحر لذلك إلا أن تكلفتها عالية لذا لابد من التفكير بحلول تعتمد علي معالجة مياه الصرف الزراعي والصناعي لاستخدامهما في مثل تلك الأغراض أما الدكتور محمد إبراهيم الأستاذ بمركز بحوث الصحراء فيقول:لاتوجد دراسات دقيقة عن عدد تلك الملاعب ولا استهلاكها الدقيق للمياه ولكن نظرا للتوسع في إنشاء المنتجعات السياحية بالمدن الجديدة زادت أعداد الملاعب بالضرورة وبعض المستثمرين يتحايلون علي القانون بطلب ترخيص لحفر بئر جوفي ثم يتلاعبون بعد ذلك لاستخدامها في ري الملاعب وهذا يمثل ضغطا شديدا علي الخزان الجوفي الذي نعول عليه مهمة ري مشروع المليون ونصف المليون فدان الذي بمثابة حياتنا أو موتنا لذا لابد من البحث عن وسائل أخري لريها كمعالجة مياه الصرف الزراعي والصناعي. من ناحية أخري، قال الدكتور رجب عبدالعظيم وكيل وزارة الري، تعتمد خطة الوزارة المستقبلية للحفاظ علي الموارد المائية بالاستفادة من مياه الصرف الصحي المعالج في ري الحدائق وملاعب الجولف واستخدام نظم الري الحديثة والتكنولوجيا العالية حفاظاً علي كل قطرة مياه وعلي وزارة الإسكان أن تتحري حول إهدار مياه الشرب في ري تلك الملاعب واتخاذ إجراءات صارمة لوقف ذلك التعدي.