النساء دائماً ما يرتبطن بكل ما هو جميل في هذه الحياة، لكن ماذا لو اقترنت أسماؤهن بالسجن، بحيث تصبح المرأة قاتلة وسارقة وسجانة أيضاً حتى لا يبقى أمامك إلا أن تنظر إليهن من تلك النافذة الصغيرة التى تطل على الحقيقة، وستجدهن بأرديتهن البيضاء يحكين واقعاً أخرجته كاملة أبو ذكرى وكتبت أحداثه مريم نعوم فى تعاونهما التليفزيونى الثانى "سجن النسا"، وفى هذا الحوار يتحدثن عن نساء سجن القناطر وحكاياتهن وكيف خرج هذا العمل من بين أسوار سجن القناطر: للمرة الثانية يجتمعان.. مخرجة وصلت إلى حد الكمال أتت به من عالم السينما لعالم التليفزيون، فهى لم تهمل قاعدة سينمائية واحدة فى مسلسلها الجديد، لتخرج كاملة أبوذكرى برائعة حققت نجاحاً كبيراً خلال فترة عرضها فى رمضان، وتحصل على إجماع النقاد باعتبارها المخرجة الأفضل لهذا الموسم وسط العديد من المسلسلات.. أما الثانية فهى الكاتبة مريم نعوم التى تسلمت بين يديها مسرحية كتبتها الراحلة فتحية العسال فى ثمانينات القرن الماضى ودارت قصتها خلال هذه الحقبة لتحولها نعوم إلى قطعة درامية تتناول الواقع الحالى بحالاته المختلفة وسوداويته، فيأخذانا إلى داخل سجن النسا الذى امتدت أسواره إلى خارج زنازينه وعنابره، فغالية ورضا وزينات ودلال هن نساء السجن وبطلاته.. وبعيداً عن التعاطف فهن الضحية والجناة فى وقت واحد، وهذا تحديداً سر النجاح الذى حققه المسلسل.. فكيف تصبح القاتلة هى القتيلة فى نفس الوقت، وتتفاجأ السارقة أنها مسروقة بينما يجبرن على تقبل حياتهن التى أتين بها من السجن الأكبر المسمى "مجتمع" إلى السجن الأصغر المسمى "سجن النسا". تبدأ كاملة أبو ذكرى حديثها عن ذكرياتها مع بدايات المسلسل وذلك مع زيارتها لسجن القناطر للنساء بعد أن عرض عليها المنتج جمال العدل نص المسرحية، وتقول: عندما قرأت المسرحية للمرة الأولى وجدت أن أحداثها تدور فى فترة السبعينيات، فقد كانت قصص الكثير من أبطالها تحمل الطابع السياسي، وعندما تحدثت إلى مريم قبل أن تشرع فى تحويلها لعمل درامى قلت لها إننى لا أرغب فى تناول هذا الجانب، وفى نفس الوقت أكدت لى أنها بالفعل كان حاضراً عندها أن تستبعد هذا الجانب مع بداية كتابتها، وأن التناول سيسلط الضوء على قصص إنسانية من واقع المجتمع أكثر مثل شخصية "حياة" تلك السيدة التى تعانى من وسواس قهرى من كل ما يحاوطها من المجتمع كنظرات الناس والتلوث إلى آخره، وهو ما دفعها فى النهاية لأن تقتل أولادها بالسم وتسجن، وهناك أيضاً قصة رضا التى جسدتها روبى فهى قصة حقيقية دارت أحداثها فى حى الزمالك وتم إعدام "الشغالة" التى قتلت ابنة من كانت تعمل عندهم. أما مريم نعوم فتقول: مسلسل "سجن النسا" يختلف تماما عن المسرحية حتى أن معظم الشخصيات لم توجد فى النص الأصلي، لهذا فالعمل مأخوذ عن مسرحية الراحلة فتحية العسال، بل إنى حددت فى هذا العمل لنفسى أن أبدأ من وجهة نظرى فى السجن بشكل عام، وعن السجن الجنائى وليس السياسي، فكيف يخوض الناس حياتهن وهن سجانات وسجينات ومن أين سأنطلق خارج واقع ملاحظاتى فقط. بعد أن قدمتما تجربة "ذات" من قبل، وسجن النسا الآن يصنف النقاد تعاونكما هذا بأنه دراما نسائية نظراً لموضوعها ومن يشارك فيها أيضاً.. ما رأيكما؟ كاملة: بالعكس فأنا ما دفعنى أولا لقبول مسلسل سجن النسا وذات من قبله كان الموضوع الذى يتناول قضايا مهمة للجميع سواء كانوا رجالا أو نساء، فليس معنى أن كل فريق العمل من النساء واسمه سجن النسا أن يصنف على أنه دراما نسائية فقط، وما أرغب فيه هو أن تكون الأعمال التى أقدمها فى الفترة القادمة أكثر شمولية. تكمل مريم: لن أسميها دراما نسائية لأن فعلياً صناع العمل أغلبهم من النساء، لكن الدراما نفسها تأثيرها يقع على الرجال أيضاً حتى لو كان كل أبطال المسلسل سيدات، فالمجتمع يضم طبقات مقهورة من كلا الجنسين على السواء وفى "سجن النسا" ظهر ما أتحدث عنه هنا حتى أن الحلقة الأضعف فى كل هذا كان الأطفال، فهم من دفعوا ثمن أخطاء المجتمع فى الحقيقة ! لكن ما السر وراء الاعتماد على أعمال أدبية لتقديم دراما تليفزيونية ف "ذات" رواية للكاتب الكبير صنع الله إبراهيم و"سجن النسا" مسرحية روائية للكاتبة الراحلة فتحية العسال؟ مريم : هذه صدفة، فكون العملين اللذين قدمتهما فى السابق مأخوذين عن روايات بالإضافة إلى مسلسل "سجن النسا" جعل من الأمر أكثر صعوبة وفى الأساس كل مسلسل وله صعوباته الخاصة سواء فى الفكرة أو التناول أو الشخصيات، ففى كل ما قدمته سابقاً كان يهمنى أكثر أن يكون الموضوع صادقا وبعيدا عن أى تحريف. كاملة: الأدب بطبيعة الحال يعتبر نسخة مركزة للدراما، ولكن فى الحقيقة خلال هاتين التجربتين فالمنتج هو من اختار الرواية والمسرحية، لكن عند العمل عليهما نجد أن هناك اختلافاً كبيراً فعند تحويل نص أدبى لدرامى نجد أنفسنا نتناوله بصورة مختلفة عند أصله، والأدب بطبيعة الحال يضيف للدراما، فهو يعطى قيمة وموضوعا قويا ، وفكرة يمكن أن نبنى عليها ما نريده من دراما، فأزمة أى مسلسل أو عمل درامى هى الفكرة وفى مصر الكثير من الأعمال الروائية التى يمكن أن تتحول لسيناريوهات سينمائية أو تليفزيونية . فى النص الأصلى للمسلسل تدور الأحداث فى زمن سابق للوقت الحالي، فما السر فى تغيير زمن وشخصيات "سجن النسا"؟ مريم : المسرحية أحداثها تدور فى الثمانينيات وأنا وكاملة ولدنا فى هذه الفترة فلم نعايش أحداثها بشكل مباشر لأننا كنا صغاراً وقتها، بل سمعنا عما دار فقط، وهذا ما دفعنى أن أحول الفترة التى تدور فى قصة المسلسل من فترة الثمانينيات إلى الوقت الحالي، فالحديث عن الواقع الاجتماعى إذا أردنا أن يحقق نجاحاً وتأثيراً يجب أن يكون زمنه آنيا، وذلك لتحقيق المصداقية بصورة أكبر، ففى سجن النسا كان الهدف أن نعرض كيف نرى الأوضاع الاجتماعية من حولنا وكيف تؤثر على سجينات ينقطعن عن هذا المجتمع من خلال قصص مختلفة لكل واحدة منهن، فغالية هى السجانة التى تحولت إلى سجينة لأنها قتلت، وزينات تفاجأ بأن كليتها تمت سرقتها فى المستشفى، وشعورها بالأمان فى مشهد عودتها للسجن من جديد، وهناك أيضاً دلال التى تم اتهامها فى قضية دعارة، وعزيزة تاجرة المخدرات، وهى كلها تفاصيل من المجتمع تجتمع معا داخل أسوار مكان واحد فقط، وهذا بالطبع سيخلق دراما تختلف كثيراً عن نظرتنا للسجن ومن فيه. أجبركما المسلسل على زيارة سجن النساء لأول مرة فى حياتكما وبالطبع هناك تغيرات أصابتكما جراء هذه الزيارة.. ألا تتفقان معي؟ كاملة: أتفق تماماً، فعندما ذهبت إلى سجن النساء فى القناطر كانت تحضر فى بالى صورة ذهنية معينة يتفق عليها الكثيرون ممن لم يروا هذا العالم، لكن بعد دخولى هناك اكتشفت أن كل هذه الأفكار ليست موجودة فقد كنت أتوقع ان أرى وجوها حزينة أو قاسية، لكن ما وجدته نساء يعشن حياتهن مثل أى شخص بل إن هناك منهن من تضع الماكياج أو ترتدى ملابس باهظة الثمن، وأتذكر أننى ومريم عندما قررنا الذهاب إلى هناك لمعاينة مواقع التصوير الخارجية ورؤية الوضع على حقيقته اتفقنا ألا نحضر أنفسنا بصورة وكأننا مخرجة وكاتبة بل كأشخاص عاديين، ومنذ هذا اليوم تغيرت الصورة بدرجة كبيرة حتى أننا لم نتخيل هذه العلاقة بين السجينات والسجانات أنفسهن مثل ما حدث مع عزيزة وغالية، وقد صورنا فى السجن ثلاثة أيام لمشهد سجن القناطر من الخارج ومشهدين واحد فى المغسلة وآخر فى المكتبة، وأما الديكور فقد كان يحاكى السجن وزنازينه من الداخل حتى فى الإضاءة والشكل. مريم: ذهبت أكثر من مرة لسجن القناطر، نظراً لأننى كنت أتحدث مع الكثير من السجينات لأعرف حكاياتهن وأرصد ما يعشن فيه من واقع، فهناك الكثير من القصص الحقيقية التى ظهرت فى المسلسل وهناك أيضاً قصص أخرى مستوحاة من وقع ما شاهدته. وجهت سؤالاً لكاملة عن أولى القصص التى قرأتها فى السيناريو وأجابت: غالية وصابر ومريم كانوا أول من قرأت قصتهم فى بدايات التحضير للعمل، وأعجبتنى كثيراً اللغة التى يتحدثون بها وعلاقة الحب والكره التى تحمل كثيراً من المتناقضات، فمثلا غالية تشعر أنها خدعت فى صابر الذى اتضح مع الوقت أنه يحمل جانباً شريراً. التعاطف مع المذنبين من ضمن ما أخذ على المسلسل ففى الحكايات المختلفة من السجن يبرز أن اللوم يلقى بالكامل على المجتمع وليس على من أجرم.. ما هو ردك؟ كاملة : فى النهاية هذا عالم مجرمين ولا نريد أن نقول أن هناك مظلومات بالداخل، فبين هذه الأسوار جميع الأنواع من البشر، لكن ليس شرطاً أن يكون المجرم فقط داخل السجن بل خارجه أيضاً، فبصفة عامة المسلسل يثير إعادة التفكير فى الخير والشر ومن هو المجرم الحقيقى الذى لا ينبغى التعاطف معه بأى شكل من الأشكال، فعلى قدر الخطيئة هناك عقاب وكان السؤال الذى أطرحه لنفسي، كيف سنعاقب هؤلاء النساء وبعد أن تعاملت معهن كأى شخص ورأيت جانبهن الإنساني. وما أصعب المشاهد التى قمت بتصويرها؟ كانت من أصعب المشاهد التى صورتها مشهد إحراق روبى لابنة من كانت تعمل عندهم، وأيضاً حياة وهى تضع السم فى طعام أولادها، أيضاً مشهد إعدام رضا، فقد تأثرت نفسياً وحتى هذا اليوم بسبب تصوير مثل هذه المشاهد، وسأحتاج لوقت كبير حتى أستطيع العودة لطبيعتي، إذ كنت أشعر وكأننى سجينة معهن. أخيراً، قلت لكاملة إنها قالت العام الماضى فى حوار سابق إنها لن تشارك فى أى عمل تليفزيونى مجددا بعد تجربة "ذات" لكنها فاجأت الجميع بعودتها بمسلسل سجن النسا ليحقق نجاحاً كبيراً يضيف لمسيرتها فكانت إجابتها: بالفعل كنت قد اتخذت قرارا بالابتعاد تماما عن التليفزيون بعد تجربة ذات التى رغم أنها سببت لى إرهاقاً فقد حققت نجاحاً العام الماضي، هذا النجاح سبب عودتى من جديد، إذ إن الشركة المنتجة حمستنى أيضاً وتفهمها وإدراكها أنهم يريدون عملاً ناجحاً.. لكن على الجانب الآخر فتوقف السينما لم يترك لى خياراً للعودة للإخراج التليفزيوني، رغم أننى كنت آمل أن أعود فى فيلم سينمائي، إلا أن سجن النسا أستطيع القول إننى ركزت عليه كثيراً أو كما يقولون "عملته بمزاج".. وبصراحة أخشى الاستمرار فى المسلسلات لتخوفى من أن أنسى القواعد السينمائية لأن الفرق بينهما كبير فالسينما تعتمد على التفاصيل لما تتميز به من مساحة وقت وهو ما لم يحدث معى فى ذات وسجن النسا. وأنت يا مريم ما شعورك بعد أن اختارك النقاد كأحسن سيناريست لهذا العام؟ سعيدة جداً من هذا التقدير للمسلسل، فأنا أنتظر دائماً كل عام لآخر شهر رمضان لحين الحكم النهائى على ما أقدمه، والحمد لله وفقنا الله فى هذا العمل.