لمعت في السنة الأخيرة فى مصر.. ظاهرة خاصة بالمهرجانات السينمائية.. هذه الظاهرة تواكب ظواهر متشابهة عمت فى البلاد العربية مع انتشار (موضة) المهرجانات السينمائية والدعم المالى الذى تقدمه لها المؤسسات الخاصة أو الحكومية. هذه الظاهرة تتمثل فى تنظيم مهرجانات فرعية لفرقة المهرجان الأكبر الرسمى للبلاد.. فهناك مثلاً فى المغرب مهرجان مراكش الذى يدار من خلال منظمات فرنسية ومغربية ويستقطب عدداً كبيراً من الدول والأفلام.. إلى جانب هذا المهرجان قامت المغرب التى تعيش انتفاضة سينمائية كبيرة جعلتها فى مقدمة الدول العربية إنتاجاً وتنوعاً، وهو مركز كانت تتمتع به السينما المصرية، وظلت محتفظة به زمناً طويلاً. إلى جانب هذا المهرجان الكبير.. نظمت المغرب عدداً آخر من المهرجانات الصغيرة التى تقام فى مدن سياحية.. تحتاج للدعم.. ودعت إليها كثيراً من النقاد العرب والعالميين أكثر من مهرجان مغربى سينمائى، وقد أذن وبقوة المهرجان الرسمى.. ولكن ذكاء المنظمين أنقذ هذه المهرجانات إذ جعلها تتنوع وتختلف فى اتجاهها ومضمونها مما حقق لها نجاحاً حقيقياً، وألقى الضوء سياحياً وفنياً على كثير من الفعاليات السينمائية فى المغرب. نفس هذه السياسة اتبعتها الجزائر.. ومن قبلها تونس التى تنوعت فيها المهرجانات وكان لكل مهرجان لون واتجاه وسياسة. هذه الظاهرة أرادت السينما المصرية أن تقلدها.. فقامت أكثر من جمعية بمحاولة إقامة مهرجان خاص بها بدعم مالى من وزارة الثقافة والسياحة، وهكذا رأينا إلى جانب مهرجانات القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية، مهرجان للسينما الافريقية فى الأقصر ثم مهرجان للسينما الأوروبية فى الأقصر أيضاً.. وهنا بالضبط يبدو التخبط المؤلم الذى وقعت فيه السينما المصرية ومهرجاناتها. الأقصر مدينة سياحية مدهشة.. ولكنها ليست المدينة السياحية الوحيدة التى يمكن أن تجذب إليها الأنظار.. فمصر مليئة بالمنتجعات السياحية المدهشة سواء على ساحل البحر الأحمر أو على الساحل الشمالى. قد يكون من المعقول أن يقام مهرجان للسينما الافريقية فى الأقصر.. فهذا أمر مشروع ومقبول ويستحق التشجيع.. أما أن يقام مهرجان سينمائى آخر يحمل اسم مهرجان السينما الأوروبية بعد أشهر قليلة من المهرجان الأول.. فهذا أمر يثير الاستغراب والدهشة. خصوصاً أن هذا (المهرجان الأوروبى النزعة) يأتى فى وقت مقارب تماماً لأيام السينما الأوروبية الذى تنظمه شركة مصر العالمية بإدارة السيدة ماريان خورى والذى يمر الآن بعامه السادس محققاً نجاحاً كبيراً سواء على المستوى الفنى أو المستوى الجماهيرى، لدرجة جعلت منظميه يفكرون بمد فترة إقامته لتكون أربعة عشر يوماً عوضاً عن الأسبوع المعتاد.. كما أضيفت إليه فعاليات جانبية شديدة الإثارة كمسابقة الفيلم الأول لمخرجيه، ومسابقة الفيلم العربى ومسابقة الأفلام القصيرة.. ودرس فى السينما يدعى إليه كبار السينمائيين فى العالم لمناقشة أمور سينمائية خالصة تهم شباب السينما ومحبيها. فى وجود مهرجان قوى كهذا.. ما المقصود من إقامة مهرجان أوروبى فى الأقصر.. وهل يحتاج السائحون الأوروبيون لمشاهدة أفلامهم فى الأقصر وهى متاحة لهم فى بلادهم.. وهل يهم جمهور الأقصر مشاهدة هذه الأفلام وهو المحروم من مشاهدة الإنتاج العالمى المعتاد بسبب عدم وجود صالات للعرض.. هذا التخبط المؤلف يحتاج إلى إعادة نظر، وإلى تغير سياسة المهرجان لتكون مثلاً دعم السينما الآسيوية عوضاً عن الأوروبية وبهدا يتحقق التوازن.