لمست خلال تجربتي كعضولجنة تحكيم المهرجان الدولى للفيلم الشرقى بجينيف الروح التى نفتقدها كثيراً فى وطننا العربى حالياً، فقد تمثلت فكرة هذه التجربة فى كم المبدعين العرب القادمين من أنحاء الوطن العربى الذين قابلتهم، والجمهور الأجنبى الذى حرص على متابعة اعمال الشباب الذين قدموا ثورات تحدث عنها العالم أجمع فى أعمال سينمائية، وحتى الجاليات العربية التى شاهدت هذه الأعمال بإشتياق وحنين لوطنهم الذى هاجروا منه منذ سنين، حيث كان هذا المهرجان هوالذى يخبرهم بالمزيد عن أحوال وطنهم من خلال السينما التى تجسد بطبيعة الحال هموم الوطن وحكاياته. فى كواليس المهرجان، لفت نظرى أن جميع القائمين عليه هم من المتطوعين العرب.. مصريين ومغاربة وتوانسة وجزائريين، كلهم إجتمعوا على ظهور الثقافة الشرقية فى صورة تليق بها، فقد قسموا الأعمال فيما بينهم، حتى أن هناك من تبرع بسيارته لتوصيل المشاركين إلى أماكن الفعاليات، وهناك أيضاً من تطوع لطباعة المنشورات والمطبوعات.. كل هؤلاء كانوا تحت قيادة مدير المهرجان طاهر الحوشى الجزائرى الأصل، والذى إشترك كغيره فى دعم ظهور المهرجان بالصورة المشرفة التى كان عليها والذى تابع كل صغيرة وكبيرة فى إدارة المهرجان وكان لقائى معه فى ندوتى الخاصة ضمن المهرجان.. الحديث هنا عن خلية نحل من الشباب العربى الذى يجسد فى الخارج معنى الوحدة المفقود، وإظهار النموذج العربى الذى لا يعرفه الكثير من الأجانب، وإعطاء فرصة للجاليات العربية للإلتحام بأعمال شباب بلادهم فى الأعمال السينمائية. وكانت هجرة الشباب العربى محور حديثى مع وزير الثقافة والشباب بجينيف، فهورجل من أصول لبنانية لا زال فى مقتبل العمر ، وهونموذج أخر للشباب العربى المشرف لما يملكه من إهتمام شديد بأحوال الشباب العربى والمتابعة الجيدة للأفلام العربية، كما تقابلت مع وزير الداخلية فى المقاطعة وهوشاب صغير لم يكمل ال35 ربيعاً والذى إنتقل الحديث معه بسؤالى عن رأيه بالشباب العربى الذى شارك فى ثورات الربيع.. ولم تتوقف لقاءاتى خلال المهرجان عند هؤلاء فقد إلتقيت برئيسة لجنة التحكيم فى المهرجان السيدة ز لورانس ز وهى أديبة وكاتبة سويسرية سيطر عليها الشغف بكل ما هوشرقى نظراً لكونها زوجة لرجل مصر جمعت بينهما قصة حب قصتها علي، ولها العديد من الكتابات عن المرأة المصرية بعد نكسة 67 بالإضافة لكتابات أخرى عن اليمن ولبنان وإيران. وبعد لقاءاتى هذه فى جوالفعاليات الملئ بالأفلام السينمائية العربية، أدهشنى مستوى الشباب المغربى العربى الذى إتسمت به أعمالهم والتى تميزت بالتقنيات العالية والموضوعات الجادة التى خرجت فى صورة إبداعية.. وطالعتنى بعد هذه المشاهدات فكرة أننا كسينمائيين حتى الان نخاطب أنفسنا ولم نستطع كسر الحاجز الذى بيننا وبين الأخر ولا أدرى السبب لذلك! فالغريب فى الأمر أن من قابلتهم أجمعوا على أن يوسف شاهين هوالوحيد الذى إستطاع فك شفرة مفردات الفكر الغربي، وان يتواصل معهم عقلياً وسينمائياً، وللأسف هوما نأمل أن تكون عليه الاجيال الجديدة فى الفترة الحالية.. لكن ما ألمنى فى الحقيقة عدم مقدرتنا على تقديم همومنا ومشاكلنا وبقاء جبال الجليد التى بيننا وبين الغرب على الرغم من رغبتهم فى الإطلاع على ثقافتنا وهمومنا خاصة بعد الأحداث السياسية الكبرى بداية من الغزوالامريكى للعراق، وأحداث 11 سبتمبر، وحتى ثورات الربيع العربى وهى كلها أحداث كانت كفيلة بأن يزيد الشغف لدى المواطن الغربى بأن يعرف الماهية الثقافية للإنسان العربي، لكننا وللأسف غائبون عن هذه الحقيقة. أذكر أنه خلال ندوتى التى كان موضوعها حرية التعبير فى الإعلام قبل وبعد الثورة جائنى سؤال من سيدة سكندرية تركت مصر قبل أربعين عاماً وقالت فى سؤالها : هل صحيح أن البنات لم يزالوا لا يذهبون إلى المدارس فى مصر؟!.. تعجبت كثيراً من هذا السؤال وأدركت وقتها حجم الجريمة التى يرتكبها الإعلام فى زيادة جهل الاخر بتفاصيل ما يدور فى بلادنا، حتى أن الأسئلة تطرقت إلى تعرض النساء المسيحيات لعمليات التحرش الجنسى وما إلى ذلك، وكان بجوارى المخرجة القبطية المبدعةس ماجى مرجان ز التى بادرت فى الإجابة على هذه الأسئلة ونفى ما يتم نقله عن وضع المسيحيين فى مصر، فهم يملكون حقوق كإخوانهم المسلمين لأن مصر شعبها من نسيج واحد لا يستطيع أحد التفريق بين أجزاءه.. ومع نهاية الندوة فاجاءنى حضور ملك مصر السابق ذ البرنس أحمد فؤاد وهى من المواقف التى لن أنساها أبداً، فقد حرص على حضور ندوتي، وقمت بدورى بتوقيف الحديث للترحيب بحضوره ولمست فيه تواضع شديد جعله يقدر ما فعلته معه وأصر أن يدعونى لمأدبة عشاء أنا ومعظم الحاضرين فى الندوة. ظلت ام الدنيا مصر معى فى رحلتى الثقافية خلال المهرجان فبادر كل من قابلنى من عرب وغير عرب عن السؤال عن مصر وأهلها مستخدمين لقب ز أم الدنيا ز دائماً.. هكذا يلقبوها ولا زلت أذكر حينما سألتنى رئيس لجنة التحكيم عن وضع المرأة فى مصر، فقلت لها : لماذا تشعرون بالإنزعاج تجاه المرأة فى مصر ؟!، فأجابت بأنها تعلم أنها مضطهدة وحقوقها مهدرة، فقلت : زالمرأة لدينا فى مصر هى قاضية ووزيرة وعضوة مجلس شعب وممثلة ومساعدة للرئيس.. فالمرأة المصرية لا تحتاج إلا لمساعدتكم فى الحصول على أموالها المنهوبة فى بنوك سويسرا فهى تحتاج فى بلادى للأموال للحصور على كوب من اللبن لصغارها ز.. هكذا كانت أيامى فى مهرجان فيينا السينمائى الدولي.. عشتها وبداخلى هم منعنى من الإستمتاع بكيان إسمه مصر، فمصر فى خواطرنا تحولت إلى هم كبير للغاية.