0حول منهجية النقد الثقافي بين النظرية والتطبيق.. دراسة أكاديمية في تحليل الخطاب النقدي، حصل عنها الباحث محمد ابراهيم السيد عبدالعال علي درجة الدكتوراه في كلية الآداب، جامعة المنوفية. في بداية المناقشة عرف الباحث المنهج النقدي بأنه خطاب معرفي منضبط موضوعه الرئيسي قراءة النص الأدبي، ويتوزع هذا الخطاب علي عدة مستويات لغوية، ما بين مصطلحات نظرية تقيم الخطاب النظري للمنهج، ومصطلحات اجرائية تحول الخطاب النظري إلي اجراءات نقدية قابلة للتطبيق علي المستوي التحليلي للنص الأدبي. وقد حاول الباحث في دراسته أن يقدم منهجية نقدية ثقافية تتناول النص الأدبي في مظلة من خصوصيته الجمالية، وتتأسس هذه المنهجية علي اعتبار أن النقد الثقافي هو مرحلة التحليل الأدبي، فالنص الأدبي حين ينطوي علي علامات أو أنساق ثقافية فانها تخضع لهيمنة الوظيفة الأدبية التي تميزه، شأنها في ذلك شأن عناصر المرسلة الأدبية. ثمة مشكلة واجهها الباحث تتبدي في أن النقد الأدبي - غربيا كان أو عربيا -لم يطور آليات تحليلية خاصة بقراءة النص الأدبي في اطار خطاب منضبط، مستفيدا من ذلك المنجز الثقافي الذي طورته الانثروبولوجيا، والذي سُمي بالدراسات الثقافية ليقدم مقاربة منهجية جديدة للنص الابداعي تحافظ علي خصوصيته النوعية/ الجمالية، ومن ثم تزاوج في اهتمامها وغايتها التحليلية بين الجمالي والثقافي.. فقد ظلت الدراسات الثقافية تهتم في مقاربتها للنص الابداعي بالنسق الثقافي المضمر داخل النص. ويشير الباحث في طرحه لدراسته إلي اشكالية ثانية طرحها الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه (النقد الثقافي) حين طرح مفهوم النقد الثقافي باعتباره بديلا عن النقد الأدبي. ويعرف الباحث النقد الثقافي بأنه نشاط معرفي، كما يعرفه النقاد الثقافيون الغربيون والعرب علي حد سواء، أكثر من كونه منهجا نقديا منضبطا، بما يعني أن النقد الثقافي ممارسة اجرائية يتوزع خطابها النظري ومنظومتها الاصطلاحية بين عدد من النظريات الفلسفية والنقدية، كما تتوزع آلياته الاجرائية علي أكثر من منهج نقدي. وأكد الباحث في طرحه أن الجدل الذي أثير بين المناهج السياقية الخالصة كالنقد الماركسي، وبين المناهج النسقية الخالصة كالنقد البنيوي، قد ساعد كثيرا في قبول الطرح الثقافي الحديث في قراءة النص الأدبي، فقد استمرت جهود الباحثين في محاولة التقريب بين النظرية البنيوية، باعتبارها نظرية لا تاريخية ومن ثم لا اجتماعية، وبين النظرية الماركسية باعتبارها أهم النظريات التي تعطي اهتماما خاصا بالتاريخ كعنصر أساسي في فهم حركة المجتمع. وصك الباحث لنفسه رؤية منهجية تتلخص في أن وظيفة النقد يجب أن تظل تحليلية، دون أن تتورط في اطلاق حكم بالقيمة علي النص الأدبي. ولفت البا حث إلي أن اشكالية دراسته وأسئلتها تتمثل في الدعاوي القائلة بفصل النقد الأدبي عن النقد الثقافي، وبأن يكون هذا الأخير بديلا عن النقد الأدبي. واستعرض الباحث أهم الدراسات السابقة التي تناولت مفهوم النقد الثقافي، تأريخا، وتنظيرا، وتطبيقا ومنها: كتاب: النقد الثقافي (قراءة في الأنساق الثقافية العربية)، للناقد السعودي الدكتور عبدالله الغذامي، في الكتاب عرض موجز لتاريخ مصطلح النقد الثقافي مع بعض الاجراءات التحليلية لتحليل مجموعة من النصوص الشعرية العربية، وأن القضية، الأساسية في هذا الكتاب في قراءة الأنساق الثقافية، العربية من خلال دراسة مجموعة مختارة من النصوص الشعرية، وقد أثار الكتاب ردود فعل بين مؤيد ومعارض بسبب دعاوي (الغذامي) حول موت النقد الأدبي واحلال النقد الثقافي بديلا عنه، وبسبب موقفه السلبي من شعر الحداثة العربية. كتاب (مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن) للناقد الجزائري الدكتور حفناوي بعلي، وفيه يستعرض الكاتب تاريخ الدراسات الثقافية ونظرية ما بعد الكولونيالية في النقد الثقافي الأمريكي، كما تناول فيه مجموعة من المباحث الشائعة في الدراسات الثقافية كالنسوية وما بعدها ومفهوم المثقف وعلاقته بالمجتمع، وثقافة العولمة، مفهوم النقد الثقافي المقارن، دور النقد الثقافي في الانثروبولوجيا. جاءت الدراسة في خمسة فصول، تناول الباحث في الأول الدراسات الثقافية (الأصول والمفاهيم) قاصدا بها الأصول الفكرية، والمفاهيم الأساسية التي مهدت لتبلور النقد الثقافي، وقام فيه الباحث بدراسة جهود الفلاسفة وعلماء الاجتماع الألمان فيما عرف بالنظرية النقدية في فرانكفورت، ثم دراسة جهود الباحثين البريطانيين في مجال الدراسات الثقافية، وتحديدا فيما عُرف بمركز برمنجهام للدراسات الثقافية، وبين الباحث في نهاية هذا الفصل أوجه الاتفاق والاختلاف بين المدرستين في مجال دراسة الظواهر الثقافية المختلفة. في الفصل الثاني تناول الباحث التحليل الثقافي فيما بعد البنيوية الفرنسية، والنقد اليساري الأمريكي، وتحديدا في جهود الناقد الفرنسي (رولان بارت)، وتناول فيه الباحث المنجز النظري في مجال تحليل الخطاب عن الناقد الفرنسي (ميشيل فوكو) كما تناول ظهور مفهوم التاريخانية الجديد، كأحد الروافد الأساسية للنقد الثقافي، واختتمه بالحديث عن جهود الناقد الفلسطيني ادوارد سعيد، لما تمثله من نماذج للمزاوجة بين مفاهيم ما بعد البنيوية الفرنسية والنقد اليساري الأمريكي. وتناول في الفصل الثالث التلقي العربي للنقد الثقافي (كتاب النقد الثقافي للغذامي نموذجا) وفيه قدم قراء لكتاب الغذامي كنموذج للتلقي العربي للنقد الثقافي. وخص الفصل الرابع للأسس المعرفية لاجراءات التحليل الثقافي وناقش فيه أهم الاسس المعرفية. المؤسسة لاجراءات التحليل الثقافي للأدب، ومنها اللغة ومفهومها في مجال فلسفة اللغة، وناقش علاقة اللغة بكل من الفكر والثقافة، كما تناول البعد الثقافي في مفهوم العلاقة عند كل من دي سوسير وبيرس. وفي الفصل الخامس والأخير تناول الباحث التحليل الثقافي للأدب وفيه حاول تقديم رؤية خاصة حول منهجية التحليل الثقافي للنص الأدبي، وحدد فيه مجموعة من المحددات المفاهيمية لاجراءات التحليل الأدبي الثقافي، كمفهوم العالم وعلاقته بالنص الأدبي ومستويات التحليل الثقافي للنص الأدبي، وفيه قدم نموذجا تطبيقيا استرشاديا لاختيار اجراءات التحليل المقترحة، كما قدم في هذا الفصل -أيضا- قراءة تحليلية لديوان احتفالات المومياء المتوحشة للشاعر الراحل محمد عفيفي مطر. وقد أشاد د. سامي سليمان (أحد أعضاء لجنة المناقشة) بجدة الموضوع مشيرا إلي وضوح قدر من الوعي العلمي بالموضوع لدي الباحث، فضلا عن جرأة الباحث في سعيه لبلورة نموذج أو مدخل للتحليل الثقافي للأدب يختلف عن السائد في الدراسات العربية. تمت مناقشة الدراسة بكلية الآداب، جامعة المنوفية باشراف د. محمد فكري الجزار، د. اسامة موسي، وضمت لجنة الحكم والمناقشة، د. سامي سليمان، د. عيد علي مهدي بلبع.