كيف يمكن أن تشاهد الواقع الذى تعيشه دون أن تكون قد رأيته من قبل؟ هذا هو السؤال الذى يطرحه مسلسل «سجن النسا» للكاتبة مريم نعوم والمخرجة كاملة أبو ذكرى، وهو أحد أكثر المسلسلات تأثيرًا فى الجمهور خلال الموسم الرمضانى الحالى، ويمثل حالة فنية مكتملة استحوذت على قلوب المشاهدين، الذين تفاعلوا معه منذ مشاهد الحلقات الأولى، لدرجة أن البعض نسى أسماء الفنانين وتذكر أسماء شخصياته. استطاع المسلسل المتقَن أن يحظى باهتمام جماهيرى لقدرته على تناول حياة السجينات والسجانات بكل التفاصيل التى من الممكن أن تجدها داخل السجن، ولكن بصورة عميقة، فمشاهد العمل تعكس مسجونات، كلهن مسجونات، حتى اللاتى يقمن بدور السجانات، فهناك السجينة فى عمل لا تحبه، وهناك السجينة مع رجل لا تريده، وهناك السجينة فى الحياة بدوّامتها ورتابتها بحثا عن لقمة عيش آمنة قد لا تجدها إلا حين تقرر أن تأكل بثدييها فتحترف الدعارة. لكن اللافت أن أبطال العمل ليسوا فقط الممثلين، ولا المخرجة والسيناريست فحسب، بل العناصر المكملة التى بها اكتملت الحالة، الإضاءة والكاميرا والملابس والديكور، كلها عناصر ساعدت المخرجة على أن تقدم نقلة نوعية فى الصورة التليفزيونية. مريم نعوم: القصص غير حقيقية.. وتَطابُق بعض الأسماء «مصادفة» بعد أن حَظِى مسلسلها «سجن النساء» بنسبة مُشاهدة عالية، وحقق نجاحا كبيرا، فى الوقت الذى أثار كثيرا من الجدل حول تطابُق بعض الوقائع والأسماء فى المسلسل مع الواقع، إضافة إلى اعتراض بعض السجَّانات بشدة على ما ورد فى المسلسل، قالت كاتبة السيناريو والحوار، مريم نعوم، إن المسلسل خرج بالشكل المنتظر، ومن الطبيعى أن تتفاوت الآراء فى الاستجابة للعمل وكيفية تلقيه، فهناك مَن سيتعاطف مع الشخصيات من منظور إنسانى، وهناك مَن سيكرهها، ولا توجد شخصية فى عمل فنى ستتفق عليها كل الآراء. نعوم أكدت أن كل الشخصيات التى ظهرت داخل السجن وتتبَّع المسلسل مسار حياتها «غير حقيقية»، ولا تمتّ للواقع بصلة، نافيةً أنها ذهبت إلى السجن للتعرف على قصص السجينات وتفاصيل حياتهن الشخصية، إنما ذهبت للتعرف على شكل الحياة داخل السجن، ورصد تفاصيل الحياة اليومية داخل العنابر فى السلوك والتعامل بين السجينات والسجانات، قائلة: «كل القصص التى ظهرت داخل المسلسل هى من تأليفى، وأؤكد أن تطابُق اسم غالية مع اسم شخصية حقيقية كانت مسجونة جاء مصادفةً، وفى كل الأعمال الدرامية دائما يتم تناول اسم شخصية موجودة فى الحياة مع إحدى الشخصيات الفنية فى العمل». مريم نعوم دافعت عن الصورة التى رآها البعض «خشنة وقاسية» داخل المسلسل، قائلة: «الواقع أكثر قسوة بمراحل من التى ظهر بها فى (سجن النسا)، لكن الناس هم الذين يريدون أن يغمضوا أعينهم ولا يريدون رؤيته، كما أننا نقلنا جزءا من الواقع وليس كله، لأن الواقع كله ليس بهذا الشكل، فنحن نقلنا صورة عن حياة سيدات تجبرهن ظروفهن على دخول السجن». وعن انتقاد بعض المشاهد التى وصفها البعض بأنها «خادشة للحياء»، قالت مريم: «لا أكترث بذلك، وأرى أن وجود قنوات كثيرة وأعمال عديدة معروضة هذا العام يعطى فرصة للجمهور فى الاختيار بين المسلسلات الأقرب لهم وتناسبهم، ومَن يشعر أن المسلسل لا يناسب ذوقه يستطيع تغيير القناة، فليس هناك إجبار لأى شخص على مشاهدة ما لا يريده، فعدد المسلسلات الموجود يوائم أذواقا كثيرة». مؤلفة «سجن النساء» أضافت: «رغم أن المسلسل مأخوذ عن عمل أدبى تم تقديمه على المسرح فإننى لم أقتبس أى شىء منه سوى فكرة المكان، وأن يكون اسمه (سجن النسا)، لكن الشخصيات والتفاصيل الداخلية ليس لها أى علاقة بالمسرحية، وأنا أعتبر المسلسل قصتى، لأننى بالفعل لم أعتمد على أى شىء من المسرحية، وأعتقد أننى عندما أشتغل على أعمال أدبية فهذا لا يعيب، إنما يكون تحديا أكبر بالنسبة إلىَّ.. أنا لدىَّ مشكلة أنه يتحتم علىَّ تقديم أعمال من تأليفى، وهناك أفكار تراودنى لتقديمها خلال الفترة القادمة». سلوى عثمان: نيللى كريم تستحق «الأوسكار» الفنانة سلوى عثمان أدَّت دورا لافتا فى مسلسل «سجن النسا»، دورا أخرجت من خلاله طاقات إبداعية لم تكن قد اكتشفتها من قبل، تقول: «شخصية إحسان إنسانة تحبّ مصلحتها، لأنها تريد تربية أولادها وتسعى لجمع الأموال، ولذلك تضطر إلى الاتجار فى الحشيش، ورغم ذلك فيها الجانب الطيب». عثمان أوضحت: «المخرجة كاملة أبو ذكرى ذهبت إلى السجن برفقة المؤلفة لرؤية النساء داخل السجن على طبيعتهن، وكيف يتصرَّفن ويعيشن، وهل ممكن أن تضع السجَّانات مكياجا، وحتى مهندسة الديكور ذهبت معهما حتى تنقل شكل السجن بالكامل، ولم يكتشف أحد أن ما صوَّرنا به هو ديكور وليس السجن الحقيقى، كما قد عشت بعض الوقت مع بعض السجَّانات الحقيقيات فى منازلهن التى تُعطيها لهن الحكومة، وشاهدت طريقة حديثهن وتعبيرات وجوههن».سلوى عثمان أضافت: «المسلسل نقل الواقع الحقيقى الصعب، فنحن لا نعيش واقعا ورديا، وكل الناس تغيَّرت من تصرفات وأخلاقيات، ورغم ذلك فالسجانات اللاتى يعملن بالمهنة غضبن منا، لكننى أقول لهن إن السلبيات موجودة فى أى مهنة ليست السجانات فقط، وفى أى مهنة الصالح والطالح». عثمان قالت: «المسلسل حقَّق نجاحا كبيرا مع الجمهور لأسباب عديدة، أولها أننا شعب عاطفى تعاطف مع الشخصيات الواقع عليها الظلم، وثانيا أن عالم السجن غريب بالنسبة إلى الجمهور فلا يعرفون ما يحدث بداخله، وطول عمرنا بنشوف السجن من الخارج دون الدقة فى الوصف». وأضافت: «كما أن كاملة أبو ذكرى تهتم بالمشاعر الدقيقة بداخل الممثل، وأخرجت من كل واحد فينا كل المشاعر والأشياء الجيدة». سلوى تابعت: «كل عناصر المسلسل كانوا فى أفضل حالاتهم، وقدَّموا كل ما لديهم بنسبة 100%، ونيللى كريم تستحق (الأوسكار) صراحة، وقدَّمت كل مشاهدها بتعبيرات وجه فى غاية الدقة، أما روبى فأنا أحبها جدا وهى ممثلة متميزة جدا، وكذلك درة وأحمد داوود ونسرين أمين، وكل فريق العمل، ولا ننسى نانسى عبد الفتاح، مديرة التصوير، التى قدَّمت صورة هائلة عملت على تكملة الإخراج الرائع لكاملة أبو ذكرى، وأسهمت مع الإضاءة فى توصيل الأحاسيس بشكل سلس». سلوى عثمان ختمت كلامها بسعادتها للمشاركة فى هذا المسلسل، وقالت: «ولدت فنيا من جديد على يد كاملة أبو ذكرى». جمال العدل: اتهامنا بتشويه صورة السجَّانات «كلام عبيط» وراء كل مسلسل نجوم تقف من ورائه، ولعلّ المنتج من عناصر العمل الفنى المهمة. منتج مسلسل «سجن النسا»، جمال العدل، يقول: «عندما أدخل أى عمل فنى لا بد أن أضع أمام عينى أن يخرج فى أفضل شكل ممكن، ومنذ أن اشترينا الرواية الأدبية، ونحن مدركين أن الموضوع قوى وسيؤثر فى الناس بشكل كبير، لأن عالم النساء جذَّاب جدا للجمهور، وبه خفايا عديدة، بالإضافة إلى أن موضوع سجن النساء جديد على الدراما ولم يتم تقديمه بهذا الشكل من قبل. العدل أضاف: «فى الحقيقة ديكور المسلسل هو بطل العمل، لأنه يعد نسخة كربونية من سجن النساء الحقيقى بالقناطر الخيرية الذى كان من الصعب علينا التصوير فيه، وقد تكلَّف بناء الديكور مبالغ كبيرة جدا، لأنه تم بناؤه على مساحة 3 أفدنة، وقد تناولنا كل النماذج وما يجرى داخل السجن. كما أن العناصر الأخرى من إضاءة وتصوير وملابس وموسيقى كانت فى أفضل حالاتها». وعن تناول المسلسل للنماذج السلبية، أوضح العدل: «عندما نضع أيدينا على السلبيات نكون قد وصلنا إلى الإيجابيات، فنحن نسلِّط الضوء على السيئ فى المجتمع من أجل وضع حلول لها، ومن ثمَّ تنتهى هذه الظواهر، سواء أكانت تحرشا أو دعارة أو قتلا أو سرقة... وغيرها، ورغم كل ذلك تناولنا بعضا من النماذج الإيجابية أيضا». وعلَّق العدل على اتهام المسلسل بتشويه صورة السجانات، موضحا: «هذا كلام عبيط وأهبل، ولا بد أن يحدث ذلك فى كل عام عندما يتم تناول أى عمل فنى لبعض النماذج السيئة فى المهن المختلفة، سواء أكانت شرطة أو صحافة أو رجال دين، وذلك فى الحقيقة يُعطِّل الدراما، فكل القطاعات مثلما بها الجيد بها السيئ، والكل يطالبنا بتقديم دراما متطورة، فكيف نعمل على التطوير وكلما نقدِّم شيئا سلبيا نجد مَن يخرج ويقاضى هذه الأعمال؟! والنماذج التى تم تناولها فى (سجن النسا) ليست لها علاقة مقصودة بشخص معين، كما لن يؤثر إطلاقا على أى قطاع، وأن كل هذه المحاولات لتعطيل الدراما لن تأتى بفائدة». تامر كروان: الموسيقى الحزينة تناسب مآسى المسلسل الموسيقار تامر كروان مؤلف الموسيقى التصويرية للعمل قال: «(سجن النسا) من الأعمال الهامة جدا، وإن المقطوعة التى ألفتها للعمل جاءت له بعد فترة من التحضير فكانت البداية مع قراءتى السيناريو الذى كتبته مريم نعوم وكذلك قراءة معالجة المسرحية التى تحمل نفس الاسم للكاتبة الراحلة فتحية العسال، وفكرت فى نوع المزيكا التى من الممكن أن تناسب هذه الأحداث، وبعد ذلك حصلت على بعض المشاهد وحلقات من التى تم الانتهاء من تصويرها، بالإضافة إلى حضورى يومى تصوير حتى أقف عند الشكل النهائى للموسيقى التى أقوم بتأليفها لملاءمة أحداث العمل». كروان يضيف: «أهم عامل فى مهنة التأليف الموسيقى هو العمل على الصورة، ولذلك عندما رأيت بعض حلقات من العمل وجدته مليئا بالمآسى، وأن الحزن يخيم على عديد من المشاهد، ولكنى لم أخص مشاهد بعينها، مثل التى جمعت غالية مع صابر وغالبية مشاهد الدموع لغالية، حتى أضع لها موسيقى مناسبة، وإنما ألفت موسيقى تناسب كل الشخصيات وتلائم طبيعة المسلسل ككل، فالأحداث كلها تدور حول قهر المجتمع وظلمه والحياة فى سجن حقيقى، ولكن بعض المشاهد الحزينة جدا زادت معها درجة الحزن فى الموسيقى. الموسيقار تامر كروان أوضح: «رغم كل هذه المآسى الموجودة فى أحداث العمل فإنه لم يخلُ من الموسيقى التى بها فرح وبهجة، ولكنها كانت بنسبة قليلة وتحتوى على شجن أكثر، والحقيقة أحمد الله على النجاح على الموسيقى اللافتة، وذلك يدل على المجهود الكبير المبذول من كل صناع العمل، والشغل المتكامل مع فريق متعاون تحت إدارة المخرجة كاملة أبو زكرى التى أدارت الموضوع بكفاءة عالية وأضافت جوا من الألفة بين فريق العمل». كروان تابع: «أعتقد أن الناس أصبحت أكثر وعيا من السابق بتقدير القيمة الفنية للعناصر الأخرى غير الفنانين، فنحن ملحنون وموزعون نؤلف موسيقى للمسلسلات وأصبح تسليط الضوء على كل العناصر فى أى عمل أكثر من السابق».