حينما التقيتها أعجبتني قوة شخصيتها ولباقتها وحرصها علي أناقتها ، فتساءلت بداخلي هل تلك السيدة سائقة ميكروباص ؟ ! .. وبعد أن حاورتها إزداد إعجابي بها .. فرغم خروجها علي المعاش وهى على درجة مدير عام , إلا أنها قررت أن تسبح ضد التيار وتخرج عن المألوف وتتحدى الظروف وتكسر العادات والتقاليد وتعمل سائقة ميكروباص حيث تعيل أسرتها عقب وفاة زوجها منذ 15 عاماً لتؤكد للجميع أنها " ست ب "100 " راجل " .. إنها الحاجة عزيزة حمدى السحار الشهيرة " بأم هانى " صاحبة ال 61 عاماً واحدة من عفاريت الأسفلت . " أخبار السيارات " التقت " أم هانى " فى حوار إنسانى لا تنقصه الصراحة - متى بدأت مشوارك الصعب كسائقة ميكروباص ؟ لم أشعر يوماً ما أن عملى سائقة ميكروباص يمثل بالنسبة لى أى صعوبة بل أشعر بمتعة كبيرة أثناء ممارستى له كما أشعر بوجود حالة عشق خاصة بينى وبين سيارتى الملاكى وكذا بينى وبين الميكروباص فأنا عاشقة " للسواقة " ، وأحب العمل وأقدسه منذ أن كنت مسئولاً مالياً بالهيئة العامة لقصور الثقافة بقصر الإبداع الفنى حتى إحالتى للتقاعد لبلوغى سن المعاش على درجة مدير عام ، فأنا لأ أحب أن أظل بلا عمل حتى أننى بدأت عملى سائقة ميكروباص منذ 6 سنوات فى أعقاب ثورة 25 يناير أى قبل بلوغى المعاش بنحو 5 سنوات . - ما الذى دفعك لممارسة تلك المهنة تحديداً ؟ لم أخترالعمل بتلك المهنة ولكننى فوجئت بقيام ابنى هانى بشراء سيارة " فان " أو ميكروباص لتكون مصدراً لرزقه وتعينه على تحمل أعباء الحياة , فقلت لنفسى لماذا لا أساعده ونعمل سوياً من أجل حياة أفضل نستطيع من خلالها تحسين مستوى معيشتنا , فأنا اعتدت على العمل لأثبت وجودى من خلاله وعزيمتى وإصرارى هما سر نجاحى فى الحياة ، ولاسيما أننى لدى سيارتى الخاصة بيجو 304 التى أقودها منذ 15 عاماً كنت أذهب بها إلى عملى وأستخدمها فى قضاء احتياجات أسرتى ، وحالياً أقود الميكروباص مع ابنى بالتناوب . هل أنت العائل الوحيد لأسرتك ؟ لدى أربعة أبناء وفقنى الله مع والدهم فى تعليمهم وتثقيفهم فلدى أمنية ورشا وقد تخرجتا فى كلية الحقوق ، أما هانى وبسام فحصلا على بكالوريوس التجارة وجميعهم تزوجوا باستثناء بسام أصغر أبنائى "30 عاماً " حتى توفى زوجى منذ 15 عاماً بعدها توليت إعالتهم بمفردى وقمت بشراء ماكينة حياكة لأعمل " خياطة " بجانب عملى موظفة من أجل تلبية كافة متطلباتهم واحتياجاتهم ، حيث كانت المرتبات والأجور ضعيفة لاترقى إلى ما كنت أطمح إليه فى تربية أبنائى فقد كنت حريصة على أن يظهروا فى أبهى صورة والحمد لله نجحت فى تربيتهم وتعليمهم على أفضل ما يكون . - هل لاقيت اعتراضاَ من أبنائك أو أقاربك لعملك سائقة ميكروباص ؟ لم أواجه أى اعتراض أو رفض سواء من قبل أبنائى أوأقاربى أو حتى من قبل جيرانى لممارستى تلك المهنة ، بل قاموا جميعهم بتشجيعى ومساندتى ورحبوا بالفكرة منذ البداية ولاسيما أبنائى لكونهم المستفيدين من عملى هذا الذى يلبى كافة متطلباتهم . - كم عدد ساعات عملك يومياً ؟ أواصل الليل بالنهار خلال قيادتى للميكروباص حيث تصل عدد ساعات عملى فى أحيان كثيرة إلى نحو 10 ساعات يومياً لكنها مقسمة على فترات بشكل متقطع وليس متصل فأنا لا أحب أن أقيد نفسى بوردية عمل محددة ، وأبدأ عملى فى حى أكتوبر مبكراً فى تمام السادسة صباحاً حيث أقوم بتوصيل الركاب ، فضلاً عن بعض التنقلات الخاصة التى يطلبنى فيها بعض الزبائن بشكل شخصى وتكون إما داخل أكتوبر حيث محل إقامتى أو خارجها كمناطق " وسط البلد " ومدينة نصر والمطار وغيرها ، كما أسافر أيضاً خارج القاهرة لنقل البعض إلى مختلف المدن الساحلية كالساحل الشمالى أوالمحافظات كالمنوفية وبنها وغيرها من من مختلف محافظات الجمهورية . - ألم ينتابك الشعور بالخوف أو القلق من التعرض لأى مخاطر خلال عملك ليلاً ؟ بالعكس ، فأنا أشعر دائماً بالأمان أثناء تواجدى اليومى بالشارع حتى وإن كان فى ساعات متأخرة من الليل ، والفضل فى ذلك يرجع إلى عودة الانضباط إلى الشارع على أيد ضباط الشرطة الذين يوفرون لنا الأمان والحماية اللازمة من خلال تواجدهم المستمر بالشارع لردع المجرمين . - كيف تستطيعين تحمل ذلك العمل الشاق ولاسيما وأنت فى هذا العمر المتقدم ؟ فى الواقع لم أشعر بأى مشقة أو تعب على الإطلاق أثناء عملى بل أشعر بمتعة كبيرة للغاية وبتحقيق ذاتى ، فمهما بلغ الإنسان من عمر عليه ألا يستسلم للزمن مادام فى العمر بقية وألا يتوقف أبدا ًعن العمل لكونه الكرامة الحقيقية له والذى يجدد طاقته وشبابه ، كما أن عملى سائقة يغنينى ويكفينى عن سؤال الناس أوالأهل ويحفظ كرامتى وكرامة أبنائى حيث يلبى كافة احتياجاتنا ، وقد تحديت العمر والظروف حتى أننى أشعر وكأننى شابة فى الثلاثين من عمرها أعيش أجمل سنين عمرى ، فكما يقال العمر يبدأ بعد الستين وأنا أحب " السواقة " فهى تمثل لى حالة عشق خاصة واستمتع بها أكثر من عملى السابق فى " الخياطة " . - هل تواجهين مواقف صعبة أثناء رحلتك اليومية مع " الزبائن " ؟ الحمد لله لم أتعرض لمواقف صعبة أو مضايقات من قبل أحد الركاب أو الزبائن إلا فيما ندر ، وفى حال حدوث ذلك أستطيع تدارك الأمر والخروج من الموقف بذكاء وبمنتهى المرونة ، أما فى الشارع فألاقى كل التأييد والدعم سواء من المارة أو أصحاب السيارات حيث أرى نظرات الإعجاب والاحترام فى عيونهم تجاهى أثناء قيادتى للميكروباص ، ودائماً ما أتلقى التحية والقبلات وعبارات التقدير من قبل الفتيات والسيدات فهناك من تقول لى " انت رفعتى راسنا وشرفتينا " كما يقوم الشباب من هم فى أعمار أبنائى بتشجيعى عن طريق صافراتهم وتصفيقهم لى و أصوات " كلاكسات " سياراتهم وتعليقاتهم الجميلة على غرار" تحيا مصر " و " إيه الشجاعة دى يا حاجة " وبالطبع أشعر بسعادة غامرة نظير هذا الحب والتقدير ، ولكن لم يخل الأمر من التعرض لبعض المضايقات وهى أقلية كمواجهة بعض نظرات التعجب أو الاعتراض من قبل بعض الرجال فى الشارع ، لكننى لا ألتفت إليهم واكتفى بالتركيز فى عملى لأنه مصدر رزقى و " أكل عيشى " . - وهل تعرضت لأى مواقف طريفة ؟ أتذكر أحد المواقف الطريفة التى تعرضت لها وكان فى اليوم الأول لعملى حيث كنت حديثة العهد فى " سواقة " الميكروباص ولم أكن أعتاد على النظر فى المرآة لأتأكد من دخول " الزبون " فى الميكروباص وغلقه للباب وكنت بمجرود فتحه للباب وركوبه أسرع بالسير دون انتظاره ، وقد حدث هذا الموقف حيث ركب رجل الميكروباص ولم يلبث أن دخل بإحدى قدميه حتى انطلقت بسرعة قبيل أن يدخل القدم الأخرى ويغلق باب الميكروباص خلفه وصاح قائلاً " يا حاجة رجلى التانية برة " . - هل تواجهين أى صعوبات فى التعامل مع رجال المرور ؟ لم أواجه أى صعوبات على الإطلاق من قبل رجال المرور سواء كانوا ضباطا أوعساكر فجميعهم يحترموننى ويعاملوننى كأننى والدة لهم وهم سعداء بكونى حريصة على العمل كسائقة وأنا أبلغ من العمر 61 عاماً ، وأتذكر ذات مرة أننى التقيت نقيب شرطة فى حى الهرم فى عمر ابنى ووجدته يقترب منى فظننت أنه سيطلب منى إبراز رخصة القيادة ليطلع عليها وبالفعل حينما قدمتها له فوجئت به يقول لى " لأ أنا جاى عشان أقولك ربنا يعينك ويقويك يا ماما " فشعرت بسعادة وفخر لم أشعر بهما من قبل والحمد لله الجميع يساندوننى ، وأود أن أشير إلى أننى لست النموذج الوحيد الذى يحتذى به فى الاجتهاد والكفاح فبلدنا مليئة بنماذج أخرى لسيدات مكافحات ولكن غير معروفات فهناك من تكافح فى بيتها وترعى وتعول أسرتها دون أن يعرفها أحد ، أما أنا فأعتبر نفسى محظوظة حيث أن تسليط الأضواء على من قبل الإعلام ساهم بالفعل فى تعريف الكثيرين بى ، فلم يكن أحد يعرفنى طيلة مدة عملى موظفة وبمجرد عملى سائقة ميكروباص عرفنى الجميع ولم أكن أتخيل كم المحبة التى لاقيتها من جميع من صاحبنى داخل الميكروباص سواء نساء أو رجال أو شباب فالجميع يكن لى مشاعر طيبة وأكثر ما يسعدنى قيام الكثير منهم بالدعاء لى بأن يمنحنى الله الصحة والعافية لأواصل مشوارى و أن يكفينى شر الطريق ويبارك فى رزقى وهذه المحبة لا تقدر بثمن وكنز كبير لا يعادله شئ فى الوجود . - كيف تستطيعين التوفيق بين عملك سائقة ميكروباص وبين دورك كأم وربة منزل ؟ الحمد لله أنا أم ناجحة مثلما أنا " سواقة " ناجحة فبالرغم من بلوغى 61 عاماً إلا أننى أهتم بكل صغيرة وكبيرة فى منزلى وأتولى بنفسى كل شئ يتعلق به ولا أستعين بأحد لمساعدتى فى ترتيبه ، والحمد لله أعيش حالياً بدون مسئوليات جسام بعد أن أديت رسالتى على الوجه الأكمل ووصلت أبنائى إلى بر الأمان , حيث تزوج ثلاثة منهم وأصبح لدى أحفاد هم أغلى شئ فى حياتى ولم يتبق سوى ابنى الأصغر بسام الذى يبلغ 30 عامأ ولم يتزوج بعد . - ماذا كان شعورك عقب اختيارك من قبل وزيرة التضامن الاجتماعى لتكريمك كإحدى الأمهات المثاليات فى عيد الأم هذا العام ؟ بالطبع شعرت بسعادة بالغة لا أستطيع وصفها كما شعرت بالفخر والاعتزاز لاختيارى لهذا التكريم الذى أعتبره هدية ربنا لى ولم أكن أحلم يوماً ما به ، كما لم أكن أتخيل أبداً أن أصافح أى وزير أو يجمعنى به لقاء ولكن رحلة كفاحى فى الحياة جعلتنى التقى غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى التى كرمتنى وقلت لنفسى لولا عملى كسائقة ميكروباص وتحدى الصعاب وقهر الظروف ما حصلت على هذا التكريم والتقدير الذى جاءنى ليؤكد لى أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً وأن الحياة بدون الكفاح والاجتهاد والعمل الدؤوب لا طعم لها . - ما أحلامك وأمنياتك كسائقة ميكروباص ؟ أتمنى ألا تتردد العديد من النساء فى السعى لخوض تلك التجربة الشيقة ومزاولة مهنة سائقة الميكروباص لنثبت للجميع أن النساء قادرات على اقتحام أى مجال عمل يمارسه الرجال وبإتقان شديد ، وأيضاً لتغيير المعتقد السائد بأن " الست مكانها البيت وبس " ، كما أحلم بأن تتغير الصورة الذهنية السائدة عن " السواقة " بوجه عام وسائقة الميكروباص بوجه خاص لدى رجل الشارع فى كونها امرأة متنكرة فى ثوب الرجال وبالتالى لا تهتم بمظهرها أوأناقتها ، ولكن هناك بعض النماذج التى تهتم بأناقتها ومظهرها وتحرص على أن تكون فى أبهى صورها أثناء عملها ، وهناك من يرى أيضاً أن " السائق " ما هو إلا إنسان فشل فى حياته ودراسته " فبيدوس بنزين ويجرى يشتغل سواق" حتى أصبحت مهنة من لا مهنة له ، ولكن الحقيقة أن القيادة شئ أخر يختلف عن ذلك تماماً فهى فن وعقل واتزان ، كما تعد مهنة لها أخلاقياتها ومبادئها التى يجب اتباعها وقواعدها التى ينبغى الإلتزام بها .