قبيل طرحه علي اللجنة الاقتصادية في البرلمان، أثار تعديل قانون الإفلاس وتصفية الشركات ردود فعل متباينة بين مؤيد ومعارض للتعديلات من الناحية الاقتصادية والقانونية، فعلي الرغم من طرح وزارة الاستثمار للتعديلات باعتبارها خطوة مهمة لتطوير القطاع الاستثماري في مصر والخروج من دائرة القوانين التي تفرض علي المستثمرين قيوداً غير مبررة، إلا أن الخطوة لم تمر مرور الكرام داخل الأوساط الاقتصادية، حيث رأي معارضو تعديلات القانون أنها يمكن أن تعطي غطاءً قانونياً لتصفية شركات قطاع الأعمال الكبري بدعوي تحقيقها خسائر متتالية. وكانت الدكتورة داليا خورشيد وزيرة الاستثمار أشارت إلي أنه يجري الإعداد لمشروع قانون الإفلاس والتصفية بالتنسيق مع وزارة العدل، كما لفتت إلي الاستعانة بمكاتب خارجية لإعداد مسوَّدة القانون قبل عرضه علي مجلس النواب، مبرِّرة خطوة تعديل القانون بتمكين المستثمرين من معرفة كافة الإجراءات المتعلقة بعملية الإفلاس والتصفية، نظراً لعدم وجود تشريعات أو قوانين مستقلة بذلك، حيث أكدت أن إصدار قانون الإفلاس والتصفية سوف يُعزِّز موقف مصر في مجال ترتيب الاستثمار الدولي. وحدد الخبراء تعريف الإفلاس بعدم قدرة الشركات علي الوفاء بالتزماتها أمام الدائنين، وحينئذ تقوم بتصفية كافة أملاكها وحساباتها البنكية لتسديد النسبة الأكبر من هذه الالتزامات وتعقبها خطوة الخروج الكامل من سوق العمل. وعادة ما تبدأ أولي خطوات التعثُّر المالي للشركات من خلال الاقتراض من جهات خارجية نظراً لعدم توافر السيولة المالية الكافية لديها، وفي حالة عدم وصول العائد المتوقع من أرباح تلك الشركات إلي النسبة الكافية لتغطية التزاماتها، تبدأ في تصفية بعض أملاكها لتسديد التزاماتها تجاه الدائنين، فإذا لم يكفِ العائد المتوقع من بيع تلك الأصول لتسديد الديون، تقوم الشركة حينئذ بإشهار إفلاسها. »آخرساعة» تواصلت مع المختصين لمعرفة آثار تعديل قانون الإفلاس والتصفية، وما إذا كان ذلك سينعكس علي المنظومة الاقتصادية سلباً أو إيجابا، وفي هذا الصدد اعتبر الدكتور سعد مطاوع أستاذ التمويل والبنوك ومدير مركز الدراسات المالية والمصرفية بكلية التجارة جامعة المنصورة أن قانون الإفلاس والتصفية للشركات يحافظ علي النواة الاقتصادية للشركات والمؤسسات علي خلاف ما يُشاع، موضحاً أنه في خلال فترة إفلاس الشركة يكون كيانها الاقتصادي في حالة عدم ثبات، وبالتالي من الممكن أن يتم استغلال هذه الحالة في التصرف في بعض أصولها بصورة تضر بباقي المساهمين في الشركة. يتابع: حالات الإفلاس التي تواجه الشركات تتطلب وجود آلية لحماية مصالح المساهمين أو الدائنين بها، فهناك نوعان من حالات التعثُّر التي تواجهها الشركات، إما إفلاس كامل أو إعادة هيكلة، وبالنسبة لحالات إعادة الهيكلة فهي تعتبر إحدي الوسائل للحفاظ علي الشركة وإعادتها إلي السوق الاقتصادي مرة أخري لتجنُّب الإفلاس الكامل وهي تنطبق علي حالات الشركات التي لديها تعثُّر مؤقت عن الوفاء بالتزاماتها، حيث يتم استشارة الجهات الدائنة لهذه الشركات وهي البنوك وحملة السندات حول إمكانية إعطائها فترة سماح لتسديد ديونها ومع ذلك يظل لديهم الحق القانوني في اللجوء للمحاكم حفاظاً علي مصالحهم داخل تلك الشركات وقد تتخذ إعادة الهيكلة صورة أخري من خلال إعطاء شكل جديد للشركة عبر دمجها مع شركات أخري أو وقف بعض القطاعات الخاسرة بها حتي يمكنها الاستمرار في العمل، بينما يختلف الوضع في حالات الإفلاس الكامل حيث يتم اتخاذ خطوات محددة مثل تعيين ممثلين للدائنين كمشرفين علي الشركة حتي لايتم التصرف في أصولها، وبعد ذلك يتم حصر ديون الشركة بشكل كامل عبر فريق قانوني من أجل حفظ مصالح الجهات الدائنة. يضيف: هناك قوانين ومعايير محاسبية يمكنها إثبات حالات الإفلاس الحقيقية للشركات من خلال قوائم مالية تعدُّها الشركة ويتم مراجعتها من خلال مكاتب المحاسبة, فالإفلاس بصورة عامة لا يأتي بصورة مفاجئة، ولكنه مرحلة نهائية لسلسلة من الخسائر المتتالية، ومن المفترض خسارة الشركات عاماً بعد عاما بطريقة متتالية تعطي الجهات الرقابية فرصة لاتخاذ إجراءات إنقاذ للشركات قبل الوصول إلي مرحلة الإفلاس. ويشير الدكتور سعد عبدالحميد إلي أن إصدار قانون جديد للإفلاس والتصفية لابد أن يُعهد إلي لجان متخصصة تضم أساتذة القانون مع وجود ممثلين من البنوك نظراً لأن معظم مديونيات هذه الشركات هي مديونيات مصرفية وكذلك يمكن أن تضم اللجان المتخصصة المعنية بإصدار القانون ممثلين من هيئة سوق المال والرقابة الإدارية لكي يتم إخراجه بصورة تحمي جميع الأطراف المعنية داخل الشركات مثل المساهمين والدائنين وكذلك الجهات الممثلة لحقوق الدولة مثل الضرائب. أما الدكتور عاصم عبدالمعطي الوكيل السابق للجهاز المركزي للمحاسبات ورئيس المركز المصري للشفافية ومكافحة الفساد فيري أن البعض يعتبر أن قانون الإفلاس والتصفية هو قانون لإفلاس الدولة، موضحاً أن هذا القانون موجود بالفعل منذ فترة طويلة, ولكن نتيجة اختلاف الرؤية الاقتصادية وقت إصداره عن الرؤية الاقتصادية حالياً، أصبحت هناك مطالبات لتطوير مواده أو تعديلها بما يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية للسوق المصري. وأشار إلي أن قانون الإفلاس هو قانون تجاري بحت تندرج تحته جميع الشركات الموجودة في السوق المصري سواء كانت شركات خاصة أو شركات قطاع العام أو قطاع أعمال، لافتا في الوقت ذاته إلي أهمية استبيان رؤية الحكومة في تعديل قانون الإفلاس والتصفية قبل إصداره، فإذا كان الغرض منه الإسراع في تنظيم عملية خروج المستثمر المتعثر من السوق بأقل الخسائر، يمكن اعتباره قانونا إيجابياً نظراً لأن القانون الحالي سواء القانون التجاري أو قانون الشركات يعرقل المستثمر عبر إطالة خطوات خروجه من السوق المصري، وهذا يعتبر إحدي معوقات الاستثمار، فتشجيع المستثمر علي الدخول إلي السوق المصري لابد أن يتماشي مع إيجاد مخرج آمن له في حال عدم نجاحه في الاستثمار. أما إذا كان الغرض من القانون تنظيم عملية للخصخصة بأسلوب مبتكر أو لحماية القائمين علي الشركات الخاسرة وكذلك القائمين علي عملية بيعها فيما يُعرف بالفساد المقنّن فيجب التصدي له عند طرحه علي البرلمان. ويري الدكتور حسن عبدالله، أستاذ المحاسبة بالأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية ضرورة الاقتداء بتجارب الدول المتقدمة عند إقرار قانون الإفلاس والتصفية، مشيراً إلي أنه عند القيام بتعديل قانون سارٍ بالفعل، لابد أن يؤخذ في عين الاعتبار متطلبات الاقتصاد المصري من خلال دراسة طبيعة الأزمات الموجودة به وما الذي سيتم استخلاصه من القانون الجديد من أجل الوصول إلي الهدف المنشود من إصداره. يواصل: من المفترض وضع تقييم للشركات الخاسرة فيما يتعلق بأداء المسؤولين في إدارتها ليكون هناك جدول زمني يمكن من خلاله إعادة هيكلتها، فإذا كانت خسائر الشركة تبلغ نحو 80% فيمكن أن يتم تحديد جدول زمني يتم العمل من خلاله علي تراجع الخسائر تدريجياً، الي أن تتحول الشركة إلي الربحية، فلكي يتم اتخاذ قرار بتصفية وإفلاس أي شركة لابد أن تكون نسبة الخسائر أو ما يعرف بالهاوية المالية تقدر بحوالي 100% إلي 120 % ولايوجد أي بوادر علي الشركة قادرة علي تجاوز نسبة الخسارة في ظل وجود تكاليف مالية ثابتة لديها مثل أجور العاملين وكذلك تراجع الأصول المالية لديها. يضيف: القوائم المالية للشركات هي الأداة الفعلية التي يمكن من خلالها تبيُّن حالات الإفلاس والتصفية من خلال عمل دراسة مقارنة أو تحليل نسبي مالي لخمس سنوات سابقة بحيث يتم التعرف علي مدي الانخفاض في الأرباح وبناء عليه يتم اتخاذ قرار التصفية من عدمه.