سكان الحى يعتبرون مسلسل «سجن النسا» دمر سمعتهم.. ويطالبون بإيقافه لأنه «يوقف حال» بناتهم السجانات: حررنا محضرًا ضد صُناع المسلسل.. ومنعنا نيللى كريم من دخول الحى أو السجن مرة أخرى حالات الطلاق والانفصال زادت بين السجانات فور عرض المسلسل.. وكل السكان يكرهونه حتى الأطفال الفن ليس نقلًا حرفيًا للواقع، وكل مبدع لابد أن يضع رؤيته ويوقع ببصمته على العمل الفنى حتى يصبح معبرًا عنه، لأن نقل الواقع كما هو لا ينتج عنه عمل فنى، بل عمل تسجيلى. هذا هو ما لا يعرفه سكان «حى السجانات»، الحى الذى ظل مجهولًا عشرات السنين، ثم صار أشهر حى فى مصر حاليًا بعد عرض مسلسل «سجن النسا» الذى حقق نسبة مشاهدة عالية جدًا، كما أثار الكثير من الجدل حول الطريقة التى عرض بها حياة السجانات داخل وخارج أسوار السجن. رؤيتنا للحلقات الأولى من مسلسل «سجن النسا» كان الخيط الذى دلنا على الحى المسكوت عنه «حى السجانات»، والذى تدور فيه الكثير من أحداث مسلسل «سجن النسا». أحداث المسلسل الدرامية أثارت فضول المشاهدين، الذين لم يعتادوا رؤية ما يجرى داخل الزنازين، وكان جديدًا عليهم متابعة التفاعلات والصراعات بين السجانات والنزيلات.. وكى نرصد حقيقة هذا العالم، ومدى مطابقة الواقع للخيال حاولنا زيارة سجن القناطر من الداخل وتصويره، لمعرفة تفاصيل أكثر عن السجانات والسجينات، ولتتبع الخيوط التى نسجت منها الكاتبة الصحفية «فتحية العسال» نسيج كتابها، الذى كتبت عنه مريم ناعوم سيناريو المسلسل. كان رد المسئولين هو الرفض، وقال مسئولو مصلحة السجون أن التصوير بداخلها الآن ممنوع، وعندما بحثنا عن سبب ذلك اكتشفنا أن السجانات بعد مشاهدتهن الحلقات الأولى للمسلسل شعرن بالإهانة من الصورة التى ظهرن بها على الشاشة، لأن ما عرضه المسلسل خلال حلقاته ليس له أى علاقة بالواقع الحقيقى داخل السجن - من وجهة نظرهن - وذلك ما جعل محررة «الصباح» تصر على التوجه إلى حى السجانات الذى تم تصوير مشاهد المسلسل فيه، لنكشف الخيط الرفيع الذى يفصل بين الواقع والخيال. بمجرد اقترابنا من القناطر الخيرية سألنا أحد المارة عن مكان حى السجانات بالتحديد، وكان رده علينا هو «حضرتك جايه عشان تمثلى هنا ؟» معتقدًا أننى جزء من فريق العمل فى المسلسل، وكان ردى نعم حتى يقوم بوصف الطريق لى. شوارع حى السجانات ضيقة، وبيوته بسيطة ملتصقة ببعضها، والشوارع شبه خالية من المارة رغم أن الوقت كان ظهرًا. وبسؤال أحد المارة النادرين قال لى «ما فيش حد موجود فى الوقت ده لأن السجانات بتخرج من السجن الساعة خمسة». هذه المعلومة جعلتنى أتأكد من أن هذا الحى كافة المقيمات به سجانات، وبالتالى كل تفاصيل الحى مبنية عليهن وعلى مهنتهن الشاقة، فقررت الانتظار حتى نهاية وردية العمل فى السجن، وأثناء الانتظار طرقت أحد الأبواب، وفتحت لى إحدى الفتيات، والتى بعد أن عرفتها بنفسى عرفت أنها ابنة إحدى السجانات. سألت الشابة عن رأيها فى مسلسل «سجن النسا» الذى اقترب من تفاصيل حياتهن بشكل كبير، فقالت بلهفة وكأنها كانت تنتظر هذا السؤال بالذات: «نحن نبكى دمًا بسبب هذا المسلسل الذى سوأ سمعتنا بين الناس، لأنه أظهر بنت السجانة فى صورة فتاة سيئة السمعة تستغل فرصة خروج والدتها إلى السجن وتلتقى بعشاقها داخل المنزل، وهذا الكلام عارٍ تمام من الصحة وليس له علاقة بالواقع». أجلستنى الفتاة المجروحة داخل شقتهم انتظارًا لعودة والدتها من عملها داخل السجن، وحاولت أن أشرح لها أن العمل الفنى له واقعه المختلف عن الحياة، وأن ابنة السجانة فى المسلسل لا تتطابق معها، لكنها بالتأكيد كانت فى حالة من الأسى أكبر من قدرتى على مواساتها. قررت أن أتجول مرة أخرى داخل الحى لأعرف تفاصيل أكثر، فطرقت باب منزل آخر، وفتحت لى سيدة عرفت أنها سجانة أيضا، لكنها فى يوم إجازتها، وكانت المفاجأة بالنسبة لى عندما علمت أنها تعمل فى سجن الرجال، فلم أكن أعلم أن هناك سجانات يعملن بسجن الرجال. روت لى السجانة التى تحرس الرجال عما وصفته ب«المأساة» التى يعيشونها بسبب مسلسل «سجن النسا»، وقالت إنه جلب لهن العار بين الأقارب والأصدقاء، وجعل كل من يعرفهن يأخذ عنهن فكرة سيئة جدًا، رغم أنهن استبشرن خيرًا فى البداية لأن الدراما التليفزيونية اهتمت بهن أخيرا وظهر مسلسل يتحدث عن هذا الحى الذى لم يكن يعرفه أحد. السجانة قالت إن المسلسل ليس له أى علاقة بالواقع الموجود داخل الحى، وأنها حزينة على ما تعرضوا له من إهانة على يد صناع المسلسل، خاصة أن فريق عمل المسلسل عندما كان يصور حلقاته بينهم لم يكن سكان الحى يعرفون بالشكل النهائى الذى ستخرج به الحلقات، وكان آخر ما يتوقعونه هو أن تشوه صورتهن بهذا الشكل على حد وصفهن. تجولت قليلًا لأتفقد تفاصيل هذا الحى الذى لم يعد غامضًا، ونظرًا لضيق الشوارع بداخله ولأن جميع المقيمين به يعرفون بعضهم التف حولى الأطفال لأننى غريبة، وعندها شاهدتنى سيدة أخرى جاءت صوبى للحديث معى، وعرفت أنها سجانة أيضا مثل الباقيات، فهو «حى السجانات» حرفيًا، وعندما حاولت أن أحصل منها على أى معلومات عن أصل الحى أو عن رأيها فى المسلسل رفضت الحديث معى فور أن علمت أنى صحفية، وقالت لى: «كل اللى عايزه أوصله هو رسالة واحدة، إن لازم المسلسل ده يتم وقفه.. هاتقدرى تعملى كده ؟» وكان ردى لها أن كل ما أستطيع فعله هو توصيل صوتها للرأى العام، ولهذا فيجب أن تتحدث معى ليعرف الناس رأيها، لكنها أصرت على عدم الحديث وتركتنى وتوجهت إلى منزلها. بعد ذلك وجدت سيدة تتشاجر مع أحد الرجال، ودفعنى الفضول للاقتراب من هذه المشاجرة، وعلمت أنهم يعرفون هويتى من الأطفال الذين داروا حولى داخل الحى، بل وعرفت أنهم يتشاجرون بسببى! أردت معرفة سبب هذا الخلاف الذى وقع بين الرجل والمرأة بشأنى، فوجدت السيدة تقول للرجل: «حسبى الله ونعم الوكيل فيك، أنت السبب فى أن الناس دى تعمل المسلسل لأنك سيبتهم يصوروا فى بيتك» لأكتشف أن ذلك الرجل هو صاحب الشقة التى صورت فيها النجمة نيللى كريم دور «غالية» بطلة مسلسل «سجن النسا». حاولت التحدث مع السيدة، التى كانت أيضا سجانة، لكنها رفضت الحديث معى بشكل حاسم، وقالت لى «عندما تحصلين على إذن من مساعد الوزير سأتحدث معك، لأننا ممنوعون من الحديث فى هذا الموضوع، خاصة أن مدير مصلحة السجون فى محاولة لامتصاص غضب السجانات من المسلسل منع التصوير داخل السجن». قمت على الفور بعدها بالتوجه إلى الرجل صاحب المنزل الذى تم تمثيل دور غالية به، وأصررت على أن يصحبنى إلى ذلك المنزل، وأثناء الطريق عرفت منه أن منتج المسلسل طلب منه تأجير منزله وهو عبارة عن غرفة وصالة لأنه سيقوم بتصوير عمل فنى، ولكنه لم يكن يعلم بأنهم سيشوهون صورة السجانات داخل المسلسل على حد وصفه، وقال إنه يشعر بالحزن لأن الأهالى غاضبة منه ولا يتحدثون معه، وافتعلوا معه الكثير من المشاجرات ويريدون إخراجه من الحى بأى طريقة لأنهم يعتبرونه خائنًا وهو السبب فيما حصل لهم. الرجل قال إنه عندما أجر الشقة لفريق العمل لم يكن يتابع ما يجرى تصويره، وكان الاتفاق أن يترك لهم المكان بالكامل حتى نهاية التصوير، وقال إنه نادم على ذلك لأن الألفاظ التى سمعها داخل المسلسل كانت غير لائقة. تجولت قليلًا داخل منزل غالية الذى رأيته كثيرًا فى المسلسل، وعندما خرجت وجدت أحد الأطفال يريدنى أن أتحدث مع إحدى السيدات القعيدات. توجهت إلى السيدة التى أجلستنى بجوارها، وقالت إن بعض المشاهد الموجودة بالمسلسل تم تصويرها داخل منزلها أيضا، وأنها غاضبة جدًا مما شاهدته فى المسلسل الذى شوه صورة السجانات أمام مصر كلها، وقاطعت حديثها ابنتها التى ما زالت تعمل سجانة قائلة: «أنا مطلقة ومازلت أعيش أنا وابنتى مع أمى، ولو شاهد والد الفتاة هذا المسلسل سيرفع علىّ قضية لاستعادة ابنته بحجة أننى لا أستطيع تربيتها بسبب سوء سلوكى» مؤكدة أن صور المسلسل تسبب فى مشاكل لإحدى الفتيات مع خطيبها لدرجة فسخ الخطبة. عندما انتهيت من كل هذه النقاشات كانت عقارب الساعة تشير إلى الخامسة عصرًا، بعدها ظهرت السجانات بالشارع بعد أن عدن من وردية العمل فى السجن، حاولت أن أتحدث إليهن لكن الأغلبية العظمى رفضت، ربما بسبب قرار مساعد الوزير الذى يلزمهن الصمت وإلا تعرضن للعقاب الوظيفى، لكن بعد إصرارى وإلحاحى جاءتنى إحداهن متحمسة، وقالت إن هذا المسلسل «سيوقف حال» السجانات ويتسبب لهن فى الطلاق وخراب البيوت، خاصة أن الرجال لايعرفون الفرق بين الواقع والخيال، وكل ما يرونه على الشاشة يفترضون أنه حقيقة دقيقة، وقالت إن أكثر ما يضايقها أن الناس فى الشارع الآن صاروا ينادونهن باسم غالية على سبيل المعايرة. السجانة الشجاعة اعترفت لى أن هناك سجانة زميلة لهن تدعى «غالية» بالفعل وأنها ليست متزوجة، وأنها منذ بدأ عرض المسلسل وهى فى حالة انزعاج شديد ولا تخرج من المنزل إطلاقًا، خاصة أن الناس تظن أن المسلسل يتحدث عن حياتها لأن بطلة المسلسل لها نفس اسمها، وأضافت: «أنا بدأ أهل زوجى فى البحيرة يسألون إن كان ما يذاع فى المسلسل هو الحقيقة». أغلب السجانات اجتمعن على رأى واحد، وهو المطالبة بوقف المسلسل بسبب الاستياء الشديد من الطريقة السلبية التى رسم بها صُناع العمل سجاناته، خاصة بعض المشاهد التى ظهرت فيها بطلة المسلسل وهى تخفى صُباع الروج فى «صدرها»، أو تسرق قميص النوم الأحمر، أيضا اعترضن على ذهاب غالية فى المسلسل إلى منزل تاجرة المخدرات لأن هذا لا يحدث على الإطلاق بالسجن، موضحات أن علاقة السجانة تنتهى بالمسجاين بمجرد انتهاء العمل، كما أغضبهن كثيرًا قول خطيب غالية لها فى أحد المشاهد «انتى بتدينى فلوس عشان أمتعك» مما قد يتسبب فى عنوسة البنات وعدم زواجهن بسبب الاستهتار بسمعتهن فى المسلسل، ظنًا من الناس بأن كل ما يحدث به حقيقى. اختتمت معى السجانات الغاضبات الحوار بأنهن رفضن أن تكمل نيللى كريم التصوير داخل السجن، ومنعوها من دخول حى السجانات وحررن محضرًا ضد صُناع المسلسل لوقف عرضه، وهو هدفهن الوحيد فى الحياة حاليًا.