"يوسف سليم" .. ربما لا يكون هذا الاسم معروفا بالنسبة للكثيرين، حتي أنه غير شائع أيضا بالنسبة لمحرك البحث جوجل، لكنه بلا شك واحد من الأسماء المهمة جدا بالنسبة للباحثين للمهتمين بفن التصوير الفوتوغرافي في مصر، والذي تكرر علي سمعي أكثر من مرة خلال نقاشات جادة حول فن التصوير الفوتوغرافي في مصر في الثلاثينيات وبعد ذلك . ولد يوسف سليم في أوائل القرن العشرين بأسيوط وقد درس فن التصوير الفوتوغرافي في إيطاليا في العشرينيات باستوديو رالف أوجانو من كالابريا.. وفي الثلاثينيات أصبح أشهر مصوري الوجوه "البورتريهات" بالقاهرة وأول مصري يدرس بشكل مهني محترف من خلال أعمال التصوير الفوتوغرافي الخاصة بوجوه الناس. وربما كان الحظ حليفي بأن تواتيني الفرصة مؤخرا لأشاهد عددا من أعماله الرائعة لا سيما صورة الراهبة المصرية التي ملكت علي حواسي، وذلك من خلال المعرض الذي نظمه مركز الإبداع بالإسكندرية، بالتعاون مع المعهد الثقافي الإيطالي بالقاهرة، تحت عنوان "أكبر الاستودوات الفوتوغرافة الإطالة في مصر خلال القرنن التاسع عشر والعشرن"، والذي يقام للمرة الثانية حيث كان قد افتتح لأول مرة في يناير الماضي بالمعهد الثقافي الإيطالي بالقاهرة . يضم المعرض 49 صورة لسبعة مصورين إيطاليين أسسوا استوديوهات لفن التصوير في مصر خلال القرنين التاسع عشر والقرن العشرين، علي نهج النموذج الفني في التصوير لفنانين أوروبيين وأمريكان، وهم الفنانين أنطونيو بياتو، وألبرتو دوريس، وجوفاني فازاني، ولويدجي فيوريللو وثيؤدورو كوفلر، وإنركيو ليتشر، ويوسف سليم. وربما كان هؤلاء الفنانون مولعين بالموضوعات الغريبة ومعنيين باهتمامات السياح الأوائل فيما يتعلق بالآثار المصرية القديمة وآثار الشرق الأوسط. وفي كلمته بكاتلوج المعرض يذكر باولو ساباتيني مدير المعهد الثقافي الإيطالي بالقاهرة أن فن التصوير الضوئي في مصر وإيطاليا أي بدولتي حوض البحر الأبيض المتوسط شهد خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر تطورا كبيرا ملحوظا، وقد جذبت مصر علي وجه الخصوص انتباه الكثيرين من المولعين بفن النوفو آرت " " . وحول المصورين الذين تناولهم المعرض يقول ساباتيني "بالرغم من أن هؤلاء الفنانين لم يحظوا بشهرة كبيرة كزملائهم الآخرين الذين وصلوا للعالمية مثال باسكال سيبه، وجون سميث، وجون جرين، وليويز هانت، وفرنسيس فريث، وفيليكس بونفيس، وإيبوليت أرنو، وهم الذين قدموا أعمالا فوتوغرافية ضخمة علي نطاق واسع، فقد قدم المصورون الإيطاليون بديلاً جيداً علي الساحة الفنية سمح بوجود العديد من المهتمين بل وهواة جمع الصور من ذوي النزعة العالمية. وبفضل اندماج هؤلاء المصورين الإيطاليين في المجتمع المصري ووجودهم في مواقع استراتيجية ذات مرور آمن للسياحة، أصبحوا محط أنظار الجميع بل واشتهروا بحساسيتهم وبمبادراتهم الرائدة في مجال فن التصوير الضوئي." ولعل السمة التي جمعت بين الفنانين الذين قدمهم المعرض هي أنهم يمثلون شريحة من المجتمع الإيطالي من حيث الأصل والتعليم والثقافة من جانب وكذلك من المجتمع المصري من حيث الاهتمامات الفنية من جانب آخر. وتعتبر تلك المجموعة المتميزة من الصور ذات القيمة الثقافية والتاريخية الكبيرة جزءا من المقتنيات الشخصية لكل من فرانسيس أمين ومرفت جرجس اللذين قاما بالإعداد لهذا المعرض بالتعاون مع وجوانتا ريتشي ألواني. وفي التعريف بأمين وجرجس يقول باولو ساباتيني في كلمته "فرنسيس أمين هو أستاذ المعهد العالي للإرشاد السياحي بمدينة الأقصر، كما يعد كبير المرشدين السياحيين، رجل ذو روحانيات عالية وثقافة رفيعة المستوي، ومن ثم فهو شخصية خارج حدود الزمن تماما مثال الصور التي تنتمي إلي حقبة بعيدة أي فترة الأيام الخوالي الجميلة.." مضيفا " فرنسيس هو الساحر الماهر لحكايات ألف ليلة وليلة والصديق السخي والمولع بمختلف ألوان الفنون والهاوي الدؤوب لجمع كل الصنوف وكل المواد التي يمكن جمعها، وذلك انطلاقاً من المنشآت إلي قوائم الطعام الخاصة بالقصر الملكي ومن النسخ المصورة لأعمال رسم زيتي إلي المجوهرات والكتب. تقف إلي جوار هذا الفنان زوجته، السيدة ميرفت جرجس، تلك المرأة المتحمسة والهاوية أيضاً لجمع المقتنيات التي تتواجد بمقرات العائلة في القاهرةوالأقصر. ومن ثم تجسد ميرفت عنصر النظام والترتيب في مقابل الفوضي النموذجية لفرنسيس، حيث تجسد بعذوبتها ورقتها وعملها الدؤوب النصف المثالي لهذا الزوج المتميز، فهما عاشقان لكل ما هو غريب ومثير للفضول ولكل ما لا يمكن العثور عليه". ويروي فرانسيس أمين ومرفت جرجس جانبا من تجربتهما في كتيب المعرض المطبوع باللغتين العربية والإيطالية قائلين " بدأنا في مصر منذ ثلاثين عاماً في جمع الصور لمصورين مقيمين في مصر أو إنتاجهم عن مصر، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف لدينا مطلقاً هذا الشغف، بل نما واتسعت جوانبه في محاولة لتعريف جمهور المهتمين بطريقة أو بأخري بفنانين غير معروفين للكثيرين ولكن لهم قيمة تاريخية وثقافية كبيرة. " ويذكر أمين وجرجس أن تلك الأبحاث التي أجرياها في مصر والخارج ساهمت في تعريف قطاع عريض من الجمهور بأعمال مصورين عظماء ، كما سمح للجمهور أيضا بالتعرف علي لويدجي فيوريللو والذي بالرغم من إقامة معرض له في الماضي حول قصف مدينة الإسكندرية لم تكن الفرصة سانحة للتعرف علي عمله الفني بأكمله. ونفس الحال بالنسبة لثيودورو كوفلر الذي اشتهر بتصويره لمناظر ومشاهد جوية رائعة باستخدام آلات تصوير متطورة، ولكن وللأسف لم يتم علي الإطلاق حتي الآن التطرق بالحديث عن المواد الفنية التي قدمها هذا الفنان والتي لم يتم نشرها من قبل وهي تلك الأعمال التي لا تجسد مشاهد أو مناظر جوية ونقصد علي وجه الخصوص الصور الخاصة بمباني وعمارات القاهرة والتي تجسد أعمالاً من الصعب الحصول عليها إلا من خلال خبرة فنان ماهر ككوفلر. إضافة إلي أمبرتو دوريس، والمعروف بمنتج الأفلام الوثائقية والسينمائية، وقد اشتهر كمصور بفضل تصويره لسارة برناردت ذات الوجه الذهبي، ولكونه المصور الرسمي للملك فيتوريو ايمانويل والملك فؤاد. ويتضمن كتيب المعرض نبذة عن كل فنان من أولئك الفنانين العظماء إضافة إلي عدد من الصور والتي نستعرض جانبا منها في السطور التالية أنطونيو بياتو.. مصور الفراعنة قدم إنتاجه في مجال التصوير الفوتوغرافي علي مدار أكثر من أربعين عاماً، منذ 1860 تقريباً إلي عام 1906. والسمة الرئيسية التي تميز عمل بياتو هي توثيقه بشكل منظم ومنهجي دقيق لعدد كبير من المعالم الأثرية للحضارة الفرعونية المنتشرة علي ضفتي نهر النيل. وقد استقر بياتو في مصر عام 1860 وعاش لفترة قصيرة في القاهرة، ثم انتقل بعد ذلك إلي الجنوب وكان المصور الوحيد من جيله الذي فتح أتيلية أستوديو دائماً له في مدينة الأقصر بصعيد مصر حيث أنتج للسياح صوراً تجسد المواقع الأثرية في المنطقة. وقد توفي أنطونيو بياتو بمحافظة الأقصر عام 1906. أمبرتو دوريس.. مصور الملوك بدأ أمبرتو دوريس حياته المهنية كمنتج للأفلام الوثائقية والسنيمائية وهو نشاط ساعد في ذيوع اسمه في معظم ربوع مصر. اشتهر كمصور للكثير من صور سارة برناردت ذات الوجه الذهبي والتي خلدت من خلال العديد من أعماله الفنية والمهنية. درس دوريس في الإسكندرية ثم أصبح المصور الرسمي للملك فيتوريو إيمانويل والملك فؤاد. جوفاني فازاني.. تمثال أبو الهول ولد الروماني فازاني عام 1890 وبدأ مهنة التصوير بفتح استوديو خاص له بفندق مينا هاوس. وكان عضوا في Grivas اليوناني، وقد استمر أبناؤه بعد أن وافته المنية في عام 1930 في مزاولة نشاط الأب. لويدجي فيوريللو.. المصور المتجول إيطالي عمل منذ 1880 كمصور "لصاحب السمو الأمير محمد طوسون باشا". لا نعرف سوي القليل عن حياته الخاصة حيث نجهل تاريخ ومكان الميلاد ولكن وبالتأكيد نعلم أنه كان يعمل كمصور منذ 1870 في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. كان فيوريللو صحفيا واعدا وسابقا لأوانه، حيث تابع بالتغطية لأعمال بعثة الجمعية الجغرافية الإيطالية عام 1877 ليصبح أحد الغربيين القلائل الذين مكثوا في مدينة الإسكندرية أثناء انتفاضة الجيش المصري عام 1881 والقصف البريطاني المآساوي في 11 يوليو 1882. توفي لويديجي فيوريللو في عام 1898. ثيؤدورو كوفلر.. مصور المناظر الجوية تشير السيرة الذاتية للفنان ثيؤدورو كوفلر إلي أنه من مواليد انسبروك وقد وافته المنية في بحيرة فكتوريا في تنزانيا. ومروراً بسنوات حياته في مصر وأثناء الحرب العالمية الأولي تم اعتقاله في معسكر الاعتقال الإنجليزي لسانت كليمنت في مالطا، فقد أصبح واحدا من المصورين الرسميين لهذه الحقبة. أولي الصور التي التقطها من طائرة تجسد الآثار القديمة في مصر وقد قام بوضعها في ألبوم استثنائي محفوظ منذ عام 2001 بدار الوثائق والأرشيفات الخاص بعلم المصريات بجامعة ميلانو. أما عن أهم صوره فقد تم التقاطها في النصف الأول من عام 1914 من خلال طائرات، فهي تجسد الأهرامات ومعابد الكرنك والأقصر وبعض المعالم الأثرية في الضفة الغربية من طيبة. ومن ثم فهي تجسد مجموعة فريدة ذات قيمة كبيرة بالنسبة لعلم المصريات وتاريخ التصوير وتاريخ الطيران. وربما توازي تلك الصور في الأهمية الصور الخاصة ببانيات ومباني القاهرة التي تم التقاطها خلال الخمسين عام التي جسدت نشاط الفنان كوفلر ، وقد ترك كوفلر مصر في عام 1962. إنريكو ليشتر تمثل الصور الفوتوغرافية الخاصة بالحفريات الأثرية في منطقة الأقصر ومشاهد الحياة المحلية التي قام إنريكو ليشتر بالتقاطها، كنتاج للعمل الذي قام به الفنان لصالح دار شيكاغو - الجمعية الأمريكية والتي كانت معنية في تلك السنوات بالعديد من الحفريات بوادي النيل. انتقل ليشتر الذي ينتمي إلي مدينة بولزانو إلي مصر ليشبع شغفه بفن التصوير الفوتوغرافي، ولكن كان عليه أن يتحمل مشقة وآلام النفي والترحيل إلي مالطا وذلك مع اندلاع الحرب العالمية الأولي لكونه مواطن نمساوي في بلد كانت واقعة في تلك الفترة تحت الحماية البريطانية. قام ليشتر بعد الحرب بفتح أستوديو للتصوير الفوتوغرافي في القاهرة ثم انتقل إلي الأقصر بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون. وبسبب الفيضان الذي دمر استوديو التصوير الخاص به في عام 1929، أُتيحت له الفرصة لفتح استوديو جديد بطريق معبد الكرنك. ومنذ أن أصبح ليشتر المصور الرسمي لدار شيكاغو حتي نهاية الحرب العالمية الثانية،أخذ ابنه جورج يعاونه في العمل. يوسف سليم أصبح أشهر مصوري الوجوه "البورتريهات" بالقاهرة في الثلاثينيات. تعاون منذ البداية مع أستوديو ميزراح حتي قام بفتح معمله الخاص في عام 1930. مكنته مهارته وحرفيته من أن يلتقط ببراعة منقطعة النظير الصور الخاصة بالجيشين البريطاني والمصري، هذا علاوة علي الظهورات العامة لشريحة الشخصيات الهامة الخاصة بالمجتمع المصري.