اختطاف البشر.. واحتجازهم. والتهديد بقتلهم.. مقابل مطالب سياسية.. أو مادية.. ليست من الجرائم العادية.. ولا يمكن مواجهتها بالقوانين السائدة.. ولا بالاساليب التي كانت سائدة في القرن الماضي.. ولنا في التجربة الألمانية.. دروس مستفادة يتعين علينا ان نتأملها. في بداية السبعينيات من القرن الماضي.. تعرضت ألمانيا لسلسلة من الاعمال الارهابية.. واحتجاز الرهائن.. وتحويل مسار الطائرات.. وترويع السياح في الخارج.. قامت ببعضها جامعة »بادر ماينهوف» وقامت بالبعض الاخر جماعة ارهابية تطلق علي نفسها تحالف الجيش الاحمر «ک.A.F» .. واكتشف الألمان.. انه لا.. الجيش النظامي.. ولا قوات الشرطة تستطيع مواجهة هذه الاعمال الاجرامية.. لاسباب كثيرة منها ان مقاومة الارهاب.. تتطلب انشاء جهاز خاص ومتخصص.. يتلقي تدريبات تخرج عن متطلبات القوات المقاتلة في ميادين القتال.. أو تلك المتخصصة في مواجهة الجرائم العادية.. التقليدية التي يرتكبها الانسان.. مما تذوب لهوله العيون الجوامد! فلا القوات المسلحة الألمانية.. مدربة علي مقاومة الارهاب ومواجهة جرائم الاختطاف.. ولا الداخلية تستطيع ذلك.. وبالتالي فكر الألمان في تكوين قوات خاصة.. تتدرب علي مقاومة الارهاب ومواجهة حالات الاختطاف.. ولا عمل لها سوي التعامل مع الجرائم المتعلقة بالارهاب.. أو احتجاز البشر. واطلقوا عليها اسم «الفرقة التاسعة لمقاومة الارهاب «G.S.G.g»وضمت هذه الفرقة عددا من الضباط والجنود اقوياء البنية.. يصعدون الجبال ويحتملون المشقة ويثبون في الهواء.. ويستخدمون احدث ما وصل إليه العلم من الرؤية وسط الظلام الدامس.. وتري الواحد منهم يسيربخطوات الوحوش الضارية.. فلا تملك الا قراءة سورة الفلق.. خوفا عليه من الحسد. وبعد اسبوع من تشكيل الفرقة التاسعة لمقاومة الارهاب وعلي وجه التحديد في الخامس من سبتمبر سنة 1977. وقعت جريمة كبري بمدينة كولونيا.. اسفرت عن اختطاف مارتين شلاير رئيس اتحاد الصناعات.. بطريقة عجيبة.. تتلخص في قيام سيدة بدفع عربة اطفال.. امام سيارة شلاير.. وعندما توقف السائق ونزل لتوبيخ السيدة.. لاهمالها وتركها طفلها الرضيع في عرض الطريق.. تلقي عدة رصاصات اودته قتيلا واتجهت مجموعة من الارهابيين نحو «شلاير» واختطفته ولاذت بالفرار.. واعلنت جماعة تحالف الجيش الاحمر مسئوليتها عن الحادث وحددت عددا من المطالب.. في الوقت الذي اعلن فيه المستشار شميت جملته الشهيرة «لا تفاوض مع الارهابيين»! كانت مطالب الارهابيين.. تتلخص في الافراج عن مؤسس جماعة «بادر ماينهوف» الموجود بأحد سجون مدينة شتوتجارت.. وعدد اخر من رفاقه.. اختصار الكلام.. انه تم العثور علي جثة شلاير.. بعد اسبوع من الاختطاف مقتولا برصاصة في الرأس داخل حقيبة سيارة «آودي100». واشارت المعلومات ايامها.. ان جماعة الجيش الاحمر قد عقدت اتفاقا مع شاب فلسطيني اسمه زهير يوسف.. وصديقته نادية شحاتة.. وشخص ثالث اسمه نبيل حرب وهم من جماعة «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» لاختطاف طائرة ألمانية تضم عددا من السياح.. والضغط علي الألمان للافراج عن المعتقلين الألمان في السجون الألمانية.. في 13 اكتوبر 1977.. تحققت المعلومات.. وتم تحويل مسار طائرة ألمانية تابعة لشركة «لوفت هانزا».. واتجه بها المختطفون إلي العاصمة الصومالية «مقديشيو».. واعلنوا مطالبهم.. وهي الافراج عن الارهابيين الألمان!.. في هذه المرة.. تولت «الفرقة التاسعة لمقاومة الارهاب» التفاوض.. واعلنت موافقتها علي تسليم المعتقلين السبعة وفي مقدمتهم بالطبع اندرياس بادر... ومنحها مهلة لحين وصول المساجين علي أول طائرة قادمة من ألمانيا! ووصلت الطائرة وهبط اندرياس بادر.. قام بتحية المختطفين ومعه ثلاثة من زملاء المعتقل تأكد المختطفون من هوياتهم.. وسادت الطائرة السعادة الغامرة. لم يدرك المختطفون ان علي متن الطائرة.. فريق من قناصة الفرقة التاسعة.. واثناء عمليات التسليم والتسلم.. تم اطلاق النار علي المختطفين.. ولقي اربعة مختطفين مصرعهم من بينهم ثلاث فلسطينيات هن ثريا الانصاري وسهيلة سامي. ونادية شحاتة. المثير في هذه الواقعة.. ان الفرقة التاسعة لمقاومة الإرهاب.. لم تعلن انها صحبت اندرياس بادر.. زعيم جماعة «بادر ماينهوف» إلي مقديشيو.. وكل ما ذكرته انه انتحر في السجن بعد علمه بفشل عملية «مقديشيو». الذي كشف الواقعة.. هو الطبيب.. الذي كشف علي الجثة للتصريح بالدفن.. عندما أعلن وبراءة الأطفال في عينيه.. انه وجد آثار رمال علي أقدام بادر.. وأن هذه الرمال.. رمال صحراوية.. ولا توجد في المانيا.. وان بادر.. كان يسير حافيا.. في مطار مقديشيو! وفي تلك الأيام لم يذكر الإعلام الألماني اية معلومات حول سفر اندرياس بادر لمقديشيو.. لأسباب تتعلق بالأمن القومي للبلاد ووفق قاعدة عدم تطبيق القوانين علي الخارجين عن القانون! وطوال الثلاثين سنة الماضية.. قامت الفرقة التاسعة الألمانية لمكافحة الإرهاب بالمئات من العمليات الناجحة.. التي قضت علي كل ملامح الإرهاب في البلاد.. ولا تزال هذه الفرقة تقوم بمهامها حتي الآن.. رغم الاستتباب النسبي للأمن هناك. بقيت كلمة.. وهي اننا في مسيس الحاجة لجهاز مستقل يتولي مجابهة عمليات الاختطاف والاحتجاز التي تصدمنا علي مدار الساعة.. ولاسيما اختطاف الأطفال واحتجازهم وترويع ذويهم من أجل ما يسمي بالفدية! نحن في حاجة إلي قوات متخصصة لمكافحة الإرهاب لا تخضع للقوانين العادية.. وتمارس كل ألوان الخروج عن القوانين من أجل مكافحة الخارجين عن القانون.. فالذي يخرج عن القانون في جرائم الإرهاب عليه أن يدرك انه سيتم اختطاف والده ووالدته وزوجته وأولاده بعد دقائق معدودات.. وسوف يتحدد مصيرهم وفق ما تسفر عنه عملية إنقاذ الرهائن!