مع انتشار الافكار التكفيرية الإرهابية فى مجتمعاتنا العربية كان لابد للدولة المصرية فى إطار محاربتها للإرهاب أن تستعين بواحد من أكثر المثقفين الذين حاربوا التطرف والإرهاب طوال تاريخهم وهو حلمى النمنم وزير الثقافة الذى يقع على عاتقه الحمل الأكبر فى محاربة التطرف من خلال نشر الثقافة والوعي فى المجتمع الذى تغير كثيرًا خلال الأعوام الماضية بانتشار التطرف حتى داخل الوزارة التى من المفترض أن تحارب التطرف والإرهاب وتنشر التنوير والوعي لذلك كان لابد أن نحاوره لنتعرف أكثر على أفكاره فى محاربة الإرهاب الفكرى داخل وزارة الثقافة. قبل أن تحارب التطرف الفكري في المجتمع لابد من تطهير "بيت الثقافة " فى مصر من التطرف الذى انتشر داخله .. فهل حدث هذا؟ نعم هناك العديد من المتشددين داخل وزارة الثقافة، مثال على ذلك أحد قصور الثقافة فى الوجه البحرى جاءت لى شكوى من احدى الفرق المسرحية التى تعرض هناك أن مدير القصر الثقافى طردهم وقال لهم إن "المسرح حرام وكُفر" فطلبت من الاستاذ محمد ابو الفضل رئيس هيئة قصور الثقافة التحقيق في الموضوع وبعد التحقيق ثبت أن الواقعة صحيحة فكان الإجراء السريع بتحييد هذا المدير وتعيين آخر بدلا منه. تحييده بمعنى إيقافه عن العمل ؟ لا أملك صلاحية إيقافه عن العمل ولكن كل ما نستطيعه هو أن ننقله من مكانه الى آخر بعيدا عن الجمهور، لإن الإيقاف عن العمل يأتى عن طريق النيابة الإدارية ، وهناك حوالى 4 وقائع أخرى بهذا الشكل لأن ده راجع لتقصير من رؤساء مثل هذا المدير وغيره الذين تركوا فى أماكنهم لفترات طويلة بعيدا عن الرقابة ويتم حاليا حصر هذه الوقائع كلها. عندما يتم الحديث حاليا عن قصور الثقافة التابعة للدولة يتبادر إلى الذهن دائما عدم الجدوى وإنه ليس لها صدى فى الشارع؟ هذا كان موجود بالفعل فقصور الثقافة كانت قد فقدت معناها الحقيقي لذلك بدأنا بما يسمى "قوافل التنوير" التى ذهبنا بها للجامعات وكانت البداية من جامعات المنيا وأسيوط وسوهاج وكان اختيارنا لجامعات الصعيد فى البداية مقصود وله هدف، وخلال الفترة القادمة سنذهب الى جامعات بورسعيد والاسكندرية وبقية الجامعات وهناك استجابة كبيرة لهذه القوافل من الطلبة. لماذا بدأت القوافل من الجامعات على وجه الخصوص؟ الجامعات بها نسبة كبيرة من التشدد والمتشددين وفى النهاية هؤلاء طلبة وهم ابناؤنا ولا ينبغى أن نتركهم هكذا لذلك اتصلت بالدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة بعد ثلاثة أيام من حلف اليمين كوزير، وأخبرته أن الفرق التى تذهب إلى الجامعة لاتحقق الهدف التنويرى منها لذلك اقترحت عليه عمل حفلة لعمر خيرت تكون بمثابة الصدمة داخل الجامعة خاصة اذا عرفت ان مبنى الاجتماعات فى جامعة القاهرة يحتمل 3500 فرد على عكس دار الاوبرا المصرية التى أصبحت لاتحتمل المعدل السكانى لمصر فهى لاتتسع لأكثر من 800 فرد فقط ، وبالفعل أقمنا الحفلة وكانت ناجحة جدا وكانت القاعة بأكملها مليئة بالطلبة وهذا اشعرنى بالفخر والامل ، وكان فى الجزء العلوى من القاعة كما اخبرنى رئيس الجامعة طلبة المدينة الجامعية ، والتصور الذى كان يقدم الطلبة على انهم كلهم اخوان انتهى فى هذه اللحظة ، وسيتم تكرار هذه التجربة فى كل الجامعات. كيف يتم التعامل مع الفكر الإرهابى المتواجد حاليا فى العديد من الاماكن والجامعات؟ اولا الارهاب كجريمة يتم مواجهته بالشرطة والقوات المسلحة ونحن نرى الدور العظيم الذى تقوم به القوات المسلحة والشرطة المدنية فى سيناء وكافة ربوع الجمهورية أما بالنسبة للثقافة فى مواجهة الفكر المتطرف فنحن بدأنا فعليا فى ذلك من اليوم الاول لوجودى فى وزارة الثقافة من خلال قوافل التنوير ونشر الثقافة فى الجامعات وفى المدارس بإرسال كتب تنويرية لمكتبات المدارس وطالبنا وزارة التربية والتعليم بضرورة أخذ رأى الوزارة فى المواد الثقافية التى تدرس للطلبة، بالاضافة الى تجديد الخطاب الدينى الذى يطالب به الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتقوم حاليا وزارة الثقافة بالتجهيز لمؤتمر كبير لتجديد الخطاب الثقافى فى المجلس الاعلى للثقافة ، وبدأت اللجان العلمية تعمل من أجل تجديد الخطاب الدينى والثقافى كاملا، ويجب ان تكون هذه هى قضية الدولة والمجتمع والجميع يجب ان يعمل كل فى تخصصه من أجل التجديد، فهناك إرادة سياسية لنشر الثقافة وتجديد الخطاب الدينى ويجب استغلالها بطريقة جيدة فهذه هى المرة الاولى التى يطالب فيها رئيس الجمهورية بتجديد الخطاب ونشر ثقافة التسامح والحب والإخاء ، فتجارب التجديد السابقة كانت تتم تحت الضغوط الواردة الينا من الغرب من محمد على للخديوى اسماعيل وطوال القرن العشرين اثناء وجود الاحتلال الانجليزى لكن الآن بسبب انتشار التطرف والتشدد كان لابد من تجديد الخطاب، فبذرة الارهاب بدأت من مصر مع فكر حسن البنا وسيد قطب لذلك يجب على مصر ان تضطلع بهذا الدور التنويرى للقضاء على الارهاب. هل اختلف حلمى النمنم الوزير عن حلمى النمنم رئيس هيئة دار الكتب والوثائق ورئيس الهيئة العامة للكتاب؟ طبعا هناك اختلاف كبير فمن موقع المثقف رئيس هيئة لم أكن على دراية بكافة التفاصيل وكنت ارى عموميات المواضيع أما على مستوى الوزارة فالامر يختلف فأنا اصبحت مسئولا عن اكثر من هيئة واصبحت مسئولا دستوريًا عن نشر الثقافة فى مصر كلها وهذه مسئولية كبيرة جدا اتمنى ان انجح فيها. هل هناك فساد داخل وزارة الثقافة ؟ كل مكان فى مصر به فساد من وجهة نظرى ولا يختلف الموضوع سواء كان قطاع عام او خاص او غيره ، كل المؤسسات الحكومية بها فساد لانك لن تدخل مؤسسة إلا ويكون اغلب الموظفين اقارب، فى مصر التى ثارت على التوريث السياسي تعانى من التوريث الإدارى بصورة هائلة ويجب ان تكون هناك ثورة إدارية، فمثلا عندما كنت رئيسا لمجلس إدارة دار الهلال كانت هناك عائلات ممتدة اجيال وراء اجيال فى المؤسسة، وفى مؤسسات اخرى عندما تدخل ادارة ما تجد كل الموظفين الموجودين من اسرة واحدة ولو تم تحويل احد للتحقيق لن تجد من يشهد عليه لان كلها عائلة واحدة وهتلاقى ده فى كل مؤسسات الدولة والهيكل الادارى للدولة كله تحول فى الاربعين عاما الماضيين، عن طريقهم كانت النغمة السائدة تخصيص 10% من الوظائف لابناء العاملين ليتسع المجال لابناء اشقاء العاملين وابناء شقيقاتهم وابناء عمومتهم ولو هناك بحث ستكتشف أن النسبة تصل الى 100% اقارب العاملين ، وده فى كل مكان واكثرهم فى المؤسسات الصحفية القومية هناك عرف اسمه الاولوية لابناء العاملين وهذا معناه غياب العدالة وفقًا للدستور الذى يقول ان الجميع متساوى فى الفرص، فمثل زواج الاقارب الذى يؤدى الى ذرية مريضة ، فى الادارة يثمر ايضا عن اجيال ضعيفة لذلك اصبح لدينا ضعف فى المستوى الادارى ويجب اصلاحه بإنهاء توريث الوظائف ، انا عارف إن الموضوع صعب لكن مفيش حاجة مستحيلة. هل بدأت تنفذ هذا فى وزارتك ؟ انا نقلت ناس لكن لن يستطيع وزير واحد أن يفعل كل شىء فانا هنقل واحد اتنين 10 لكن لن استطيع ان انقل 100 او 200 او اكثر، فمثلا هناك ادارة كل من يعمل فيها من قرية واحدة والناس اللى فيها بيروحوا فى اتوبيس واحد يعنى من الساعة واحدة متلقيش حد فى مكتبه لان الجميع مشي وده كانت عقبات وبنحاول نتلافاها لكنها تحتاج الى إرادة دولة. متى سنستطيع القضاء على هذه الظاهرة ؟ أولا لابد من تطبيق قانون الخدمة المدنية ومن بدء تنفيذه يحتاج الامر لعشر سنوات للقضاء على ظاهرة ابناء العاملين والتوريث الإدارى داخل جهاز الدولة فالامر لن يكون بين يوم وليلة فهؤلاء الموظفون لهم كافة الحقوق القانونية والإدارية فنحن نتحدث عن جهاز حكومى فيه حوالى 6 مليون موظف. هل الامكانيات متوفرة امامك لتحقيق طموحاتك وخططك كوزير للثقافة ؟ هناك امكانيات موجودة فى وزارة الثقافة ساعدتنى كثيرا وهى وجود مؤسسات دولة قائمة ، بعضها كان يحتاج لنوع من التنشيط الادارى من خلال تغيير فى رئيس مؤسسة او القائم بقيادتها، وهناك مؤسسات كان الوضع بها اصعب فهى تحتاج لإعادة النظر فى هيكلها الادارى بالكامل، حيث تم تجريفها خاصة إذا عرفنا أن المتميزين من خريجي الجامعات بعد عام 80 يذهبون الى القطاع الخاص بعد وقف التعيين فى الحكومة وهذا جرف المؤسسات الحكومية ، والباقون من الشباب المتميزين جاءوا للعمل فى الحكومة بعد عدم تمكنهم من العمل فى القطاع الخاص ، وحتى هؤلاء المتميزين لم يأتوا الى الحكومة بالطريق السليم فأغلبهم جاء خلال مواسم الانتخابات البرلمانية السابقة من قبل نظام مبارك وكان شعارهم " دخل ناس جديدة بعقود للحكومة " لحل مشكلة البطالة. كيف يؤثرهذا الكلام عليك فى وزارة الثقافة ؟ لان تلك التعيينات كانت تحصل كثيرا فى وزارة الثقافة فخلال عهد مبارك كان عضو مجلس الشعب الذى يريد أن يحصل على أصوات اهالى دائرته يدخل 10 او 20 من اهالى دائرته لوزارة الثقافة، ومثال فى أحد قصور الثقافة عُين 900 عامل وموظف قبل افتتاحه وكانوا يتقاضون أجورهم كاملة ، وأثناء افتتاحه بعد ثورة يناير 2011 أهالى المنطقة قطعوا الطريق وطالبوا بتعيين ابنائهم مثل ابناء الفلول الذين تم تعيينهم قبل الافتتاح، وفى هذا اليوم عُين 300 إضافيين ليصبح مجموع العاملين فى هذا القصر فقط 1200 عامل ويتقاضون أجورهم كاملة ، وهذا المكان يشغله 50 شخصا على الاكثر، وهؤلاء اصبحوا موظفين فى الدولة لهم مرتباتهم و حوافزهم ولا يستطيع أحد أن يفصلهم ، والمشكلة ليست فى وزارة الثقافة بمفردها لكن فى جميع مؤسسات الدولة. هل هناك حلول لمشكلة التكدس الإدارى فى مؤسسات الدولة ولا ملهاش حل؟ في حلول طبعا منها نقل الموظفين إلى الاماكن الجديدة التى يتم افتتاحها فى المدن والمحافظات الجديدة بالاضافة الى وقف التعيينات بالحكومة تحت أى مسمى ولو فيه اضطرار للتعيين يكون تحت شروط صعبة وتكون عن طريق الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة فهو الذى يعلن عن الترقيات والتعيينات. وهل تم تنفيذ هذا الحل فى قصر الثقافة المعين فيه 1200 موظف ؟ كان قصر ثقافة الغردقة مفيهوش موظفين وطلب اللواء أحمد عبد الله محافظ البحر الاحمر الاستعانة بموظفين فى قصر الثقافة ، فقمنا بنقل بعض الموظفين الموجودين فى قصر الثقافة اللى فيه 1200 موظف وهو قصر ثقافة الاقصر، والصراحة عملوا شغل محترم جدا . قصور الثقافة كانت تقدم عددا كبيرا من المبدعين لكن ذلك اختفى فى السنوات الاخيرة التى انتشرت فيها ثقافة التطرف ..ما الدور الذى تقدمه الوزارة لعودة الابداع لقصور الثقافة ؟ قصور الثقافة تعرضت لمصاعب كثيرة خلال السنوات الماضية والدولة تسرعت فى افتتاح بيوت ثقافية دون امكانيات وقبل تجهيزها بالقدر الكافى، و هناك بعض الامثلة مثل كارثة مسرح بنى سويف خلال عهد الوزير فاروق حسنى تم تشكيل لجنة وكنت عضوا فيها وعندما ذهبنا الى الصعيد شاهدنا بيوت ثقافة لاتصلح لتكون كذلك فهناك شقة 30 مترا واسمها بيت ثقافة أو غرفة في بيت ريفى واسمها بيت ثقافة. المثقف الموجود فى الاقاليم يشعر بالتهميش والعزلة ويكون كل هدفه هو الوصول للقاهرة لنشر ابداعه هل تتيح له الوزارة هذا؟ الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة والمثقفون يتحملون الخطأ الثقافى فى مصر منذ القدم ، فنحن فى مصر ارتضينا قسمة غير عادلة فى الوضع الثقافى الى أن اصبحنا نفتقد العدالة الثقافية فالوزارة والمثقين قالوا إن القاهرة لها دار الاوبرا والمجلس القومى للثقافة ولها المؤتمرات الدولية والمسارح الكبرى وإن الاقاليم والارياف لها الثقافة الجماهيرية وهذا أدى الى العزلة بين الطرفين وانغلق كل طرف على ذاته وتحولنا الى الاقليمية المقيتة وشعر مثقفى الاقاليم بالعزلة والتهميش وأصبحت كل أمانيهم هو الحضور للقاهرة لتقديم إبداعاتهم وتصورنا أن الثقافة فى القاهرة هى الحفلات فى دار الاوبرا وأن الاقاليم كبيرهم أوى هو عمل ندوة فى قصر ثقافة أو فرقة مسرحية تعرض فى قصر الثقافة لكن ما كان يجب أن يحدث هو أن تأتى الفرق للقاهرة لتعرض ابداعاتها ويحدث اندماج بين الثقافات، وكذلك يذهب من فى القاهرة إلى الاقاليم لعرض مسرحياتهم وابداعهم فى الاقاليم الأخرى. ما أهم المشاريع التى يعمل عليها الوزير المثقف حلمى النمنم ؟ أهم مشاريعي إنشاء دار للاوبرا فى كل مدينة مصرية وستكون البداية من الاقصر وأسوان فلا يعقل أن تكون فى مصر دار اوبرا واحدة منذ أيام الخديوى اسماعيل وحتى الآن وسيتم افتتاح دور للاوبرا فى الاقصر وأسوان كما قلت من قبل وفى المنصورة خلال 2016 ليتم اضافتهم لفرعي دمنهور والاسكندرية . وحاليا الدولة تجهز لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة والتى ستحتوى على دار اوبرا كبرى ومقر لدار الوثائق المصرية.