الصراع بلغ أشده بين ونوس من جانب، وياقوت وعائلته من جانب آخر، وإن كانت كفة ونوس ينضم إليها عزيز "محمد شاهين" الذي يمثل الطمع والجشع والأنانية بكامل معانيه، ومع ذلك، فمهمة ونوس ليست يسيرة ولامحسومة، فهو لايخرج منتصراً في كل معاركه مع الإنسان، قد يداعب أحيانا حالات الضعف الهزيمة لدي شخص ما، ويجد لنفسه ثغرة يعبر بها إلي روحه، ولكن في لحظة يمكن أن يخسر الجولة أو المعركة كلها، إذا صادف شخصا مثل ياقوت وهو نموذج للإنسان الخطأ التائب، المصر علي توبته، ويسانده "نماذج" لم يهزمها ضعفها وتتمسك بالقدرة علي مقاومة رغبات نفسها وضعفها، يقدم المسلسل شخصية "نبيل" الوجه الشاب محمد كيلاني، وهو مطرب يتمتع بصوت جميل ونفس طيبة لم تلوثها إغراءات الحياة، رغم أنه كان يعمل في ملهي ليلي، ويشاهد بعينه كل الموبقات ولكنه لم يسقط فيها، نبيل أيضا يدخل امتحانا صعبا، عندما تقع في هواه ابنة خالته وخطيبة شقيقه، وتدعوه لحبها ولكنه يعرض عنها المرة تلو الأخري، نبيل هو الأكثر نقاء وقربا إلي قلب أبيه وأمه، وهو النقيض لشقيقه عزيز، الذي لا يري من الحياة سوي ذاته ، وأطماعه، أما الابن الأكبر مصطفي، الذي أصبح داعية فهو يقف في منطقة وسط، يرغب في متع الدنيا، ولكنه لايزال يتمسك بالفضيلة لأنه لم يدخل التجربة، ولم تضعه الحياة في اختبار صعب، كما حدث مع نبيل مثلا، أما الابنة "حنان مطاوع" فهي تعاني من إحساس مفرط بالظلم، وتترك نفسها وقلبها لتصورات المؤامرة والحسد، ولاتترك في قلبها مكاناً للحب أو للتسامح، ولايهمها من الحياة إلا طفلها "سولي" الذي كان مريضا، يعاني من عدم القدرة علي الحركة، حتي تدخل ونوس "يحيي الفخراني" لعلاجه، من الوهم، تتألق حنان مطاوع في أداء دور المرأة الحاقدة المهووسة بالخوف من الحسد، وتعبر بملامحها وتسريحة شعرها ونظرة عينيها، المرتبكة وصوتها المرتعش وكل عضلة في وجهها أو جسدها، حتي تكاد تمثل كتلة صراع قائمة بذاتها! أما الفنانة هالة صدقي فهي تعود بشدة مع ونوس في دور الأم القوية التي تداري ضعفها وهزيمتها، بعد أن تركها زوجها "ياقوت" ومعها أربعة أطفال، عانت كثيرا كي تعبر بهم أمواج الحياة وتلاطمها، وأفنت شبابها في حماية بيتها، قبل أن يداهمهم في يوم ما "ونوس" ويقلب حياتهم رأساً علي عقب! وعن عالم الأمراض النفسية والعقلية تقدم دراما هذا العام ثلاثة مسلسلات هي الخانكة بطولة غادة عبد الرازق، وسقوط حر بطولة نيللي كريم وأحمد وفيق وهو مأخوذ عن سيناريو وائل حمدي ومريم نعوم وإخراج شوقي الماجري أما المسلسل الثالت فهو فوق مستوي الشبهات بطولة يسرا وإخراج هاني خليفة، وممكن أن أصدق حكاية توراد الأفكار، التي ينتج عنها ظهور عملين أو اكثر لهما نفس السمات ويناقشان موضوعا واحدا، فالبطلة في مسلسل الخانكة وفي سقوط حر، يتم اتهامهما بارتكاب جريمة وينتهي بهما الحال في مستشفي الأمراض العقلية، وتكون فرصة لاستعراض حالات متنوعة لنساء ارتكبن جرائم بسبب الخيانة أو لأسباب أخري تتعلق بسوء تصرف الرجل وقسوته التي تدفع المرأة لقتله، حتي لو كانت تعشقه، ولكن أحيانا الأمر لايتوقف عند توارد الأفكار، وتشعر أن كلا من كاتب السيناريو للعملين كان بيبص في ورقة التاني، ويطيل النظر لأن هناك بعض نماذج تكاد تكون متطابقة، منها الهوس الديني ، الذي يتخطي مرحلة التطرف في سقوط حر، نموذجان إحداهما لامراة مسلمة تتصرف وكأنها من جماعة الأمر بالمعروف، وتضغط علي النزيلات حتي يواظبن علي إقامة الصلاة، وتهددهن بسوء العاقبة إذا تأخرن عن إقامة الشعائر، وامرأة أخري مسيحية، تعتقد ان الله قد اصطفاها لتكون ظله علي الأرض و"نبية" لهذا الزمان، وتهدي الضالين، وتبارك المظلومين، وهي نماذج يصعب أن تتخيل تكرارها في مسلسل آخر يعرض في نفس التوقيت ولكن الخانكة، أيضا يقدم شخصية تتصرف أيضا وكأنها من عباد الله الذين اصطفاهم لهداية الناس، وتلعب دورها مشيرة إسماعيل بعد غياب سنوات طويلة، وكما يقدم سقوط حر نموذجا لأم قتلت طفلها وهي في حالة عدم وعي"سلوي عثمان"، فهناك نموذج لأم قتلت طفلها من فرط تعذيبها له، مما أدي إلي انتحاره، وفي مشهد المفروض أنه مؤثر، ولكنه يؤدي إلي الضحك نظرا لطرافة الحوار، حيث تقول الأم نزيلة الخانكة لطفلها المتخيل تعالي يا ابني وماتخفش مش ححطلك قرن الشطة والفلفل.. في بقك!! طبعا عالم المرض العقلي مليء بالغرائب والحكايات، ولكن هذا التشابه بين بعض الشخصيات والأنماط الموجودة في الخانكة وفي سقوط حر يجعلنا نستبعد فكرة توراد الأفكار!! أما يسرا في مسلسل فوق مستوي الشبهات فهي تعاني من اضطراب سلوكي، ورغبة في العدوان يدفعها لارتكاب جريمة قتل في لحظة غضب، حيث تقتل الطبيب النفسي الذي كشف مناطق الخلل في شخصيتها، رغم ادعائها القوة، ثم تحاول مع بقية حلقات المسلسل أن تخفي جريمتها وتبعد عنها الشبهات، وتلصق التهمة بصديقتها "إنجي " شيرين رضا، المسلسل يقدم نماذج من المرض النفسي والانحراف السلوكي، ولكنها حالات لم تكتشف ولم تؤد بإصحابها إلي الدخول إلي مصحات نفسية، ولكنها حالات تدرك أنها تعاني من توتر وتلجأ للطبيب النفسي طالبة العون، ويبرز في هذا المسلسل أداء يسرا التي تنجح تماما في تقديم شخصية رحمة المرأة التي تستخدم ذكاءها المتوهج في تدبير المكائد للآخرين، دون أن يرمش لها جفن، وينافسها في الأداء شيرين رضا، رغم قلة مساحة دورها، لكنها من أهم نقط الصراع في المسلسل، وعلي عكس الخانكة وسقوط حر فإن فوق مستوي الشبهات، يتميز بالتدفق وسرعة الإيقاع ويقدم في كل يوم، أحداثا تؤدي إلي تشابك أطراف الصراع ليصل بنا إلي منطقة الذروة!