تشهد أوروبا هذه الأيام حملة شرسة وجدلا واسعا ضد ما يعتبرونه رمزا للإسلام رغم أنه ليس كذلك فعلا.. لأن ليس كل ما ترتديه مسلمات.. وليس كل المسلمات ترتديه. أتحدث عن الزي التي ترتديه بعض السيدات أثناء نزولهن البحر أو حمامات السباحة.. والذي أطلقت عليه أوروبا اسم » البوركيني » والذي تسميه سيداتنا : المايوه الشرعي. وهو عبارة عن بدلة سباحة تغطي كامل الجسم ما عدا الوجه واليدين والقدمين، وهي مطاطية بما يكفي للمساعدة في السباحة، وقد لاقت رواجاً كبيراً لدي سيدات أوروبا من المسلمات وغيرهن. وقيل إن من صممتها هي الأسترالية ذات الأصل اللبناني عاهدة زناتي.. مع أن الاستخدام الأول كان مصريا.. ولكنها من سبق إلي تسجيله عالميا. شهد البوركيني إقبالا منقطع النظير، وصارت النساء يرتدينه علي الشاطئ وحمامات السباحة وصارت له محلات في أوروبا ومواقع متخصصة لتسويقه علي شبكة الإنترنت. أما من الناحية اللغوية، فكلمة البوركيني مكونة من جزءين أولهما »بور» وهي اختصار للبرقع، وهي كلمة متداولة في أوروبا وتعني النقاب الذي يُغطي الوجه كاملا. أما الجزء الثاني فهو »كيني» اختصارا »للبكيني» لباس البحر المعروف. أوروبا التي ترفع شعار الحرية العامة والحرية الشخصية.. وترفع أيضا شعار عدم الهجوم علي الإسلام كدين أو المسلمين كبشر.. وبالتحديد فرنسا التي ترفع راية الحرية والأخوة والمساواة. .. هي ذاتها الدولة التي تشهد اليوم ضياع أبسط الحريات والحقوق، ومازال الخوف من الإسلام »الإسلاموفوبيا» يسيطر عليها لتبرر لهم الإطاحة بكل القيم الديمقراطية والحرية الفردية.. وتجاهل سيادة القانون وتكريس التمييز ضد من يقيمون بها بسبب انتمائهم الديني وأصولهم رغم أن العلمانية التي يؤمنون بها تقضي بحرية الاعتناق الديني. ففي الوقت الذي تطالب فيه الحكومات الغربية المسلمين بالاندماج مع مجتمعاتهم.. تمارس الحكومات ذاتها العنصرية والتمييز في أسوأ صورهما. ظهر هذا التناقض بوضوح مع سيدة كانت تجلس علي أحد شواطيء مدينة نيس، مرتدية »البوركيني»، تمارس الاندماج بالتعايش كغيرها من المواطنين الفرنسيين، وبدلا من مساعدتها فقد تمت إهانتها ومعاملتها كمجرمة تستحق العقاب من الشرطة الفرنسية، التي أجبرتها علي خلع ملابسها، طبقا للمرسوم الذي أصدرته عدة مدن فرنسية، والذي يحظر ارتداء البوركيني، ومعاقبة من يخالف ذلك بدفع غرامة تقدر ب 42 دولارا. أثار ما حدث مع تلك السيدة جدلا واسعا وغضبا كبيرا.. اعتبره الكثيرون انتهاكا للحريات الشخصية.. وتحول »البوركيني» من مجرد زي إلي قضية رأي عام تشغل المجتمع الدولي، وتسيء لسمعة فرنسا، كبلد للحريات والقانون، بل وأعادت إلي الأذهان العنصرية التي تتعامل بها فرنسا مع مسلميها، الذين يتجاوز عددهم حاليا ال 6 ملايين. ففي عام 2004 منعت الحكومة ارتداء الحجاب بالمدارس، وفي 2011 منعت النقاب في الأماكن العامة، لتصبح بذلك أول بلد أوروبي يسن هذا القانون، وأرجعت ذلك لأسباب أمنية. ومع قرب الانتخابات الفرنسية.. اعتبرت التيارات السياسية المتنافسة قضية البوركيني بمثابة فرصة ذهبية لكل الأحزاب والساسة لكسب نقاط لدي الشعب وزيادة شعبياتهم، إلا أن ذلك تسبب في حدوث انشقاق في صفوف الحكومة الاشتراكية الحاكمة. فقد تعرض رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، الذي كان قد أصدر الشهر الماضي قرارا بإنشاء مؤسسة تختص بالشئون الإسلامية هدفها دمج المهاجرين في المجتمع، لحمايتهم من الفكر المتطرف والدعاية التكفيرية، للانتقاد من وزراء حكومته بسبب موقفه من الأزمة فقد أعلن فالس دعمه لقرار رؤساء المدن في حظر البوركيني. وفي المقابل أعلنت كل من وزيرة التعليم الفرنسية المسلمة نجاة بلقاسم، ووزيرة الصحة ماريسون تورين، موقفهما المناهض لحظر البوركيني، وأدانتا كل الممارسات التي تنتهك الإسلام والمسلمين، مؤكدتين أن تشجيع مثل تلك الممارسات سيزيد من الاحتقان والغضب. ومع ذلك فان القوي اليمينية المتطرفة والتي تقف ضد المسلمين والمهاجرين بصفة عامة.. والتي تطالب بحظر الحجاب والمآذن ومحال اللحم الحلال ومهاجمة كل ما هو إسلامي، فهي من دعت في الأساس لحظر البوركيني من خلال حملة تزعمها عمدة مدينة »كان» الفرنسية ووافقه عدد من العمد أغلبهم من حزب الجمهوريين اليميني المعارض بدعوي الحفاظ علي الأمن العام والتصدي للهجمات الإرهابية، التي ضربت البلاد أخيرا، حجة ونجح في تطبيق الحظر في 30 مدينة. تري علي أي شكل ستنتهي معركة البوركيني.