".. وقال آخر أزواجها وهو لواء شرطة بالمعاش إنه كان مستغرقا فى النوم حينما دق جرس تليفونه المحمول بإلحاح، ولما استيقظ وفتح الخط فوجئ بها تطمئن عليه وتعتذر عن كل ما بدر منها فى حقه وتطلب منه السماح! ولما سألها أين هى؟! أغلقت الخط فقام من سريره وأضاء الحجرة وظل يبحث عن الرقم الذى تلقى منه المكالمة فلم يجد له أثرا فى المكالمات المستلمة أو التى لم يرد عليها أو حتى التى طلبها"! كانت معروفة فى النادى الشهير ببنت الباشا، فكل أجدادها من بهوات وباشوات مصر قبل ثورة يوليو! وكانت معروفة بين رجال الأعمال بالمرأة الحديدية بعد أن ورثت عن والدها ملايين الجنيهات واستثمرتها فى مجال المقاولات ولم تخسر طوال عملها مزادا أو مناقصة رغم منافسة الكبار لها!.. وكانت فى عيون الرجال مثل الفاكهة النادرة التى تظهر فى غير آوانها!.. بينما فى الحفلات والسهرات التى تحضرها بانتظام كانت تبدو كسفيرة لنجمات هوليوود فى الشتاء، ويظنها البعض من نجمات الإغراء فى الصيف حينما تلمع أشعة الشمس فوق جسدها المتحرر على شواطئ مارينا! عاشت حياتها طولا وعرضا.. زارت معظم عواصم العالم.. ركبت الطائرة والباخرة وطافت بين دول أوروبا بالقطار.. وتعاملت بالدولار واليورو والين والدينار الكويتى والفرنك الفرنسى والجنيه المصرى.. وسجلت أرصدتها فى بنوك سويسراوأمريكا وألمانيا.. وضمت فى ألبومها صورا لها وسط حمام لندن، وتحت برج إيفل وأمام تمثال الحرية وداخل تاج محل أشهر قبل لأشهر عاشقين فى القرن العشرين!.. وزينت جدران فيلتها بأجمل لوحات كبار الفنانين فى العالم بعد أن اشترتها بمئات الألوف من الدولارات!
الذين يعرفونها وصفوها بالجنون عندما قررت ألا يكون لحجرة نومها شبيه فى مصر، فاشترت سريرها من أحد متاحف النمسا بنصف مليون دولار، فقد كان سرير إحدى أميرات القرن التاسع عشر وصار فى العالم العربى أغلى سرير تنام فوقه امرأة!.. وصفوها - أيضا بالمرأة اللغز، فهى تمارس عملها كجندى فى ساحة المعركة وتعيش قصص الحب كأنها هى التى اخترعت الرومانسية!! داخل شركتها أسد متحفز يرهب كل العاملين فى مجال المقاولات، ومع كل رجل أحبته عصفور رقيق لايهرب أبدا من بين أصابع صاحبه! كانت تتوج كل غراميتها بالزواج، إلا أنها لم يعش لها زوج واحد، فقد كانت تشترط بقاء العصمة فى يدها وسرعان ما يصيبها الزهق والملل فتطلق زوجها بإحسان أو تطرده من حياتها قبل أن يشبع منها!.. أو يطفىء نار الشوق إليها! ولهذا لم تنجب ولم تشعر بالحنين إلى الأمومة فحياتها مزدحمة ومليئة بالأحداث والأسرار والأخبار والصفقات.. وسبعة أزواج دخل كل منهم جنتها ولم يصدق يوما أنه خرج منها! فجأة.. خرجت "نانى" من عيادة أكبر الأطباء وقد زلزلتها نتائج الفحوص والتحليلات والأشعات.. أسودت الدنيا فى عينيها حينما أدركت أن الأورام السرطانية توغلت فيها رغم الفحوص الطبية الدورية التى كانت تحرص عليها، وعجز الأطباء عن مواجهة المرض فنصحوها بالسفر إلى أمريكا.. أرسلت الفحوص والأشعات للمستشفى الأمريكى الشهير، وجاء الرد صريحا وصاعقا: نسبة النجاح ضئيلة! عرفت نانى لأول مرة طعم البكاء والحزن والندم.. لم تصدق أن قطار العمر يوشك أن يصل بها محطته الأخيرة، عز عليها فراق الدنيا والمال والشهرة والمتعة، لكنها قررت أن تواجه الموقف بشجاعة وألا تخسر الجولة الأخيرة كما خسرت كل الجولات السابقة بالبعد عن الله، فالموت يعنى لقاء الله.. وهى لم تستعد أبدا لهذا اللقاء! أسرعت إلى أحد الدعاة الإسلاميين المعروفين حيث كنت أنا معه فى مكتبه، جلست نانى أمامه وحكت له قصتها الكاملة دون حذف أو خجل أو حذر.. وفى النهاية لخصت موقفها الأخير بأنها لم تحج رغم استطاعتها ولم تحرص على صلاة أو صوم أو زكاة وعاشت مفتونة بنفسها عاشقة للحياة، فكيف تصلح ما بينها وبين الله قبل يومين من سفرها إلى أمريكا والذى تعود منه داخل صندوق الموتى! قال لها الداعية الإسلامى: - ".. لاتخافين من هذا اللقاء أبدا، بشرط البدء فورا بركعتين بنية التوبة وبتركيز شديد دون شرود أو سرحان والبدء فورا بصلاة قيام الليل فهى من أسباب الشفاء وأن تكون نيتك معقودة على الالتزام بها وبالفروض مهما كانت ساعات أو أيام أو سنوات العمر القادم. وغادرت سيدة الأعمال مجلسنا وهى أقل انزعاجا عن حالتها حينما دخلت علينا.. ولأن قصتها شدتنى قررت أن أتابع الفصل الأخير منها.. وعلمت أن "نانى" نفذت النصيحة حرفيا، وعادت من أمريكا بعد خمسة وأربعين يوما وهى تطير من فوق الأرض، قالت للداعية الإسلامى إنهم فى المستشفى الأمريكى الكبير أخبروها أنه لا وجود للأورام فى الأشعات التى أجروها لها وأن الأشعات التى حضرت بها من مصر تبدو كما لو كانت لامرأة أخرى!.. وقال لى الداعية الإسلامى أنها صفت كل أعمالها وباعت معظم ممتلكاتها وارتدت الحجاب وشطبت اسم نانى من الوجود، وعادت لاسمها الحقيقى "عنايات"!.. وبعد ثلاثة أعوام التقيت به مرة أخرى وسألته عنها لإجراء حوار صحفى معها.. لكن جاءنى رده الغريب قال لى: هم يروون عنها حكايات أشبه بالأساطير بعد أن اختفت تماما عن العيون.. البعض يقول إنهم شاهدوها بالملابس البيضاء بالقرب من المقابر بصلاح سالم، فلما نزل أحدهم من سيارته وأسرع نحوها لم يجد شيئا فى المكان كله!.. وموظف البنك قال إنه يصرف شيكات كثيرة بتوقيعاتها لأشخاص لايعرفهم، وإحدى صديقاتها أكدت أنها زارتها فى ملابسها وتراعى الله فى سلوكياتها وظلت هذه الصديقة تسخر من الرؤية أمام صديقات النادى حتى سمعوا بحادث انقلاب سيارتها فى طريق الأوتوستراد بعد مائة يوم من الرؤية!.. وقال آخر أزواجها وهو لواء شرطة بالمعاش إنه كان مستغرقا فى النوم حينما دق جرس تليفونه المحمول بإلحاح، ولما استيقظ وفتح الخط فوجئ بها تطمئن عليه وتعتذر عن كل ما بدر منها فى حقه وتطلب منه السماح! ولما سألها أين هى؟! أغلقت الخط فقام من سريره وأضاء الحجرة وظل يبحث عن الرقم الذى تلقى منه المكالمة فلم يجد له أثرا فى المكالمات المستلمة أو التى لم يرد عليها أو حتى التى طلبها! ومثلما كانت عنايات لغزا بين الذين يعرفونها، أصبحت لغزا بعد أن اختفت عنهم دون أن يعرفوا إن كان ظهورها المثير الآن بمثابة الشبح أو الطيف أو الخيال الذى تركته عنايات يلعب بعقول الناس!
ولازالت عنايات تظهر للبعض دون أن يتمكن أحد من مصافحتها أو الحديث معها أو معرفة أين تعيش ومن أين تظهر وأين تختفى ثانيا! أنا شخصيا مازلت أبحث عنها!