مخلفات الحرائق وطلقات الرصاص اخترقت الجدران.. ورائحة الموت تخيم علي المكان شجار عادي وبسيط بين شباب متهور ادي لمعركة بين قبيلتي الدابودية وبني هلال ادي الي سقوط 26 قتيلا وعشرات من المصابين الاخبار نجحت في الوصول لمنطقة زرزارة التي كانت مسرحا لمعركة دارات ايام ونجحت في الوصول لمشاهد الخراب والدمار التي لم يستطع احد الوصول اليها.. واجهتنا تحذيرات امنية شديدة اللهجة خوفا علي حياتنا ولكن ايمانا منا بحق القارئ في معرفة الموقف علي الطبيعة خاطرنا بحياتنا ضاربين بكل التحذيرات عرض الحائط... ومع الساعات الاولي من صباح امس انطلقنا مستقلين سيارة رفض صاحبها في البداية اصطحابنا لمجرد ذكر رغبتنا في الوصول الي زرزارة مع تعهدنا له بتحمل ما ينجم عن احداث... استطعنا اقناعه بعد محاولات طويلة. مسافة تتجاوز 15 كيلو مترا عن مدينة اسوان مؤدية الي الجبل ومظاهر الخوف والرعب تحيطنا من كل اتجاه نجد اناسا لا نعرفهم يلوحون لنا بايديهم بعدم الاستمرار بالسير وكاننا في منطقة الغام يخشي الاهالي علينا ان تنفجر فينا، كلما تحركنا صوب الهدف نزداد رعبا من تلك التحذيرات وخوفا من مصير مجهول وبعد 15 دقيقة استطعنا الوصول الي الهدف المنشود "زرزارة" بعد السير في طرق غير مهددة. رائحة الموت تبعث من المنازل المحترقة فتباينت مشاعرنا مابين فرحة غمرت قلوبنا لمجرد وصولنا اليها سرعان ما تبدل لحزن مع رؤيتنا لمشاهد الخرابو الدمار التي خلفتها معركة الدابودية وبني هلال منازل محترقة، وآثار طلقالت الرصاص تخترق النوافذ والأبواب، منازل نهبت عن آخرها بما تحوية من تجهيزات لعرائس كانوا يستعدون للزفاف. ورائحة الحيوانات المتفحمة تزكم الانوف وتبعث منها روائح كريهه لا يستطيع بشر تحملها مما اضطرنا لاستخدام كمامات ترحمنا من تلك الروائح خلال جولة في موقع الاحداث امتدت لاكثر من ثلاث ساعات وفجأة وسط مشاهد مأساوية وجدنا عجوزا تجلس في مدخل منزل تبكي حالها وسط الانقاض. وفور رؤيتها لنا هرولت الينا لتروي همومها ومأساتها قائلة ان اسمها سعاد عبدالحميد محمود »60 عاما» فقدت اثنين من ابنائها، تلطم الخدود حين تذكرتهم وتبكي بحرقة علي فراقهما. اتقتلوا غدر في نص الليل، ملهمش ذنب يموتوا في عز شبابهم، تركوني وحيدة في الدنيا دون أحد يرعاني وتركو لي أطفالهم يتامي احدهم ترك طفلا لم يمر علي مولده 3 أيام. وجذبتنا سعاد لداخل المنزل تطلب من زميلنا المصور خالد عبدالوهاب ان يلتقط صورا لما تبقي من حطام لاثاث المنزل تشير بأصبعها لطلقات الرصاص وتقول انها استيقظت من نومها علي اصوات طلقات الرصاص التي اخترقت النوافذ والابواب من كل اتجاه ليخرج ابنها الاكبر مهرولا بملابسه الداخلية لاستطلاع الامر فلقي حدفه متأثرا بوابل من الرصاص اخترق جسده النحيف، في الوقت الذي أسرع فيه شقيقه الاصغر لانقاذه فلقي مصيره محتضنا اخيه. وتضع يدها علي رأسها قائلة "آآآآآآآه علي حالي، حرقوا داري، ويتموا احفادي" وتدخل في نوبة بكاء لم نستطع بعدها تهدئتها لننصرف بعد ان زرفت اعيننا بالدمع حزنا علي مأساتها... نتجول لنرصد منازل هجرها الاهل فارين من جحيم المعركة تركوا الاموال والبيوت فارين بحياتهم حياة من يعولون فمنهم من نجح ومنهم من لقي حدفه فور خروجه الي الشارع دون شفقة أو رحمة ممن يطلق الرصاص عليهم أو يزرع الاسلحة البيضاء في أجسادهم ا سترعي انتباهنا وسط السكون كلب اختبأ اسفل سبيل مستسلم لا يتحرك ولا يحرك ساكنا سوي نظرة عينيه وكأن لسان حاله يقول "دار يا دار يا دار قولي فين أصحابك يا دار". وصلنا لأحد حظائر المواشي احترقت أبوابها وتنبعث منها رائحة نتنة وكأنك وسط اموات دفنوا حديثا من جراء احتراقها لنرتدي الكمامة حتي نستطيع الدخول وسط أصرار منا علي نقل المشاهد كاملة كما هي دون تزييف او تحريف ونلتقط الصورلما تبقي من عظام المواشي بعد ان اكلت النار لحومها وفحمت عظامها خرجنا مسرعين غير متحملين الرائحة واستمر تجوالنا في تفقد اثار الدمار التي لحقت بالمنزل تلو الآخر.... لعب اطفال تركوها لينجوا بحياتهم وتجهيزات عرائس وعرسان كانوا يستعدون لزفافهم فمنهم من زف الي الآخرة ومنهم من نجي من الموت.... سيارات محترقة لم تبق منها الا هيكلها الحديدي... انتهينا من رصد المشاهد المأساوية غير مصدقين نجاحنا في الوصول الي زرزارة التي ظلت حديث وسائل الاعلام لمدة اسبوع كامل لم يستطيع خلاله احدا الوصول اليها لنسجل بالقلم ما رأته اعيننا وسجلته عدسة الاخبار من منطقة زرزارة.