من يريد أن يثقل ميزان حسناته في هذه الايام المباركة .. ومن يريد أن يتعامل مع الملائكة السيارة فوق الارض .. فالطريق سهل ومفروش بالورود من خلال تقديم يد العون إلى واحدة من المستضعفات اللاتى يعشن بيننا .. إنها زهرة من بنات حواء .. لم تسقط فى الخريف وإنما شاء قدرها أن ينزل بها ابتلاء يختبرها .. ويختبرنا .. مطلوب منها الصبر .. ومطلوب منا عمل الخير .. ما هى قصتها؟ .. وما هو الابتلاء الذى نزل بها؟ .. وماذا نفعل لانتشالها من المحنة التى اسمها حسناء .. والحسن بها صفة واسم .. وجهها حسن .. واخلاقها حسنة .. وصوتها تكاد تسمعه .. عكاز والدتها داخل البيت .. ونظرة الامل بالنسبة لوالدها . هى آخر عنقود ثلاث بنات لابويها .. الاثنتان تزوجتا وحياتهما مستقرة .. وهى كالمكوك داخل البيت .. لا يهدأ منذ الصباح الباكر حتى الليل .. تساعد امها فى نظافة البيت .. وتعمل على تحضير الطعام .. ووسط تلبية طلبات البيت تتولى رعاية جدتها القعيدة من الالف الى الياء دون كلل أو ملل . حسناء وسط كل هذه المسئوليات التى ارتمت على كتفيها برغم حداثة سنها .. إلا أنها لم تبد يوما اعتراض .. ولم تفضل عيش حياتها كفتاة صغيرة منطلقة .. لكنها اثرت نفسها وفكت ضفائرها لتكبر قبل آوانها .. لم تفكر يوما فى أن تضيف هما فوق هم ابوها الذى كان من ضمن ضحايا الازمة الاقتصادية الطاحنة التى تعيشها البلاد .. فقد تم تسريحه من عمله الوحيد مع مجموعة كبيرة من زملائه السائقين بحجة أن المكان الذى يعمل فيه خسر خسارة فادحة .. والحل فى تخفيف العمالة لتوفير المرتبات. ووسط كل هذا حدث ما هز كيان هذه الاسرة الصغيرة البائسة .. حدث ما فطر قلب الام وانهمرت بسببه دموع الاب . فبعد يوم طويل شاق لحسناء مابين طلبات البيت وجدتها القعيدة .. نامت المسكينة فى الارض بالقرب من سرير جدتها .. نامت وكأنها فقدت الوعى من دغدغة عظامها.. ألقت بجسدها المنهك على الارض تحاول رأب الصدع به .. حتى رفع المؤذن آذان فجر يوم جديد .. لتخرج الناس للصلاة وتعود مرة اخرى إلى بيوتها لتكمل نومها .. وهنا بدأت قصة ألم المسكينة حسناء . بصوت واهن ضعيف نادت الجدة القعيدة مرات عديدة على حسناء .. وبعد أن سمعتها الحفيدة قامت واقفة تلبى النداء .. لكنها وقفت على قدميها ويبدو أن عقلها يرفض الاستيقاظ ليس لشدة تعب جسدها .. ولكن نداء الجدة القعيدة كان اقوى من التعب. عاوزة ايه يا جدتي .. جملة قالتها حسناء بصعوبة بالغة تحاول جاهدة التركيز والخروج من غلبة النوم .. والجدة المسكينة لا تتحمل نسمات الصبح التى تضرب جسدها المريض المنهك .. نسمات اشعرتها أن هناك سهاما تضرب عظامها من تحت لحمها دون رحمة .. كل ما تريده الجدة هوغلق الشباك المفتوح حتى ترتاح من الالم .. قالتها الجدة " اقفلى الشباك يا حسناء يابنتى .. مش متحمله الهواء " .. وفجأة اصبحت حسناء مثل الحاسب الآلى الذي تم ادخال الامر له .. ينفذ دون أن يدرى ما حوله " .. توجهت حسناء إلى الشباك .. صعدت على السرير الذى ترقد عليه الجدة .. ومدت يدها لتلتقط الشيش .. لكن يبدو أن النوم كان ومازال يسيطر على حسناء. فقدت المسكينة توازنها .. وكما يقال .. غلبتها رأسها .. ليتهاوى جسدها .. وتسقط من شباك الشقة الكائنة بالدور الاول بعد الارضى .. تسقط مباشرة على وجهها لتحدث صوت ارتطام كبير .. صوت ايقظ والدتها من نومها لتسأل نفسها ما هذا الصوت الغريب ؟!. عم غريب الذى يسكن فى العقار المقابل بالدور الارضى كان جالسا فى شرفة منزله يحتسى كوبا من الشاى .. ترتعد فرائصه من هول ما شاهد امامه .. قلبه كاد أن يتوقف من مشهد حسناء ابنة الاسطى شعبان جاره مدرجة فى دمائها .. تخرج الدماء بغزارة من فمها .. قفز الرجل من شرفته ليجد حسناء فاقدة الوعى تماما .. صرخ بأعلى صوته ليجتمع اغلب اهل الشارع حول حسناء وسط صرخات امها .. وتم حمل حسناء وتم نقلها الى مستشفى الساحل التعليمى . ولان الفقير ليس له فرصة فى الحصول على خدمات علاجية آدمية على الاقل .. كانت قلة الامكانيات بالمستشفى السبب .. والاب بين نارين .. نار ابنته المكسورة ذراعيها .. والمكسورة فكيها واسنانها .. ونار زحام المرضى داخل المستشفى وتكالبهم على الاطباء الذين يفعلون كل ما فى وسعهم لخدمة المرضى قدر استطاعتهم .. لكن ليس في الامكان احسن مما كان .. لم تقدم مستشفى الساحل سوى الاسعافات الاولية والاشاعات التى تطمئن أن حسناء حياتها ليست مهددة .. لكن فى نفس الوقت حسناء محتاجة إلى طريق علاج طويل بأموال كثيرة لا تملك منها قرشا واحدا .. حسناء تحتاج لعمليات فى ذراعيها المسحوقة عظامهما .. وفكيها المصابان بكسور عديدة وشروخ .. هذا غير الشرخ بجمجمتها اسفل عينها اليسرى . حسناء الآن طريحة الفراش داخل بيتها .. تنتظر رحمى الخالق .. لايسكت لسانها عن ذكر كلمة " الحمد لله " .. تصبر على قدرها .. فهل نكون سببا فى دفع هذا الهم الكبير عن حسناء ؟! . قد يصعب على الرجال أن يتحملوها؟!