( قالوا لها أن زواجها من هذا الرجل سوف يجعلها تأخذ حكم العاهرة..! صرخت وقالت: لكني لست عاهرة.. ولم أفرط في شرفي.. ولم أكن يوما تحت مستوي الشبهات!!.. ) كنت في الأراضي المحتلة لتغطية حادث اغتيال اسحق رابين رئيس وزراء إسرائيل عام 1994.. ولفت انتباهي أن المجتمع اليهودي داخل وخارج إسرائيل لم يعد له حديث إلا عن زواج ثم طلاق السيدة الجميلة جدا .. بولا! وتعالوا نفتح الملف من بدايته: تمنع الشريعة اليهودية رجال الدين كالحاخامات والكهنة من الزواج من المحولات لليهودية والمطلقات والعاهرات. هن جميعا في خندق واحد.. والكاهن أو الحاخام الذي يتزوج من مطلقة أو عاهرة أو امرأة محولة للدين اليهودي يكون قد ارتكب ذنباً كبيراً.. قد يؤدي في النهاية إلي حرمانه من شرف اعتناق الدين اليهودي! ولعل قضية السيدة بولا من أشهر القضايا هي الأخري داخل دولة إسرائيل.. بلد العجائب والغرائب. بولا شابة جميلة عاشت طفولتها وشبابها المبكر في ألمانيا.. لم تكن بولا يهودية بالمعني الشرعي لأن أحكام التوراة حددت بوضوح أن اليهودي هو كل مولود من أم يهودية.. حتي لو كان ميلاده ثمرة اغتصاب أو سفاح! فالأبناء لا ينتسبون إلي آبائهم.. فإذا كان الزوج يهوديا والزوجة غير يهودية فإن أبناء هذه الأسرة لا يمكن اعتبارهم من اليهود! وعندما صدر قانون العودة فور قيام دولة إسرائييل كان ضرورياً أن يحدد من هو اليهودي الذي يمكنه الهجرة إلي أرض الميعاد ليحصل علي الجنسية الإسرائيلية فور وصوله داخل إسرائيل.. ولكي تشجع حكومة إسرائيل آلاف اليهود في الهجرة من كل بقاع العالم إلي إسرائيل تم تعديل القانون ليصبح تعريف اليهودي هو المولود لام يهودية أو المحول إلي الديانة اليهودية.. بشرط أن يكون تحويله علي حاخام أصولي! وهنا قامت عاصفة لا تهدأ للآن.. وامتلأت بيوت الدين والمحاكم الشرعية والدينية بعشرات الحكايات المثيرة والغريبة التي نتناولها في موضع آخر من هذا الكتاب.. المهم أن الآنسة بولا عاشت في ألمانيا وعيونها علي إسرائيل.. كان حديث جدها اليهودي عن أرض الميعاد يفجر في صدرها شوقاً حاراً لا تعرف مبرارته.. شغلتها القضية اليهودية منذ نعومة أظافرها.. وحتي مات جدها فتوقفت حكاياته التي ظلت تدغدغ مشاعرها ردحاً من الزمن..! قررت بولا أن تسافر إلي إسرائيل.. أن تعيش التجربة بنفسها.. وتتأكد من كل كلمة سمعتها من جدها العجوز الراحل.. التحقت هناك بأحد المعسكرات لمدة تزيد علي ثلاثة أشهر.. بعد ذلك التحقت بمدرسة لتعليم اللغة العبرية.. ثم تشجعت أكثر فالتحقت بإحدي المدارس الدينية التي تعلم التلمود.. لقد وجدت نفسها بلا مقدمات أمام الديانة اليهودية وجهاً لوجه.. بل قالت بالحرف الواحد: زلم يكن في استطاعتي أن أشعر بمتعة الحياة في إسرائيل دون أن أكون يهوديةس. ولأن الحب لا توقيت له.. ولا منطق.. ولا عقل.. وقعت بولا في غرام زكوهينس.. تستطع التمييز بين عشقها لكوهين وعشقها للديانة اليهودية.. لقد جرفها التيار إلي الغرامين معاً.. في توقيت واحد.. لكنها أخفت غرام كوهين في قلبها.. بينما أفصحت عن عشق اليهودية.. بل وحدد لها الحاخام موعداً في بيت الدين بتل أبيب حيث يجري تحويلها إلي اليهودية فيما يشبه حفلات العرس! داخل بيت الدين نزلت بولا إلي الحمام المقدس! كانت الشابة الجميلة واعية لكل إجراءات التحوييل.. لكن سعادتها جعلتها لا تفكر كثيراً فيما يحدث.. لقد جلست أمام الحاخام الذي تولي تحويلها قبل أيام من نزولها إلي المغطس المقدس.. وقبلت ساعتها كل شروط الحاخام وهي تكاد تقفز من السعادة.. أقسمت علي التوراة الا تغادر إسرائيل.. وأن تحترم يوم السبت.. ولا تأكل من طعام غير اليهود لأنه طعام غير طاهر! بعد لحظات من نزول بولا في الحمام المقدس نظرت إلي أعلي وهي ترتجف في لحظة لا تتكرر في حياتها مرة أخري.. كان في أعلي المعبد ثلاثة حاخامات يقفون في اتجاه بولا وينظرون نحوها وهي تنعمس في المياه المباركة طبقا لطقوس الديانة اليهودية.. وتخرج بولا لتسمع الحاخامات الثلاثة وهم يهمسون لها »مرحباً بك وسط الشعب اليهودي«. تقول بولا: إن تلك اللحظات كانت أحلي وأروع لحظات عمرها.. لكن المفاجأت لم تكن قد ظهرت بعد! ذهبت بولا إلي الحاخام الذي تولي تحويلها منذ البداية لتحصل علي شهادة تثبت يهوديتها.. وبالفعل حصلت علي الشهادة التي وقعها الحاخام زجوريونس وكانت مذيلة بعبارة »لا تسري هذه الشهادة خارج إسرائيل«. المقصود طبعاً من هذه العبارة ألا تصبح شهادات التحويل وسيلة تحايل وجسرا لليهودية يسارع المتحول باستخدامها خارج إسرائيل ولا يلتزم بخدمة أرض الميعاد! قررت بولا أن تتزوج من كوهين بعد حصولها علي شهادة التحويل.. وغيرها اسمها من بولا إلي ناعومي. لكنها بدأت تصطدم بالعقبات التي أطارت النوم من عينيها! أخبروها أنه طبقا للقانون في إسرائيل لن تتمكن من الزواج من كوهين بالذات! صرخت: »هو حبيبي.. ولن يملأ رجل في العالم كله.. مكانه في قلبي!«.. قالوا لها: »ناسف يا سيدتي لقد أصبحت يهودية وعليك واجب الالتزام بأحكام وشرائع دينك الجديد.. كوهين ممنوع من الزواج من أي مطلقة!« قاطعتهم تسأل في غضب: لكني لست مطلقة! ليس له أن يتزوج من مطلقة أو عاهرة! قاطعتهم من جديد تكاد تفقد صوابها: لكني لست عاهرة! ليس له أن يتزوج من مطلقة أو عاهرة أو محولة للدين اليهودي! بكت بولا.. التي أصبح اسمها ناعومي.. انهمرت دموعها بحرقة.. كيف يساوون بينها وبين العاهرة؟! لماذا تأخذ حكم إنسانة بلا شرف.. وهي التي تحرص علي شرف الزواج! أخيراً نصحوها بأن تسافر خارج إسرائيل.. أي دولة من دول أوروبا حيث يعيش اليهود التابعون لحركة الإصلاح.. هناك يمكنها أن تتزوج ممن تشاء.. إنهم لا يتمسكون في حركة الإصلاح بحذافير التوراة والتلمود كما يحدث داخل إسرائيل من اليهود الأرثوذكس.. لم تكذب بولا خبراً.. طارت إلي إنجلترا مع حبيبها كوهين حيث تم الزواج في أحد المعابد اليهودية الإصلاحية! وتتنفس بولا الصعداء بعد زفافها.. لقد كانت حاملاً في شهرها الثالث دون أن يعلم أحد.. لكنها تعود علي الفور إلي إسرائيل بصحبة زوجها الذي ينتمي إلي طائفة الكهنة المحظور عليهم الزواج إلا طبقاً لأحكام الشرع اليهودي. تنجب بولا ولداً ثم تنجب بنتاً.. وتعيش في سعادة غامرة حتي يكبر الطفلان.. وتأخذهما الأم لتقدم لها في المدرسة.. لتنفجر مفاجأة جديدة لم تحسب لها الأم الشابة حساباً من قبل. أخبروها أن المدرسة اليهودية لن توافق علي قبول الطفلين لأن زواجها باطل! ولأنها تركت إسرائيل وجاءت لتعيش في إنجلترا.. وتلحق أولادها بالمدارس هناك! ثارت الأم.. وطاشت منها الكلمات.. وراحت تبحث عن حل مع الحاخامت اليهود في إنجلترا.. لكن دون جدوي.. اهتمت وسائل الإعلام اليهودية في جميع أنحاء العالم بقضية بولا ويخرج الحاخام زجوريونس عن صمته ويفتح النار علي الأم الشابة التي أشرف علي تحويلها إلي يهودية. قال الحاخام: إن بولا كذبت عليه مرتين.. حينما أخفت عنه أن لها صديقاً من جال الدين.. وأنها حامل منه.. وعندما أقسمت علي التوراة ألا تغادر إسرائيل وغادرتها إلي إنجلترا لتعيش هناك وتلحق أولادها بمدارسها.. وقال الحاخام أن العيب ليس في اليهودية ولكن في السيدة ناعومي.. أو بولا سابقاً! انقسم الرأي العام الإسرائيلي من جديد! معسكر الأرثوذكس يهاجم السيدة بولا التي هجرت أرض الميعاد رغم أنها أقسمت علي التوراة بالحياة فيها.. واحترام التعاليم الشرعية.. وهاجمها المتدينون دون تطرف باعتبارها تزوجت من كوهين رغم الحظر الشرعي! ولم يسلم كوهين هو الآخر من الغمز واللمز.. والنقد اللاذع سواء كناية أو صراحة.. أما معسكر العلمانيين وأتباع حركة الإصلاح وهم ليسوا بقلة داخل إسرائيل فقد وقفوا إلي جوار بولا التي أصبحت صورتها وأخبارها تملأ صحف إسرائيل وأوروبا.. بل أضحت قضيتها مادة خصبة لوسائل الإعلام الإنجليزية واليهودية.. فالسيدة لا تريد أن تتنازل.. تصر علي أن من حق أولادها أن يتعلموا في المدارس اليهودية.. وتعلن أنها ستحارب من أجل قضيتها العادلة حتي لو كلفها ذلك عمرها.. لكن حاخامت إنجلترا ينصحونها بأن تفعل ما تشاء.. لكن من هناك.. من داخل إسرائيل! فجأة.. يتقدم كبير الحاخام بحل لإنقاذ مستقبل الطفلين.. لابد من طلاق بولا وكوهين.. ثم يتم تحويل بولا من جديد إلي اليهودية.. بحيث يختفي كوهين من حياتها تماماً.. لقا كان التحذير واضحاً.. هناك من سيتولي مراقبتكما.. والجزاء سيكون عسيراً لو ثبت أن الطلاق كان شعاراً.. مجرد ستار لحل المشكلة. تصرخ بولا في تحد صريح..تعلن أنها لن توافق علي الطلاق تحت أي ضغط ولن يمكنها الحياة إلا مع كوهين. قالوا لها: »إذن عودي إلي إسرائيل لتسري هذه الشهادة هناك!« إلا أن بولا تصر علي أن من حقها ان تكون يهودية في أي مكان في العالم.. فمن العبث أن تتحكم ورقة في مشاعر الإنسان نحو الدين الذي يختاره.. ومن الظلم أن يحرم أبناء هذا الإنسان من حقوق أطفال آخرين في سنهم.. يهود مثلهم.. متدينون مثلهم.. يرغبون في التعليم ودراسة التوراة.. لكن إجراءات إدارية تقف حائلاً أمام مستقبلهم وديانتهم.. أصبحت بولا هي سيدة الساعة في إسرائيل.. وفي كل التجمعات اليهودية بشتي أنحاء العالم.. خاصة حينما انبري الحاخام زجوريونس ليعلن علي الملأ قراره المثير بإلغاء زواج بولا من كوهين.. وإلغاء تحويل بولا إلي الديانة اليهودية! وهكذا سحبوا الديانة اليهودية من الأم الشابة.. وأرسلت تل أبيب وثائق حاخاماتها إلي المحاكم الإنجليزية التي تنظر قضية بولا. وتقول الوثائق بوضوح وعلنية ان زواج كوهين من بولا.. باطل! لكن يهود حركة الإصلاح مدوا أيديهم بسرعة إلي الام الشابة.. قبلوا طفليها في مدارسهم وسمحوا لها بارتياد معابدهم مع أسرتهم.. لكن بقيت مشكلة أخري أخطر بكثير من كل ما حدث.. لكنها ستنفجر بعد سنوات قليلة.. وبالتحديد حينما يكبر الطفلان.. ويقرران مثل أي يهودي الهجرة إلي إسرائيل.. لن تعترف إسرائيل بأنهما من اليهود.. لأن طائفة اليهود الأرثوذكس هي التي تتولي تنظيم هذه المسائل داخل إسرائيل.. سيكون ضرورياً في هذه الحالة أن تتم عملية تحويل جديدة للأبناء! هذه القضية ما زالت ساخنة داخل إسرائيل.. البعض ينتقد النتيجة التي انتهت إليها.. لأنه غير مضمون حينما يكبر الطفلان أن يظل حماسهما لليهودية.. والبعض يري أنها ناقوس خطر يدق بشدة ليندر إسرائيل بأنها قد تنفجر من داخلها.. دون حروب مع العرب.. ودون أن تنقذها الأسلحة النووية.. لأن وجود شعبين مختلفين تحت راية واحدة سوف يؤدي حتماً إلي الانفجار! ومازالت هذه القضية تسبب حرجاً وجرحاً عميقاً للمطلقات من ناحية أخري.. فلا يمكن الحديث عن ظروف بولا ومأساتها دون الرجوع إلي أساس المشكلة. وهو حرمان رجال الدين من الزواج من العاهرات أو المطلقات أو المحولات لليهودية. فأي واحدة من هؤلاء لا تستحق شرف الارتباط العائلي برجل دين يهودي!