مذكرة تفاهم بين جامعتي الأزهر ومطروح تتضمن التعاون العلمي والأكاديمي وتبادل الخبرات    إزالة مزرعة سمكية مخالفة بالشرقية    منظمة الصحة العالمية: أكثر من 15 ألف شخص في غزة بحاجة لإجلاء طبي    وزير الصحة الفلسطيني: فقدنا 1500 كادر طبي.. وأطباء غزة يعالجون المرضى وهم يعانون من الجوع والإرهاق    مانشستر سيتي يسقط في عقر داره أمام توتنهام    ضبط المتهمين بالاتجار بالمخدرات وارتكاب أعمال البلطجة بالبساتين    الإتجار في السموم وحيازة خرطوش.. جنايات شبرا تقضي بسجن متهمين 6 سنوات    نادين خان تبدأ تصوير مسلسل "بنج كلي" بطولة سلمى أبو ضيف ودياب    الصحة تقدم 314 ألف خدمة طبية مجانية عبر 143 قافلة بجميع المحافظات خلال يوليو    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    قيادي بمستقبل وطن: تحركات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة ومشبوهة    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    استقالات جماعية للأطباء ووفيات وهجرة الكفاءات..المنظومة الصحية تنهار فى زمن العصابة    إطلاق نار على الحدود بين كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    منال عوض تناقش استعدادات استضافة مؤتمر الأطراف ال24 لحماية بيئة البحر الأبيض المتوسط من التلوث    حبس فيتو!    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    ماذا ينتظر كهربا حال إتمام انتقاله لصفوف القادسية الكويتي؟    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يوما    فحص وصرف العلاج ل247 مواطنا ضمن قافلة بقرية البرث في شمال سيناء    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    محافظ أسوان يتابع معدلات الإنجاز بمشروع محطة النصراب بإدفو    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلا أرض
نشر في أخبار الحوادث يوم 23 - 07 - 2016


علي كرسي‮ ‬يستمع إلي صمتي الأخرس،‮ ‬جلست‮..‬
وكان الربيع‮ ‬يتململ في القدوم وأنا أتابعه من نافذة المقهي في المطار،‮ ‬فالشارع مازال‮ ‬يرتجف،‮ ‬والأشجار بضعف تخضر أوراقها،‮ ‬يبدو أننا خسرنا كثيرا من الدماء،‮ ‬لنصاب بفقر دم حاد‮. ‬تنهرني‮ ‬تلك الصحف التي هجرتها لعدة أيام،‮ ‬لا لشيء سوي أني أحاول أن أرتب أحداثا قد‮ ‬يستعيرها الشارع حين تخلو البلاد من ساكنيها‮.‬
فكرت بالحلم الذي‮ ‬يراودني منذ أيام،‮ ‬أقف في المطار وحيدا بحقيبة تنفتح ويتساقط ما بداخلها ولكنها ملابس ممزقة‮. ‬أصحو من الحلم مرعوبا‮. ‬وفي الأمس‮ ‬يكتمل الحلم وأنا في المطار والحقيبة مفتوحة وتلك الملابس الممزقة،‮ ‬وصوت الطائرة وهي تغادر دون أن تحملني علي متنها،‮ ‬وتلك الوجوه التي‮ ‬غادرت وكأني عشت معهم دهرا تركت‮ ‬الكراسي خالية،‮ ‬وأنا أقف مذهولا من وقتي الغريب،‮ ‬في أي مدينة أنا لأغادرها،‮ ‬وما تلك الطائرة التي‮ ‬يتردد صوتها كنغم حزين،‮ ‬سأجمع أشلاء ملابسي لأعود إلي البيت‮. ‬
أصحو من نومي علي وقع انفجار‮.‬
أرتبك في النهوض وألملم نفسي،‮ ‬لن أقرأ شيئا هذا اليوم،‮ ‬برفقة سجائري فقط،‮ ‬اتجه إلي المطار،‮ ‬لقد حدًدت موعد وصولها الساعة التاسعة صباحا،‮ ‬ولأول مرة سأتعرف عليها،‮ ‬بعد قطع مسافة زمنية تجاوزت السنة علي صفحة الفيس،‮ ‬سأنتقل الآن أنا وهي من العالم الافتراضي إلي العالم الواقعي‮. ‬
يمر بجانبي اثنان‮ ‬يتحدثان عن الانفجار الذي حدث قبل فترة في السادسة صباحا،‮ ‬كان انفجار أمام كلية الشرطة،‮ ‬وكان طابور من الشباب‮ ‬ينتظرون مع ملفاتهم من الليلة الفائتة،‮ ‬حتي‮ ‬يبكروا في الدخول وإتمام التسجيل في الكلية‮. ‬لم آخذ الجرائد اليوم ولكني سمعت ما كنت أتجنب سماعه‮. ‬يا إلهي‮.. ‬كان‮ ‬يجب أن أكون الآن معهم،‮ ‬هل كانت ستتمزق أوصالي،‮ ‬ولن أجد نفسي مرة أخري،‮ ‬تبسمت لسخرية الحياة منا،‮ ‬فالموت قريب جدا،‮ ‬ويبتعد فجأة تاركا لنا فرصة أخري للبقاء،‮ ‬وللأحلام الوهمية التي نحاول أن نرسمها،‮ ‬ونحققها‮. ‬
وأولئك الذين رحلوا فجأة،‮ ‬أليست أحلامهم كانت السبب في رحيلهم؟‮ ‬
ولكني هنا،‮ ‬من أجل لقاء حب افتراضي،‮ ‬أنتظره الآن ليصل،‮ ‬ويعيد ترتيب الحلم،‮ ‬اخترت لقائه علي لقاءه الموت الكاسح‮. ‬
‮ ‬فحين مرت هي لتتعثر بالكرسي الوحيد الذي بجانبي،‮ ‬سبقني جسدي في الوقوف لالتفافها،‮ ‬الارتباك والقلق أيضا‮ ‬يحكم المشهد هي أيضا كانت تحاول أن ترتب أشياءها حين تعثرت،‮ ‬الوقت لا‮ ‬يمهلنا التفكير‮. ‬نظرت إليّ‮ ‬وقليل من ندي‮ ‬يملأ عينيها والتفاتة عمياء للفراغ،‮ ‬وكأنها لا تراني،‮ ‬وقالت‮:‬
عفوا‮.‬
فنجان قهوتي علي‮ ‬الطاولة‮. ‬متمهل في فقدان حرارته،يقطع أفكاري في حلم الأمس،‮ ‬منظر ملابسي الممزقة والطائرة التي رحلت دون أن تحملني معها‮. ‬
وجلست هي منكبة علي أوراق ترتبها في ملف شفاف،‮ ‬ارتباكها الواضح أربكني أيضا،‮ ‬ونظراتها الحزينة للفراغ،‮ ‬وكأن لا أحد حولها،‮ ‬تنظر للوقت المعلق علي جدار المقهي،‮ ‬تصطدم عيناها للحظة بعيني،‮ ‬لتسألني‮ : ‬
‮-‬يبدو أن موعد الطائرة قد حان ولم نسمع أي إشعار للمسافرين بالتوجه إلي إكمال تأشيرات جوازاتهم‮. ‬
وصل صوتها إلي أذني كهديل حمام حزين،‮ ‬هز مشاعري وأضرم حنينا لا أعرف مصدره‮. ‬أجبتها‮: ‬
‮-‬لا داعي للقلق هو الحال هكذا في مطارنا لا التزام بالمواعيد‮. ‬إلي أين أنت متجهة؟
‮-‬إلي مصر‮. ‬
‮-‬وأنا أنتظر أيضا زائرين من مصر‮. ‬عفوا لسؤالي‮.. ‬لماذا أنت قلقة؟‮ ‬
‮-‬لا‮. ‬لست قلقة‮.. ‬فقط هو الانتظار‮ ‬يسبب بعض التوتر‮. ‬فقد أُلغيت هذه الرحلة من قبل أسبوع،‮ ‬بسبب أوضاع الحرب‮. ‬أخاف أن‮ ‬يتكرر هذا‮. ‬
‮-‬هل أنت مقيمة هنا أم في مصر.؟ أعتذر لتكرار أسئلتي‮.‬
‮-‬أنا مقيمة هنا‮. ‬ولكن سأذهب إليها زيارة‮. ‬وأنت من تنتظر؟
‮-‬أنتظر حبا قادما من مصرأيضا‮. ‬
‮-‬ههههه‮... ‬هل هي زوجتك أم خطيبتك؟
‮-‬لا ليست واحدة منهن‮. ‬بل هي امرأة تعرفت عليها في الفيس،‮ ‬أثناء نشطانا الثوري،‮ ‬تطورت علاقتنا حتي دخلنا مملكة الحب‮. ‬ثلاث سنوات من التواصل في عالم افتراضي‮.. ‬انتظره اليوم أن‮ ‬يكون واقعا ملموسا‮. ‬
‮-‬رائع‮.. ‬لماذا لا تذهب أنت إليها‮. ‬
‮-‬هي من هنا‮.. ‬وأنا من هنا‮.. ‬فيجب أن‮ ‬يكون لقاؤنا هنا‮. -‬وهل اتفقتم علي الاستقرار معا‮. ‬
‮-‬لا لم نتفق‮.. ‬بل سيكون اللقاء الذي نحدد فيه طبيعة النهاية أو بداية الحياة‮. ‬
‮-‬أنت تنتظر للقاء وأنا سأطير للفراق‮. ‬
‮-‬كيف؟ ومن ستفارقين؟‮ ‬
‮-‬لقد فارقني هو؟ وصعد إلي السماء قبلي‮. ‬كنا علي موعد للسفر معا‮. ‬لكنه فضل أن‮ ‬يرحل ضمن من رحلوا في الصفوف‮. ‬
‮-‬أي صفوف رحل معها؟‮ ‬
‮-‬في صفوف المصلين في‮ ‬يوم الجمعة‮. ‬كنا مخطوبين‮. ‬
‮-‬آسف لذلك حقا‮. ‬لقد اغتيلت أحلام الكثيرين‮. ‬
أطرقنا خمس دقائق‮.. ‬وأخيرا نسمع عن استعداد المسافرين للتوجه إلي الصالة لاستكمال إجراءات السفر،‮ ‬وصوت طائرة تهبط،‮ ‬وتعلن عن وصول الطائرة القادمة من مصر‮. ‬
نقف الاثنان ونتجه معا إلي الصالة‮.. ‬وكأن ما حدث بيننا من حديث قد محيي شعور الثلاث سنوات الفيسبوكية‮. ‬وارتبط بفتاة ترحل تاركة حبها مدفونا في هذه الأرض المقبرة‮. ‬
كيف ستكون فتاتي القادمة من تلك الأرض،‮ ‬هل ستجمعنا هذه الأرض أم ستفرقنا،‮ ‬بأحداثها المتوالية‮. ‬توقفت لأتأملها وهي تخرج جواز سفرها وتقدمه للموظف ليطبع عليه تأشيرة الخروج،‮ ‬وكأنه طبع علي قلبي حزنا جديدا‮ ‬يضاف إلي قائمة أحزاني‮. ‬
التفتت إلي ورفعت‮ ‬يدها لتودعني،‮ ‬ولأول مرة أري ابتسامتها منذ تبادلنا أطراف الحديث،‮ ‬ابتسامة جميلة وهادئة‮. ‬
انتظرت في الصالة أتابع الوجوه التي نزلت من الطائرة‮. ‬ولم‮ ‬يظهر بينها حبي الذي أتي بي إلي هنا‮. ‬سألت في الاستعلامات عنه‮. ‬فلم‮ ‬يكن موجودا ضمن من وصلوا‮... ‬فلماذا لم‮ ‬يأت؟
‮.‬هل تغير موعده أم أنه اختفي من داخلي‮.‬؟‮ ‬صوت الطائرة‮ ‬ينطلق في السماء‮. ‬ويرحل حلمي الأخير،‮ ‬ووحدي أقف الآن بلا حب‮. ‬وما كان مجيئي اليوم إلا لأودع حبا لفظته هذه الأرض التي قد تلفظني أنا ذات‮ ‬يوم؟‮ ‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.