" ما اصعبها لحظات حينما تتلقي خبر مقتل طفليك بعد ان فشلت فى مساومة قاتليهم فى قيمة الفدية مقابل انقاذهم من الموت على رقبتهم .. تدور بك الأرض و تتذلل لطوب الأرض لتجمع ما يخلص رقبة ابنائك من المجرمين .. ولكن يد الغدر كانت أسرع فى تخلص المختطفون من الطفلين بعد أن تأخر الأب المكلوم فى دفع الفدية ليعود إليه ابنيه جثتين هامدتين .. الصراخ فى هذه اللحظة ليس كافياً لتعويض ما ألقاه القدر على ظهر اسرة فقيرة ولكنه الواقع المؤلم الذى فرض نفسه على هذه الاسرة التى لا تقوى على قوت يومها إلا بإرادة الله .. الوقت تجاوز العاشرة مساءً ، المكان منطقة ابوالنمرس بالجيزة،الحدث لوعة اب تحرق قلبه بحثاً عن ابنيه اللذين اختفيا فى ظروف غامضة دون سابق إنذار أو تلقى أى تهديدات من احد دون أن يخيل فى ذهنه أن يساومه احد على طلب فدية نظراً لكونه رجل فقير ورزقه على الله ، خيبت الأقدار ظنه ليتلقى اتصالاً هاتفياً من رقم مجهول يفيد فيه بطلب فدية 50 ألف جنيه مقابل اطلاق سراح نجليه وفى حالة التأخر سيكون مصيرهما القتل .. انقلبت الدنيا رأساً على عقب فوق رأس الأب المكلوم واسرته الفقيرة بعد أن اصبح فلذاتا كبده فى موقف لا يحسدان عليه .. العديد من التساؤلات دارت فى اذهان اسرة الطفلين .. كيف يأكلان ؟ يشربان ؟ ينامان ؟ وما هى شكل معاملة الخاطفين لأبنائهما ؟!. نور عينى ----------------- الحزن والأسى يخيم على منزل اسرة المجنى عليهما ، جميع افراد الاسرة تاكلهم الحسرة، بعد أن فقدوا نور اعينهم فى لحظة غدر لم تخطر على بال احد .. يجلس الأب يسند رأسه بين كفيه بعد أن تلونت عيناه بلون الدماء .. رائحة الموت تفوح من جميع اركان المنزل ، فرض على الجميع ارتداء الأسود والنحيب على فلذة اكبادهم .. اقتربنا من الأب المكلوم وهو يتمتم بكلمات "حسبى الله ونعم الوكيل " ماذا فعل ابنائى حتى يكون هذا مصيرهما ؟ وبعد أن هدأ قليلا بدأ حديثه قائلاً : كان محمد وعلى "الضحيتان" من اقرب الناس إلى قلبى فهما اولى فرحتى فى هذه الحياة , فرغم قسوة الأيام وضيق الرزق إلا اننى سعيت دائماً إلى تلبية مطالبهما حتى لا يشعران انهما اقل من احد وبعد أن اشتد عودهما بدأ فى النزول معى للعمل للمساعدتى وكسب قوت يومهما من عرق جبينهما .. كنت اعتمد عليهما بشدة فى العمل وخاصة فى الفترة التى لازمت فيها الفراش بسبب مرضى .. وفى احد الأيام فوجئت بتغيب اطفالى عن المنزل منذ الصباح الباكر , ذهبت ابحث عنهما فى كل مكان ولكن دون جدوى .. ثلاثة ايام على التوالى وانا ابحث عنهما ، اسأل كل من يقابلنى حتى انتابتنى حالة من الجنون .. وبعد رحلة من البحث جاءنى مالم يخطر على بالى اتصال هاتفي من شخص مجهول يخبرنى بطلبه فدية 50 ألف جنيه مقابل اطلاق سراح ابنائى وهددنى إذا تأخرت أو ابلغت الشرطة سيكون مصيرهما القتل واغلق الهاتف على الفور .. كدت أن اسقط على الأرض مغشياً علىّ من هول ما سمعت .. فكيف احصل على هذا المبلغ وانا لا املك إلا قوت يومى ؟! .. وبعد يومين اتصل بى نفس الشخص ليسألنى عن تدبيرى للمبلغ فأخبرته انى لا استطيع أن اجمع هذا المبلغ لأنى شخص بسيط وليس عندى ما املكه ليعادل هذه القيمة .. توسلت اليهم بكل الطرق حتى تم تخفيض المبلغ الى 10 آلاف جنيه .. ومن هنا بدأت رحلتى فى تدبير المبلغ وبيع كل ما املكه فى المنزل من اجهزة وادوات والاستدانة من الآخرين ولكنى فوجئت بأن الاتصال انقطع تماماً .. ظل الحال هكذا لمدة اسبوع كامل لينتشر فى القرية خبر العثور على جثتين لطفلين ملقيان على حافة احدى الترع .. انتابتنى حالة من الفزع الشديد وتمنيت من الله ألا يكون ما يدور فى بالى هو ما حدث .. ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ، جثة الطفلين هما ابنائى " محمد وعلى " مكتوفى الأيدى والأقدام ووجود احبال على رقبتيهما التى تم خنقهما بها .. لم اشعر بنفسى إلا وانا فى الوحدة الصحية بعد ان اصابتنى صدمة شديدة افقدتنى الوعى , وما إن تذكرت المشهد انتابتنى حالة من الصراخ الشديد وانا انادى على ابنائى لعلى اجد من يرد ندائى ولكن ما من مجيب .. انتهى الأب من حديثه ليدخل فى وصلة من البكاء الشديد حزناً على ما لاقاه اطفاله من مصير. مأساة أم ---------------------- تلتقط خيط الحديث والدة الضحيتين والتى اصفر وجهها كلون الليمون فى موسم حصادها وخارت قواها لتجلس على سرير ممددة الجسد وهى تقول "ربنا ينتقم من اللى عمل كدا فى اولادى .. ومش هانقبل غير تنفيذ حكم الإعدام على هؤلاء المجرمين" فمنذ ان رحل ابنائى وصورتهما لم تفارقنى .. لم اتصور هذا اليوم المشئوم وانا احمل فيه اطفالى إلى مثواهما الأخير .. كنت دائمة الدعاء إلى الله ان يجعل يومى قبل يومهما ولكن قضاء الله نفذ " ولا املك سوى الدعاء لهما والدعاء على من ارتكب هذه الجريمة الشنعاء التى لن تغفر لهم ابد الدهر .. وبسؤالها عن اللحظات الأخيرة لطفليها ؟ قالت: اخبرنى محمد أنه سيأخذ اخيه على ويذهبان للعب الكرة مع اصدقائهما فى النادى بعد انتهائهما من العمل .. وافقت على طلبهما وطلبت منهما الا يتأخرا عن المنزل ولكن فى هذا اليوم طال غيابهما الأمر الذى جعلنى ابحث عنهما فى الشوارع بصحبة والدهما فى كل مكان حتى جاءنى خبر وفاتهما والذى لا استطيع تصديقه حتى هذه اللحظة. حبل المشنقة -------------------- داخل قسم شرطة ابو النمرس جلس المتهمان داخل الحجز واعينهما تترقب كل حركة تدور حولهما وهما مقتنعان تماماً ان حبل المشنقة فى انتظارهما من اعمالهما الإجرامية .. سرد المتهمان تفاصيل تنفيذهما لجريمتهما الشنعاء قائلين : "والله يا بيه دول عيال غلابة بس قتلناهم عشان ما يبلغوش عننا".. كانت هذه بداية اعترافات المتهمين بخطف طفلين وقتلهما بمنطقة أبو النمرس لطلب فدية من أسرتهما عقب انتهاء النيابة من التحقيق مع المتهمين لمدة 5 ساعات متواصلة منذ الواحدة صباحا وحتى الخامسة فجرا. بداية الواقعة كانت عندما اتفق ثلاثة أصدقاء من قرية مركز أبو مسلم بأبو النمرس على اصطياد فريسة من أهل القرية واختطاف أحد أبنائها لطلب فدية مبلغ مالى ضخم .. حيث اعترف المتهمان أن حاجتهما للأموال دفعتهما للتفكير فى الجريمة حيث يحتاج أحدهما لإتمام زواجه فيما قامت والدة آخر بطرده من المنزل قائلة له "مش هقعدك فى البيت لو ما جبتش فلوس ومش هصرف عليك تانى" فاختمرت فى ذهنهما فكرة خطف احد ابناء القرية لإجبار اسرتهم على دفع أموال يحلون بها مشاكلهما المادية . وكانت الخطة أن قام المتهمان بالاشترك مع آخر باستدراج طفل وشقيقه مستغلين عشقهما للعب كرة القدم حيث أخبره أحدهما أنهما سيذهبان معهما للعب كرة القدم .. فذهبا معهما لعلمهما أنهما من أهالى القرية. تمكنا من إدخال الطفلين إلى منزل المتهم الثالث الهارب بعد إقناعهما بدخولهما المنزل لإحضار شيء قبل الذهاب للمباراة وفور دخول الطفلين قاما بتقييدهما بالحبال واحتجازهما ثم ساوما والدهما على مبلغ 50 ألف جنيه إلا أنه تفاوض معهما وتوصلوا لمبلغ 10 آلاف جنيه فطلب الأب سماع صوت نجله فى الهاتف الذي قال له "أنا كويس يا بابا وعند ناس عارفهم كويس إديهم الفلوس عشان أنا خايف وعايز أرجع" وهنا كانت البداية لتفكير المتهمين فى احتمال افتضاح أمرهما لمعرفة المختطفين بهما. غدر و نذالة ----------------- وأضاف المتهمان أنهما طلبا من والد المجني عليه وضع الأموال في مكان معين بالشارع وبالفعل عندما حضر كانا يراقبانه وفور وضعه الأموال وانصرافه استوليا عليها وعادا إلى المنزل وقال أحدهما "العيال عرفونا لازم نخلص منهم". وتم تنفيذ جريمة القتل حيث أجهز المتهمون على الطفلين وقاموا بخنقهما ثم خوفا من تصاعد الروائح الكريهة للجثتين وضعوهما فوق سطح المنزل وأخذوا يسكبون عليهما الماء البارد حتى حرقتهما أشعة الشمس وكانت المرحلة الأخيرة طبقا لاعتراف المتهمين هى التخلص من الجثث فبحث أحدهم عن سيارة لإلقائها بعيدا إلا أنه فشل فى إحضارها فقرر إلقائها من فوق سطح المنزل إلى حافة ترعة مجاورة له فألقاهما من الدور الثالث ثم نزل أحدهم وقام بتغطيتها بملاءة كبيرة لإخفائها وهروبهم من موقع الحادث حتى تم القبض عليهم . كان المقدم محمود عنتر رئيس مباحث أبو النمرس تلقى بلاغا من الأهالى بالعثور على جثتين داخل جوالين على حافة ترعة فانتقل العميد خالد عميش مفتش المباحث إلى مكان الواقعة وتبين أن الجثتين لطفلين فى العقد الثانى من العمر ودلت التحريات الأولية للواء محمود فاروق مدير المباحث الجنائية أن الطفلين مبلغ بغيابهما وتعرف أقاربهما عليهما وتوصلت تحريات اللواء محمد الشرقاوى مدير المباحث إلى أن 3 أشخاص وراء ارتكاب الواقعة وتم إعداد الأكمنة بإشراف اللواء أحمد الأزهرى رئيس قطاع جنوبالجيزة والقبض على اثنين من المتهمين وهما محمد. أ 24 سنة ومحمد. ع 19 سنة وأحالهما اللواء عبد الموجود لطفى مدير أمن الجيزة للنيابة التى قررت حبسهما 4 أيام على ذمة التحقيقات.