نمو الطلب بنسبة 5.8% | الشحن الجوي يواصل الصعود    «منتصف النهار» يسلط الضوء على تحذير ترامب لنتنياهو من ضرب إيران    الهلال يحسم مصير نجم الفريق في الموسم المقبل    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن خشب بطوخ| صور    ب 610 ساحات و 1200 إمام| أوقاف الإسكندرية تستعد لصلاة عيد الأضحى    اليوم.. بدء عرض فيلم «ريستارت» في 10 محافظات بسينما الشعب    قصور الثقافة تختتم عروض مسرح إقليم شرق الدلتا ب«موسم الدم»    تعليقًا على بناء 20 مستوطنة بالضفة.. بريطانيا: عقبة متعمدة أمام قيام دولة فلسطينية    ميلانيا ترامب تنفي شائعة رفض "هارفارد" لبارون: "لم يتقدم أصلاً"    صدمته سيارة أثناء أداء عمله.. أهالي المنوفية يشيعون جثمان اللواء حازم مشعل    كامل أبو علي: تراجعت عن الاستقالة استجابة لجماهير المصري.. ونسابق الزمن لإنهاء مشروع الاستاد    آس: أرسنال وتشيلسي يراقبان وضع رودريجو.. وريال مدريد ينتظر قرار ألونسو    وزير الثقافة يلتقي المايسترو سليم سحاب لاكتشاف المواهب الموسيقية ب قصور الثقافة    الإفتاء: توضح شروط صحة الأضحية وحكمها    أجمل ما يقال للحاج عند عودته من مكة بعد أداء المناسك.. عبارات ملهمة    مجلس جامعة القاهرة يثمن قرار إعادة مكتب التنسيق المركزي إلى مقره التاريخي    وزير التعليم يلتقي أحد الرموز المصرية الاقتصادية العالمية بجامعة كامبريدج    رواتب مجزية ومزايا.. 600 فرصة عمل بمحطة الضبعة النووية    كلمات تهنئة معبرة للحجاج في يوم التروية ويوم عرفة    الصحة العالمية: شركات التبغ تغرى النساء والشباب بأكثر من 16 ألف نكهة    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكلية الهندسة- صور    وزير الثقافة يتابع حالة الأديب صنع الله إبراهيم عقب تعافيه    الحكومة تعلن موعد إجازة عيد الأضحى (تعرف عليها)    يوم توظيفي لذوي همم للعمل بإحدى شركات صناعة الأغذية بالإسكندرية    بين التحضير والتصوير.. 3 مسلسلات جديدة في طريقها للعرض    انتهاء رحلة ماسك في البيت الأبيض.. بدأت بفصل آلاف الموظفين وانتهت ب«خيبة أمل»    عرفات يتأهب لاستقبال الحجاج فى الموقف العظيم.. فيديو    دموع معلول وأكرم واحتفال الدون وهدية القدوة.. لحظات مؤثرة في تتويج الأهلي بالدوري.. فيديو    إنريكي في باريس.. سر 15 ألف يورو غيرت وجه سان جيرمان    مدبولى يستعرض نماذج استجابات منظومة الشكاوى الحكومية لعدد من الحالات الإنسانية    أسوشيتدبرس: ترك إيلون ماسك منصبه يمثل نهاية لمرحلة مضطربة    كأس العالم للأندية.. إقالة مدرب باتشوكا المكسيكي قبل مواجهة الأهلي وديًا    حملات تفتيشية على محلات اللحوم والأسواق بمركز أخميم فى سوهاج    «هكر صفحة زميلته» ونشر صورًا وعبارات خادشة.. حبس موظف وتغريمه أمام المحكمة الاقتصادية    رئيس جهاز حماية المستهلك: المقر الجديد بمثابة منصة حديثة لحماية الحقوق    لندن تضغط على واشنطن لتسريع تنفيذ اتفاق تجارى بشأن السيارات والصلب    تمكين المرأة اقتصاديًا.. شروط وإجراءات الحصول على قروض مشروعات صغيرة    مصنع حفاضات أطفال يسرق كهرباء ب 19 مليون جنيه في أكتوبر -تفاصيل    بالصور- وقفة احتجاجية لمحامين البحيرة اعتراضًا على زيادة الرسوم القضائية    سعر الذهب ينخفض للمرة الثانية اليوم بمنتصف التعاملات    إعلام إسرائيلى: نتنياهو وجه بالاستعداد لضرب إيران رغم تحذيرات ترامب    "قالوله يا كافر".. تفاصيل الهجوم على أحمد سعد قبل إزالة التاتو    «أحد سأل عني» ل محمد عبده تتجاوز المليون مشاهدة خلال أيام من طرحها (فيديو)    رئيس قطاع المتاحف: معرض "كنوز الفراعنة" سيشكل حدثا ثقافيا استثنائيا في روما    ياسر إبراهيم: بطولة الدوري جاءت فى توقيت مثالي    الإسماعيلى ينتظر استلام القرض لتسديد الغرامات الدولية وفتح القيد    محافظ المنوفية يشهد استلام 2 طن لحوم كدفعة جديدة من صكوك الإطعام    نتنياهو: سنأخذ غالبية أراضي غزة من حماس    الدوخة المفاجئة بعد الاستيقاظ.. ما أسبابها ومتي تكون خطيرة؟    استشاري أمراض باطنة يقدم 4 نصائح هامة لمرضى متلازمة القولون العصبي (فيديو)    انطلاق المؤتمر العلمى السنوى لقصر العينى بحضور وزيرى الصحة والتعليم العالى    نائب رئيس الوزراء: العالم أدخل الذكاء الاصطناعي في مراحل رياض الأطفال.. ويجب تعليم الأجيال التعامل مع الابتكار    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإسقاط الجنسية المصرية عن 4 أشخاص    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    حبس شخص ادعي قيام ضابطى شرطة بمساومته للنصب على أشقائه بالموسكي    نشرة التوك شو| ظهور متحور جديد لكورونا.. وتطبيع محتمل مع إسرائيل قد ينطلق من دمشق وبيروت    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلا أرض
نشر في أخبار الحوادث يوم 23 - 07 - 2016


علي كرسي‮ ‬يستمع إلي صمتي الأخرس،‮ ‬جلست‮..‬
وكان الربيع‮ ‬يتململ في القدوم وأنا أتابعه من نافذة المقهي في المطار،‮ ‬فالشارع مازال‮ ‬يرتجف،‮ ‬والأشجار بضعف تخضر أوراقها،‮ ‬يبدو أننا خسرنا كثيرا من الدماء،‮ ‬لنصاب بفقر دم حاد‮. ‬تنهرني‮ ‬تلك الصحف التي هجرتها لعدة أيام،‮ ‬لا لشيء سوي أني أحاول أن أرتب أحداثا قد‮ ‬يستعيرها الشارع حين تخلو البلاد من ساكنيها‮.‬
فكرت بالحلم الذي‮ ‬يراودني منذ أيام،‮ ‬أقف في المطار وحيدا بحقيبة تنفتح ويتساقط ما بداخلها ولكنها ملابس ممزقة‮. ‬أصحو من الحلم مرعوبا‮. ‬وفي الأمس‮ ‬يكتمل الحلم وأنا في المطار والحقيبة مفتوحة وتلك الملابس الممزقة،‮ ‬وصوت الطائرة وهي تغادر دون أن تحملني علي متنها،‮ ‬وتلك الوجوه التي‮ ‬غادرت وكأني عشت معهم دهرا تركت‮ ‬الكراسي خالية،‮ ‬وأنا أقف مذهولا من وقتي الغريب،‮ ‬في أي مدينة أنا لأغادرها،‮ ‬وما تلك الطائرة التي‮ ‬يتردد صوتها كنغم حزين،‮ ‬سأجمع أشلاء ملابسي لأعود إلي البيت‮. ‬
أصحو من نومي علي وقع انفجار‮.‬
أرتبك في النهوض وألملم نفسي،‮ ‬لن أقرأ شيئا هذا اليوم،‮ ‬برفقة سجائري فقط،‮ ‬اتجه إلي المطار،‮ ‬لقد حدًدت موعد وصولها الساعة التاسعة صباحا،‮ ‬ولأول مرة سأتعرف عليها،‮ ‬بعد قطع مسافة زمنية تجاوزت السنة علي صفحة الفيس،‮ ‬سأنتقل الآن أنا وهي من العالم الافتراضي إلي العالم الواقعي‮. ‬
يمر بجانبي اثنان‮ ‬يتحدثان عن الانفجار الذي حدث قبل فترة في السادسة صباحا،‮ ‬كان انفجار أمام كلية الشرطة،‮ ‬وكان طابور من الشباب‮ ‬ينتظرون مع ملفاتهم من الليلة الفائتة،‮ ‬حتي‮ ‬يبكروا في الدخول وإتمام التسجيل في الكلية‮. ‬لم آخذ الجرائد اليوم ولكني سمعت ما كنت أتجنب سماعه‮. ‬يا إلهي‮.. ‬كان‮ ‬يجب أن أكون الآن معهم،‮ ‬هل كانت ستتمزق أوصالي،‮ ‬ولن أجد نفسي مرة أخري،‮ ‬تبسمت لسخرية الحياة منا،‮ ‬فالموت قريب جدا،‮ ‬ويبتعد فجأة تاركا لنا فرصة أخري للبقاء،‮ ‬وللأحلام الوهمية التي نحاول أن نرسمها،‮ ‬ونحققها‮. ‬
وأولئك الذين رحلوا فجأة،‮ ‬أليست أحلامهم كانت السبب في رحيلهم؟‮ ‬
ولكني هنا،‮ ‬من أجل لقاء حب افتراضي،‮ ‬أنتظره الآن ليصل،‮ ‬ويعيد ترتيب الحلم،‮ ‬اخترت لقائه علي لقاءه الموت الكاسح‮. ‬
‮ ‬فحين مرت هي لتتعثر بالكرسي الوحيد الذي بجانبي،‮ ‬سبقني جسدي في الوقوف لالتفافها،‮ ‬الارتباك والقلق أيضا‮ ‬يحكم المشهد هي أيضا كانت تحاول أن ترتب أشياءها حين تعثرت،‮ ‬الوقت لا‮ ‬يمهلنا التفكير‮. ‬نظرت إليّ‮ ‬وقليل من ندي‮ ‬يملأ عينيها والتفاتة عمياء للفراغ،‮ ‬وكأنها لا تراني،‮ ‬وقالت‮:‬
عفوا‮.‬
فنجان قهوتي علي‮ ‬الطاولة‮. ‬متمهل في فقدان حرارته،يقطع أفكاري في حلم الأمس،‮ ‬منظر ملابسي الممزقة والطائرة التي رحلت دون أن تحملني معها‮. ‬
وجلست هي منكبة علي أوراق ترتبها في ملف شفاف،‮ ‬ارتباكها الواضح أربكني أيضا،‮ ‬ونظراتها الحزينة للفراغ،‮ ‬وكأن لا أحد حولها،‮ ‬تنظر للوقت المعلق علي جدار المقهي،‮ ‬تصطدم عيناها للحظة بعيني،‮ ‬لتسألني‮ : ‬
‮-‬يبدو أن موعد الطائرة قد حان ولم نسمع أي إشعار للمسافرين بالتوجه إلي إكمال تأشيرات جوازاتهم‮. ‬
وصل صوتها إلي أذني كهديل حمام حزين،‮ ‬هز مشاعري وأضرم حنينا لا أعرف مصدره‮. ‬أجبتها‮: ‬
‮-‬لا داعي للقلق هو الحال هكذا في مطارنا لا التزام بالمواعيد‮. ‬إلي أين أنت متجهة؟
‮-‬إلي مصر‮. ‬
‮-‬وأنا أنتظر أيضا زائرين من مصر‮. ‬عفوا لسؤالي‮.. ‬لماذا أنت قلقة؟‮ ‬
‮-‬لا‮. ‬لست قلقة‮.. ‬فقط هو الانتظار‮ ‬يسبب بعض التوتر‮. ‬فقد أُلغيت هذه الرحلة من قبل أسبوع،‮ ‬بسبب أوضاع الحرب‮. ‬أخاف أن‮ ‬يتكرر هذا‮. ‬
‮-‬هل أنت مقيمة هنا أم في مصر.؟ أعتذر لتكرار أسئلتي‮.‬
‮-‬أنا مقيمة هنا‮. ‬ولكن سأذهب إليها زيارة‮. ‬وأنت من تنتظر؟
‮-‬أنتظر حبا قادما من مصرأيضا‮. ‬
‮-‬ههههه‮... ‬هل هي زوجتك أم خطيبتك؟
‮-‬لا ليست واحدة منهن‮. ‬بل هي امرأة تعرفت عليها في الفيس،‮ ‬أثناء نشطانا الثوري،‮ ‬تطورت علاقتنا حتي دخلنا مملكة الحب‮. ‬ثلاث سنوات من التواصل في عالم افتراضي‮.. ‬انتظره اليوم أن‮ ‬يكون واقعا ملموسا‮. ‬
‮-‬رائع‮.. ‬لماذا لا تذهب أنت إليها‮. ‬
‮-‬هي من هنا‮.. ‬وأنا من هنا‮.. ‬فيجب أن‮ ‬يكون لقاؤنا هنا‮. -‬وهل اتفقتم علي الاستقرار معا‮. ‬
‮-‬لا لم نتفق‮.. ‬بل سيكون اللقاء الذي نحدد فيه طبيعة النهاية أو بداية الحياة‮. ‬
‮-‬أنت تنتظر للقاء وأنا سأطير للفراق‮. ‬
‮-‬كيف؟ ومن ستفارقين؟‮ ‬
‮-‬لقد فارقني هو؟ وصعد إلي السماء قبلي‮. ‬كنا علي موعد للسفر معا‮. ‬لكنه فضل أن‮ ‬يرحل ضمن من رحلوا في الصفوف‮. ‬
‮-‬أي صفوف رحل معها؟‮ ‬
‮-‬في صفوف المصلين في‮ ‬يوم الجمعة‮. ‬كنا مخطوبين‮. ‬
‮-‬آسف لذلك حقا‮. ‬لقد اغتيلت أحلام الكثيرين‮. ‬
أطرقنا خمس دقائق‮.. ‬وأخيرا نسمع عن استعداد المسافرين للتوجه إلي الصالة لاستكمال إجراءات السفر،‮ ‬وصوت طائرة تهبط،‮ ‬وتعلن عن وصول الطائرة القادمة من مصر‮. ‬
نقف الاثنان ونتجه معا إلي الصالة‮.. ‬وكأن ما حدث بيننا من حديث قد محيي شعور الثلاث سنوات الفيسبوكية‮. ‬وارتبط بفتاة ترحل تاركة حبها مدفونا في هذه الأرض المقبرة‮. ‬
كيف ستكون فتاتي القادمة من تلك الأرض،‮ ‬هل ستجمعنا هذه الأرض أم ستفرقنا،‮ ‬بأحداثها المتوالية‮. ‬توقفت لأتأملها وهي تخرج جواز سفرها وتقدمه للموظف ليطبع عليه تأشيرة الخروج،‮ ‬وكأنه طبع علي قلبي حزنا جديدا‮ ‬يضاف إلي قائمة أحزاني‮. ‬
التفتت إلي ورفعت‮ ‬يدها لتودعني،‮ ‬ولأول مرة أري ابتسامتها منذ تبادلنا أطراف الحديث،‮ ‬ابتسامة جميلة وهادئة‮. ‬
انتظرت في الصالة أتابع الوجوه التي نزلت من الطائرة‮. ‬ولم‮ ‬يظهر بينها حبي الذي أتي بي إلي هنا‮. ‬سألت في الاستعلامات عنه‮. ‬فلم‮ ‬يكن موجودا ضمن من وصلوا‮... ‬فلماذا لم‮ ‬يأت؟
‮.‬هل تغير موعده أم أنه اختفي من داخلي‮.‬؟‮ ‬صوت الطائرة‮ ‬ينطلق في السماء‮. ‬ويرحل حلمي الأخير،‮ ‬ووحدي أقف الآن بلا حب‮. ‬وما كان مجيئي اليوم إلا لأودع حبا لفظته هذه الأرض التي قد تلفظني أنا ذات‮ ‬يوم؟‮ ‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.