مع تفاقم الصراع السوري / الإسرائيلي تحولت القضية السورية الي ساحة ساخنة أعادت للأذهان اجواء الحرب الباردة بين روسياوالولاياتالمتحدة. فبينما تقف موسكو خلف نظام بشار الأسد في دمشق وتقدم له الغطاء العسكري من اجل صراع البقاء الذي يديره، تبدو واشنطن داعمة للقوي المناوئة للنظام السوري والمصطفة في معظمها الي الجانب الإسرائيلي بعد ان اتحدت المصالح علي الرغبة من التخلص من هذا النظام. مؤخراً ظهرت صفقة الصواريخ الروسية (إس 300 ) المضادة للطائرات لسوريا كأحد العناصر الجوهرية في عملية الردع والردع المضاد بين دمشق وتل ابيب، بل اكثر من هذا تحولت الصفقة الي أحد الأثقال المؤثرة في ميزان القوي بين الطرفين لدرجة دفعت الجيش الإسرائيلي لفحص كل انواع الصواريخ الثقيلة التي انطلقت اثناء الحرب الدائرة في سوريا الآن ودراسة القدرات القتالية ونظريات انتشار القوات السورية تحسباً لأي هجوم سوري. لاسيما وقد اكدت تلك الدراسات ان البطاريات السورية تتمتع بقدر عال من الجاهزية وكل ما تحتاجه هو بضع مراحل لتحويل وجهتها من الانطلاق نحو المتمردين الي اسرائيل. المثير للدهشة انه علي الرغم من تقليل الخبراء الاستراتيجيين الإسرائيليين من شأن الإعلان عن تلك الصفقة بما يوحي بأنها قد اصبحت في حوزة الأسد، واعتبارهم ان التبكيربهذا الإعلان يأتي للإيهام بتحسن القدرة السورية علي ردع اسرائيل عن اي هجوم عسكري جديد، مع ان الحقيقة في رأي هؤلاء الخبراء ان زمناً يتراوح بين نصف سنة وسنة قبل ان يتم استيعاب تلك الصواريخ. وأن هذا الاستيعاب يمر بعدة مراحل ضرورية تبدأ بإرسال اخصائيين سوريين الي روسيا للتدرب هناك مرورا بوصول المكونات الرئيسية الي سوريا ثم ربطها في منظومة واحدة حتي تدخل حيز التشغيل بما يعني ان سوريا تقف علي مسافة بعيدة من اتقان استخدام تلك الصواريخ، رغم كل هذا تجد تهديداً صريحاً من يعقوب مريدور رئيس مجلس الأمن القومي بمهاجمة تلك الصواريخ وهي علي الأرض قبل ان تدخل الخدمة. هذا التهديد يعني ببساطة ان تل أبيب تفكر جدياً في حرق المراحل والتورط في الأزمة السورية علي خلاف ما تم اقناعها به من قبل الولاياتالمتحدة ودون ان تأخذ في حسباتها ما يمكن ان تعتبره موسكو تحدياً لها، وهذا في حد ذاته يعكس قلقاً كامناً لدي تل أبيب من تأثير وصول تلك الصواريخ الي جيش الأسد علي إحداث تغيير جوهري في ميزان الردع الاستراتيجي علي الجبهة الشمالية لها. الخبراء العسكريون الإسرائيليون مازالوا يذكرون الأثر الفعلي الذي تسبب فيه تدمير سلاح الجو الإسرائيلي لمنظومة الصواريخ ارض جو السورية في بقاع لبنان إبان حرب لبنان الأولي عام 1982 والذي وفر لهم تفوقا جويا تاما علي مدي ثلاثة عقود، وردا علي ذلك تم بناء منظومة الصواريخ والقذائف السورية واللبنانية التي حققت توازنا في الردع المتبادل الأمر الذي ابعد شبح الحرب عن الجبهة الشمالية منذ حرب لبنان الثانية 2006 . المؤكد أن استخدام صواريخ إس 300 من شأنه ان يحد من حرية الحركة التي يتمتع بها الطيران الإسرائيلي في الشمال، ومع ان الطيارين الإسرائيليين تلقوا تدريباتهم في قبرص علي التحليق ضد هذه المنظومة الصاروخية إلا أن خطر تغير ميزان الردع المتبادل ما يزال قائماً.