الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
25 يناير
الأخبار
الأسبوع أونلاين
الأهالي
الأهرام الاقتصادي
الأهرام العربي
الأهرام المسائي
الأهرام اليومي
الأيام المصرية
البداية الجديدة
الإسماعيلية برس
البديل
البوابة
التحرير
التغيير
التغيير الإلكترونية
الجريدة
الجمعة
الجمهورية
الدستور الأصلي
الزمان المصري
الشروق الجديد
الشروق الرياضي
الشعب
الصباح
الصعيد أون لاين
الطبيب
العالم اليوم
الفجر
القاهرة
الكورة والملاعب
المراقب
المساء
المستقبل
المسائية
المشهد
المصدر
المصري اليوم
المصريون
الموجز
النهار
الواقع
الوادي
الوطن
الوفد
اليوم السابع
أخبار الأدب
أخبار الحوادث
أخبار الرياضة
أخبار الزمالك
أخبار السيارات
أخبار النهاردة
أخبار اليوم
أخبار مصر
أكتوبر
أموال الغد
أهرام سبورت
أهل مصر
آخر ساعة
إيجي برس
بص وطل
بوابة الأهرام
بوابة الحرية والعدالة
بوابة الشباب
بوابة أخبار اليوم
جود نيوز
روزاليوسف الأسبوعية
روزاليوسف اليومية
رياضة نت
ستاد الأهلي
شباب مصر
شبكة رصد الإخبارية
شمس الحرية
شموس
شوطها
صباح الخير
صدى البلد
صوت الأمة
صوت البلد
عقيدتي
في الجول
فيتو
كلمتنا
كورابيا
محيط
مصراوي
مجموعة البورصة المصرية
مصر الآن
مصر الجديدة
منصورة نيوز
ميدان البحيرة
نقطة ضوء
نهضة مصر
وكالة الأخبار العربية
وكالة أنباء أونا
ياللاكورة
موضوع
كاتب
منطقة
Masress
أسعار الذهب فى أسيوط اليوم الاربعاء 29102025
إسرائيل تخترق الاتفاق| الاحتلال يشن غارات جوية تستهدف مدينة غزة ودير البلح
مكافحة التطرف والإرهاب
الطقس اليوم الأربعاء 29 أكتوبر 2025.. شبورة صباحية وتغيرات سريعة فى درجات الحرارة
عاجل- 40 رئيسًا وملكًا ورئيس حكومة يشاركون في افتتاح المتحف المصري الكبير
مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 29 أكتوبر 2025 فى محافظة المنيا
حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 29 كتوبر
18 قتيلا فى غرق مركب مهاجرين قبالة ليبيا
«خطأ عفوي.. والمشكلة اتحلت».. مرتجي يكشف كواليس أزمة وقفة عمال الأهلي
سعر طن الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 29-10-2025 بعد الانخفاض الأخير
والد ضحايا جريمة الهرم: زوجتى على خلق والحقيقة ستظهر قريبا.. صور
وكيل زراعة شمال سيناء يلتقي مزارعي «الروضة» ويوجه بحل مشكلاتهم
حقيقة وجود تذاكر لحضور حفل افتتاح المتحف المصري الكبير
أشرف العربي: «المتحف المصري الكبير» تأكيدًا لقوة مصر الناعمة ومكانتها الحضارية
ننشر الأخبار المتوقعة ليوم الأربعاء 29 أكتوبر
مصابة بالتهاب الكبد وكورونا، طوارئ صحية بولاية أمريكية بعد هروب قرود مختبرات (فيديو)
خلاف أطفال يتحول إلى كارثة.. سيدتان تشعلان النار في منزل بعزبة الثلثمائة بالفيوم
مصرع وإصابة 17 شخصًا في تصادم 3 سيارات بطريق «الإسماعيلية-السويس» الصحراوي
طائرات مسيرة أوكرانية تستهدف مستودع وقود في منطقة أوليانوفسك الروسية
أغلى الكؤوس، موعد قرعة ربع نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين والقنوات الناقلة
مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 29-10-2025 والقنوات الناقلة.. ظهور الأهلي وليفربول
جواهر تعود بحلم جديد.. تعاون فني لافت مع إيهاب عبد اللطيف في "فارس أحلامي" يكشف ملامح مرحلة مختلفة
في الذكرى الأولى لرحيله.. حسن يوسف: فنان من حي السيدة زينب سكن الذاكرة وخلّد ملامح جيل بأكمله
اليوم..جلسة النطق بالحكم على سوزي الأردنية
د.حماد عبدالله يكتب: ومن الحب ما قتل !!
الإستعلام عن الحالة الصحية لشخصين أصيبا إثر حريق شقة
أسعار الأسماك والخضراوات والدواجن.. اليوم 29 أكتوبر
عيار 21 الآن وأسعار الذهب اليوم في السعودية بداية تعاملات الأربعاء 29 أكتوبر 2025
دعاء الفجر | اللهم اجعل لي نصيبًا من الخير واصرف عني كل شر
أوكرانيا و"الناتو" يبحثان مبادرة التعاون في مجال الأسلحة
كوريا الشمالية تطلق صواريخ كروز قبيل قمة ترامب والرئيس الكوري الجنوبي
أحمد عيد عبدالملك: الزمالك تأثر برحيل مصطفى شلبي
مفاحآة مثيرة.. سبب أزمة محمد السيد مع الزمالك
متحدث الشباب والرياضة يكشف كواليس جلسة حسين لبيب مع أشرف صبحي
استشهاد 11 فلسطينيا على الأقل في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة
«زي النهارده».. حل جماعة الإخوان المسلمين 29 أكتوبر 1954
«زي النهارده».. العدوان الثلاثي على مصر 29 أكتوبر 1956
رسميًا.. موعد صرف معاشات شهر نوفمبر 2025 وفقًا ل التأمينات الاجتماعية
بين الألم والأمل.. رحلة المذيعات مع السرطان.. ربى حبشى تودّع المشاهدين لتبدأ معركتها مع المرض.. أسماء مصطفى رحلت وبقى الأثر.. لينا شاكر وهدى شديد واجهتا الألم بالصبر.. وشجاعة سارة سيدنر ألهمت الجميع
منتخب الناشئين يهزم المغرب ويواجه إسبانيا في نصف نهائي مونديال اليد
الكشف عن حكام مباريات الجولة ال 11 بدوري المحترفين المصري
ضبط أطنان من اللحوم المفرومة مجهولة المصدر بالخانكة
وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي ضمن المبادرة الرئاسية "حياة كريمة" بمحافظتي الفيوم والمنيا
في الشغل محبوبين ودمهم خفيف.. 3 أبراج عندهم ذكاء اجتماعي
رسميًا.. موعد امتحان 4474 وظيفة معلم مساعد رياض أطفال بالأزهر الشريف (الرابط المباشر)
التحفظ على كاميرات طوارئ قصر العيني والتقرير الطبي لوالدة أطفال اللبيني بفيصل
"كتاب مصر" يناقش ديوان "مش كل أحلام البنات وردي" للشاعرة ياسمين خيري
كريستيانو رونالدو يخسر 13 بطولة فى ثلاث سنوات مع النصر
تزيد حدة الألم.. 6 أطعمة ممنوعة لمرضى التهاب المفاصل
تدريب طلاب إعلام المنصورة داخل مبنى ماسبيرو لمدة شهر كامل
الحظ المالي والمهني في صفك.. حظ برج القوس اليوم 29 أكتوبر
بمكونات منزلية.. طرق فعالة للتخلص من الروائح الكريهة في الحمام
لمسة كلب أعادت لها الحياة.. معجزة إيقاظ امرأة من غيبوبة بعد 3 سكتات قلبية
دعاية مبكرة.. جولات على دواوين القبائل والعائلات لكسب التأييد
أمين الفتوى: زكاة الذهب واجبة فى هذه الحالة
اتخاذ إجراءات ضد استخدام الهاتف المحمول.. وكيل تعليمية قنا يتفقد مدارس نقادة بقنا
أذكار المساء: أدعية تمحو الذنوب وتغفر لك (اغتنمها الآن)
الطائفة الإنجيلية: التعاون بين المؤسسات الدينية والمدنية يعكس حضارة مصر
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
انشطار الطير
أحمد عبد العاطي
نشر في
أخبار الحوادث
يوم 02 - 07 - 2016
عجوز القطار
علي رصيفٍ أخرس، وقفت بلا حراك أنتظر قطارًا آخر غير الذي فاتني، كان الحر ينشر رداءه علي رؤوس تخفّتْ تحت المظلات وأوراق الجرائد أو أشجار لم تسقط أوراقها المُشَرشَفة بعد، كانت الأنداء الحارة علي جبيني قد نبهتني أن ألتمس أحد المقاعد المجاورة التي تعلوها مظلة تمنع بعضًا من هجير الصيف، جلست أتكئ علي يد المقعد ثم هممت بتصفح جريدة كنت قد اشتريتها من البائع الرابض خارج المحطة.
- لن تستمر موجة الحر طويلًا
قالتها بجانبي بعدما أزاحت خصلاتها المتفجرة البياض عن وجهها الذي بات راكدًا علي ما يبدو منذ فترات طويلة، شعرها المياس يوحي بأن الزمن لم يكن ليجرؤ أن يقترب إلا من لونه فحسب، نظرت إليها علي غير اكتراث ثم ابتسمت سريعًا حتي لا تتمكن من التقاط أول خيط تضع في أوله كلامًا يجهدني ويشغلني عن قطاري القادِم. حاولتُ أن أقومَ من مكاني وبصوتٍ خفيضٍ؛ كي لا أخدش ترقُّبها، همستُ:
- الله يعيننا ويعينُك يا أمي
ابتسمتْ لي بدورها ولَمْ تُشِحْ نظرَها عن عينِي، عينِي الخَجلي التي تحاشتْ النّظر إليها تمامًا كطفلٍ مذنِب، لا أدري كمْ كان عمرها، ولا أدري إنْ كانت هذه التّجاعيدُ الفادحةُ تُفشي عُمرًا أمْ قهرًا؟ لوّنت الشمسُ العنيدةُ ملامحَها المتألّمة، وابتسامةٌ أكثرُ عِندًا لم تُفارقْ غزارةَ الحكايات في وجهها، حتي إنني لا أعرف ما الذي دفعنِي لأن أنظرَ إلي عينيها المتوهجتين! وكباحثٍ عنْ سطرٍ ضائعٍ، اقتربتُ أكثر، ثم جلستُ بجانبها مرة أخري. علتْ صافراتُ القطارِ المؤذنةٌ بقدومِه، يقتربُ ببطء ليتوقف في محطتِنا."ها قد جاء قطارُنا" هللتْ بمرحٍ و كأنها أصابتْ ورقةَ اليانصيبِ، ردةُ فعلِها كان لها مِن المُبالغة ما أثار حفيظَتي قليلًا؛ فقمت متعللًا باللحاق بالقطار قبل أن يتركني معها.
في القطار، بعد دقيقتين ذقتُ فيهما عناءَ اختراقِ الجمع الذي كدّس مدخلَ القطارِ كيومِ حشرٍ لا هوادة فيه، وجدتُ مقعدي أخيرًا، ليس ببعيد من باب الدخول. وضعتُ حقيبتي الخفيفةَ ثم ارتميتُ علي مقعدي كجثةٍ هامدةٍ، ولَولا صافرة القطارِ لأدركني النعاس وغرقتُ فيه، إلا أن الفزع الذي تملّكني علي إثر الصافرةِ، لم يكن بقدرِ ما أحسستُه عندما وجدتُ المرأةَ العجوز تتقدمُ ناحية مقعدي وكأنها تبحثُ عن شيءٍ آخر غير المقاعدِ، وبنظرتها الثاقبة، تلاقت عينانا حتي سرتْ رعدةٌ خفيفةٌ زحفتْ من أسفلِ ظهري إلي أعلي عمودي الفقري، وجلست بجانبي.
-أهلًا يا ولدي، آسفة علي تأخيري.
قالتْها باطمئنان دون أن تنظر إليّ، ووجدتُني أردُ علي تحيتِها ذاهلًا دون مقاومة..انطلق القطار بسرعة، علي وقع النبضات المتلاحقة التي أصابتْ قلبي. بهدوءٍ يُشبه أنينَها الخفي، أخرجتْ حافظةَ نقودِها التي كانتْ تعجُ بالمال، و بصورٍ قديمة و حديثة مختلفة الأحجام، انتقتْ من وسطها صورة قديمة لطفلة تشع نُورًا، ثمَّ أغلقتْ الحافظةَ بحذرٍ وكأنّها تخافُ علي تحفةٍ فنيةٍ هشةٍ، أعطتني الصورةَ و قالتْ منطلقة في الحديث:
- هذه أنا حينما كنت طفلة، أتعلم؟ هذه الطفلة ما زالت بداخلي، ما زالتْ ترقص وتُضَاحِك الصغارَ قبلَ الكبارِ، تجرِي في أزقةِ الشوارعِ، وتُشاكسُ العصافيرَ في أعشاشِها، لم أتخلَ عنها أبدًا، ولكن يبدو أن حبال الوصل بيننا باتتْ تنفصلُ أكثر فأكثر وباتَ بين دفتَي انفصالِها خيطٌ ضئيلٌ، و ستتخلي هي عني عما قريب.
عادتْ إليها مسحة الحزن التي عهدتها حينما جلست بجانبها أول مرة، أغمضتْ عينيها وأخذَتْ نفسًا عميقًا منتشيًا، وكأنّ خصلاتِ النّسماتِ الّتي داعبَتْ رئتيها لمْ تشبه الهواءَ العابسَ المشبَع بالدّخان الذي تنفّستُه فملأ صدري. أعطيتُها صورتَها بقلقٍ تفرستْه هي في وجهي.. بعد أن ابتسمت لها ابتسامة واهية. كان صوت الناس قد بدأ بالازدياد، يدخل مباشرة في أذني، أما صوتُها، لسببٍ لا أعرفُه، كانَ يخترقُ صدري، وينسكبُ روعةً وأريجًا علي أنساغِه المُلتفعةِ بأغطيةِ ماضٍ قريب، أسمعُ في همساتها صوت أمي.
بدون مقدمات وجدتها تُشهرُ صورةَ لشابةٍ صارخةِ الجمالِ في وجهي يبدُو أنّها تتمايلُ علي أنغامِ موسيقي راقيةٍ كحركاتِ الباليه التي لا أفقه في تموجها شيئاً!!
قالتْ:
-كنتُ شابةً يافعةً.
وتضيفُ:
- هناك تعرفتُ عليه، كانتْ عينَاه تُتَابعاني باهتمامٍ، كان يتأملُ حركاتِ جسدِي اللينةِ دون كللٍ، حتي هَبّ من مكانِه واقفًا، ثم بحركتِه الأسطورية المُمتَلئة بالرجولة، جاء إليّ وأمسك بيديّ، و بدون أن أنبس بكلمة واحدة، غصتُ في أعماقِ عينيه اللتين ارتسمتا بشغف عاتٍ، ثم أسلمتُ له نفسي، حتي أخذتْنا رقصتُنا إلي وهنٍ مِن الليلِ.
عادتْ إلي صمتِها ببطء، وحين واجهتني تمامًا لاحظتُ ملامحَها المتعبةَ، كان الوجهُ مغضنًا، إلا إنّه كان قدْ زُيِّن ببراعةٍ ووقارٍ، ثم لمحتُ في يدِها الأخري وردًا أحمر، لحظتُها خُيِّل إليّ أنها لديها ما تقوله.
- ولكن انتهي كل شئ و أنا ما زلت هنا أنتظر.
قالتها بصوت مختنق ثم استطردتْ تقول: هذا ابني..
و أخرجتْ صورةً حديثةً لشابٍ تفوقُ وسامتُه بعضَ المشاهيرِ الذين أراهُم في الأفلامِ العالميةِ، وأردفتْ:
- هل تري ذلك الثوب الذي أرتديه؟ لم ألبسْهُ منذ تُوفي عاصم العام الماضي..
- مَنْ عاصم؟ سألتُ بسذاجة..
ردتْ بلطفٍ: ابني.. ابني عاصم.
نظرتُ إليها مُستدركًا، طالبًا منها العفو في سري عن تذكيري إياها بما تحاول نسيانَه، قالتْ بلغةٍ أكثر لطفًا بعدما قرأتْ تأنيبي لضميري:
- لا تقسُ علي نفسك يا بني، أنا أصلًا لم أنسَه..
فتحتْ فمَها لتُكمل إلا أنها عادت فشدتْ شفتيها إلي بعضهما بإصرارٍ، و امتلأتْ عيناها بالدمعِ فجأة، وحين لم تستطعْ التغلب علي دموعِها، لوَّحَتْ بيدِها المرتعشةِ إلي الصورةِ الملتصقةِ بيدِي، ثم أمسكتْ بيدي تعتصرها بين أصابعها الواهنة..
- أرجوك لا تترُكني يا عاصم.
قالتْها ودمعُها يتلاشَي شيئًا فشيئًا، ثم ما لبثتْ أن استبدلتها بضحكةٍ هيستيريةٍ تجلجلُ الأرجاءَ.. انتفضتُ واقفًا، ثم أكملتْ:
- لا تتركني ثانية يا عاصم..
راحتْ نظرةٌ داهشةٌ تنسابُ من عينيّ حتي غمرتْ أساريرَ وجهي المتعرقةَ..
- أ.. أ.. أنا لست عاصم. رددتُ ويدي يغمرها الارتعاش.
ثم جاء الكمسري الذي انبثق من الأرض، وأمسك بها من ياقة ثوبِها، وراحَ يقولُ:
- أنتِ مرة أخري يا عزيزة؟ ألم أقل لك أن ابنك ليس علي هذا القطار؟..
تصرخُ: لا، إنه عاصم.
ثم نظرتْ إليّ وهي تستغيثُ قلبي:
- قُلْ لهُ أنْ يترُكني يا عاصم، قُلْ لهُ..
و حين لم أجد ما أصرّحُ به عندما أخَذَ الكُمسري يجرّها من ياقتها المتكسّرة، و هي تهتف دون توقف..
استيقظتُ من نومي الذي طمَرَ عينيّ بجناحيه الثقيلين، علي صافرة أخري من القطار..توجدتُ القطار ما زال في مكانه لم يبرحْهُ، وأنا ملتصقٌ بمقعدِي، و هي ما زالتْ تجلسُ في مكانِها خارج القطار علي مقعدِ المحطةِ، تنظرُ بعيدًا عني إلي شيءٍ لم أتبينْهُ في السماءِ.
في غاية الوهن
أتذكر حين واتتني تلك اللحظة جيدًا، كنت ابن عشرة تحديدًا..
وكنت قد التهمتُ ملامحه كاملةً، بوهن وفزع، حينما سحبتْ يده المتشققة -بحذر- جرار حقيبة والدتي المعلقة علي كتفها، وتشعبت الخواطر إلي شراذم مخيفة.
في الصباح، وفي التاسعة تحديدًا، ابتلع الزحام علي طريق القطارات -العاري من التحذيرات وموانع المرور- خلقًا كثيرين، بشرًا مكدسين يمرون بعرض السبيل الوحيدة تجاه الناحية الأخري، القضبان تحمل الأقدام، وحرارة الأنفاس تجابه شمسًا تحدق في شرود..
أتذكر أني كنت أتبعها بإلحاحي كلما توجهتني بنظرها، أقسمتُ حينها أن الأمور ستتحول للأسوأ إن لم أحصل علي أقلام كثيرة بألوان عدة، وأغلفة وجلادات من النوع الفاخر، بغية الزهو والتفاخر لا أكثر. لكن، وفي الفجالة سيصبح هاجسك الوحيد أن تحصل علي ما تستطيع يداك الوصول إليه، وألا يلطمك العطش، وأن تحن عليك بعض المباني الشاهقة بظلٍ كيما تواصل البحث والتنقيب عن اللوازم المكتبية.
وتبدأ السيدات بالفصال المرير، الفصال الذي قد لا ينقطع إلا مع هبوط قيمة المستَهلَك إلي النصف، أو حتي إلي حين تبدأ الفترة الدراسية، لا مشكلة في ذلك. وكن يضعن النظارات وينزعنها، ويقلبن بين أيديهن أشياءً قد لا تُشتَري، وأمي تشري البضاعة مبتسمة وراضية بقليل مال.
ولما رأتني لا أحتمل الجوع والعطش والزحام، قنعتْ بما تحصلتْ عليه، ولم يعد بمقدوري الإلحاح أكثر، وانتحت ركنًا نتناول فيه عصيرًا معلبًا، ومخبوزًا صنعته بيديها. واستولي مشهد وجهها المتفصد عرقًا، وثغرها يلوك الطعام في غاية الوهن، علي كياني كليًا.. ولكنها ما كادت تنهي القضمة الأولي من قطعتها، حتي أعلنت الشبع؛ وأغلب الظن أنها استبقتها لبقايا جوع قد يجر أذياله علي معدتي ولا يندثر بقطعة واحدة.
قفلنا راجعين، وأمي تحمل التعب، وبضعة أكياس بلاستيكية ممتلئة تهتز بخفة بين يديها. وحقيبتها الوحيدة علي كتفها، تحمل حلمها بالوصول وانتهاء اليوم.
وفي خضم الأشياء التي تبهت حولنا، علي نفس القضبان التي لا تزال مشتعلة بجدائل الشمس، وفي لحظة فاصلة..
حدث كل شيء.
استلمت عيناي مشهد سحبه لجرار الحقيبة المعلقة علي كتفها بخضوع، أصابعه تتشنج وتنقبض، شعر أشعث ونظرة ميتة جافة، ورأسه العالي الذي أناخه التوجس، أراه يلهث، ويراقب الناس، ولكنه نسي أن يراني أنا؛ القصير القامة، الضعيف الحيلة، الذي أراقبه، ولا تعلم بشأنه أمي.
كتمت خوفي الصاخب.. لم أهجم عليه ولم أوبخه، لم أجد حتي كلمة تحمل شجبي وإدانتي لما يحدث، فيما كانت مهمته قد قطعت المسافة إلي نصفها، ورآني فجأة.
كالملدوغ تراجع، وراح يسحب أنفاسه اللاهبة، بدلًا من الجرار بعيدًا عنها وعني، وحين انتهي العبور المتأزم، لاحظتْ هي اصفرار وجهي المجهد، وخمود الكلمات التي صدئت في الحلق.. وعرفتْ السبب من بضع كلمات وإشارات.
قامت بتهدئتي، ووضعت بضع رشفات من الماء علي شفتي، وتوجهت بنظرها إلي حيث كنا فعرفتْه بإشارة مني، وصدري ما زال يعدو تجاه الانفلات.
أعرفها جيدًا، فهي لا تترك حقها، لذا أدركت أنها ستركض وراءه، ولو تطلب الأمر سفرها إلي نهاية العالم. وشجاعةً فعلتْ، بعدما تركت الأكياس بجانبي.
العجيب في الأمر، ومن تدابير الأقدار، أنه لم يستطع التزحزح هاربًا من كتلة الناس المصمتة حوله، فتصلب كجعران، وراح يبعد الناس عن طريقه، في غاية الوهن؛ لم يكن قويًا إلي الحد الذي يسمح له بالعبور والهروب. وفي ثانية كانت أمامه، وهو أمامها.. لا يفصل بينهما سوي رافد نحيل من الهواء، ينظران إلي بعضهما بلغة لا أفهم رموزها، أحملق بعيني المترقبتين مخافة أن يؤذيها، أقدم قدمًا وأؤخر..
ولكنها توجهت بنظرها تجاه جرار الحقيبة، وفتحته، ثم أخرجت قطعة المخبوز المتبقية وأعطتها له مبتسمة بحنان، الأمر الذي شجعه علي مد يده وتناولها منها. نظر إليها طويلًا كأنه يحدق بالفراغ، حينها قضم، ومضغ الأولي بسرعة ليلحقها بثانية. أكل بنهم حتي شبع.. وتساقطت قطرات اللعاب علي ملابسه الرثة..
وتركها وهو يمشي مطوحًا، بلا كلمة شكر..
وتراجعت نحوي مبتسمة. أتساءل وأزيح عرق الخوف عن جبهتي، أستبين ألغاز ما حدث، وقبل أن تشِتُّ الحيرة بالقلب..
انتصبتْ أمامي فرِحَة، وقالتْ باطمئنان:
- أرأيت؟ كان جائعًا فقط.
وعدنا بسلام.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
عالم واحد صغير
لاتتركيني
غريب بشكل بشع
الدرب والعالم
صدق بعد حين!
أبلغ عن إشهار غير لائق