أثار قرار وكيل نيابة مطاي بالمنيا مؤخرا بتطبيق حد الجلد علي أحد المتهمين بالسكر حالة من الجدل، وأكد فقهاء وقانونيون انه ليس من اختصاصه إصدار الحكم، فالمكلف بتطبيق الأحكام هو الحاكم بواسطة السلطة القضائية وفق شروط معينة، في هذا التحقيق نستعرض آراء عدد من أساتذة القانون والقضاة في القضية. بداية قال المستشار زكريا شلش رئيس محكمة استئناف القاهرة إن العقوبة التعزيرية غير مخالفة للشريعة الإسلامية وهناك لبس في تطبيق الحدود لعدم علم من يتبوءون الفتوي في هذا الزمن الرديء بأحكام الشريعة علي النحو السليم، فالشريعة تقتضي حتي يقام الحد أن يكون هناك شاهدان مشهود لهما بالصدق والأمانة أي عادلين فإذا لم يجد القاضي الشاهدين العادلين أو اذا لم يجد القاضي إقرارا قضائيا بارتكاب المتهم للواقعة، فالشريعة تقتضي بأن يحكم علي الجاني بالعقوبة التعزيرية وهي الحبس أو الغرامة حسب النص. وأضاف أن القانون لجأ الي العقوبة التعزيرية التي فرضتها أحكام الشريعة والتي قالت إن لم تجد شهود عدول أو اعترافا من الجاني فالجأ للعقوبة التعذيرية، وحين يطبق القاضي هذه العقوبة يكون قد أخذ بنص القرآن وهو "مرتاح الضمير"، وقال: أعمل في القضاء منذ أكثر من 53عاما ولم أجد طوال هذه المدة متهما يعترف أمام القاضي أو شهود عدول وبالتالي ألجأ للعقوبة التعزيرية. وأكد أن وكيل النيابة الذي أصدر حكما بالجلد علي المتهم بشرب الخمر، ليس من اختصاصه أن يصدر حكما في الدعوي لأن الحكم مطالب به القاضي فقط، وأن وكيل النيابة أقسم عند تعيينه أن يحترم الدستور والقانون، وحينما يصدر أمرا بجلد مواطن دون أن يجد لهذا سندا تشريعيا صادرا عن المشرع فيكون قد حنث بيمينه وفقد شرطا من شروط تعيينه وعمله بالقضاء، وإن ما بدر من وكيل النيابة يجعله غير صالح للعمل بالقضاء ويؤدي به الي الإحالة للجنة عدم الصلاحية لتفصل في أمره. وأشار الي أن القاضي مطالب بتطبيق القانون وليس تطبيق أحكام الدستور، وإذا كانت المادة الثانية تنص علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، فلابد أن يصدر قانون للأحكام التفصيلية للشريعة الإسلامية ليقوم القاضي بتطبيقها. وأضاف الدكتور محمد يحيي أحمد عطية أستاذ قانون المرافعات بكلية الشريعة بجامعة الأزهر، إن قانون العقوبات جمع فأوعي في ثناياه كل العقوبات التي من الممكن أن تكون جزاء رادعا لمن وقع منه الجرم، لكن ليس هناك تطابق تام فيما بين العقوبات المقررة في قانون العقوبات المصري وبين الفقه الإسلامي الذي به اتساع ومرونة في أحكامه، ومازال القانون الوضعي يطبق حتي الآن دون النظر الي ما جاء في الفقه الإسلامي. واشار الي أن من يقول بأن تطبيق الشريعة يحتاج لظروف معينة، وأن الوقت الحاضر ملائم أو غير ملائم لتطبيقها، مخطيء فالشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان بدون أية إشكاليات، والاشكاليات تأتي من عقلية وفكر القائم علي تطبيق أحكام الشريعة وليس في أحكام الشريعة ذاتها. وأكد أنه ليس هناك ما يمنع من تطبيق أحكام الشريعة سوي أن نهييء المناخ الملائم الذي يجعل الناس وغير المسلمين والفئات الأخري التي ترتجف خوفا من تطبيق الشريعة تتقبلها، وأن نوضح أن الشريعة إذا طبقت فستنصف الجميع وتحقق العدل بينهم. واضاف: بالنسبة لمسألة الشهود العدول، أن الأصل في المسلم أنه عدل الي أن يثبت العكس، وبالتالي ليس هذا الشرط يعيق تطبيق أحكام الشريعة ولا يوجد اشكالية، وانما الاشكالية في عقول الاشخاص القائمين علي تطبيقها، فهناك تخوف وخشية من أن يقوم بتطبيق الشريعة أشخاص يكون في عقولهم شطط في تطبيق احكام الشريعة علي نحو غير سليم. واشار الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية إلي أنه طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية فإن المكلف بتطبيق الحدود مثل حد شرب الخمر وغيره هو الحاكم بواسطة السلطة القضائية، بعد سماع أقوال المتهم والشهود والتحقق من صحة وثبوت ارتكابه الجريمة بدليل قطعي لا يتطرق إليه الشك واقتناع المحكمة بذلك وإصدار حكمها تبعا لإثبات هذه الجريمة، وقناعة المحكمة بذلك اقتناعا يقينيا، ومن ثم تصدر حكمها بالجلد في جريمة شرب الخمر. وقال إنه بتطبيق ذلك علي واقعة وكيل النيابة مع المتهم بشرب الخمر فإننا نجد أن وكيل النيابة قد حكم بجلد المتهم وكلف مأمور قسم الشرطة بذلك، علي الرغم من أنه لا يوجد نص قانوني في قانون العقوبات يقرر جريمة شرب الخمر كجريمة حدية يجب فيها الجلد، وكذلك فإنه لا يملك إصدار هذا الحكم لانه ليس قاضيا يجلس علي منصة القضاء ولم يحقق ويتيقن من ارتكاب المتهم لهذه الجريمة مما يخالف الاصول الشرعية وقواعد الاثبات القضائية، لقول الرسول صلي الله عليه وسلم " ادرءوا الحدود بالشبهات "، وقوله أيضا صلي الله عليه وسلم " يخطيء القاضي في العفو خيرا من أن يخطيء في العقوبة". وأضاف الجندي إن المناخ والظروف القائمة حاليا لا تساعد علي تطبيق العقوبات بالجرائم الحدية لأنها تتطلب شرعا أن يكون الشخص المتهم متوافرا لديه مقومات الحياة الضرورية من مأكل وملبس ومشرب ومسكن وتعليم وعلاج وحياة كريمة، وأن تتوافر الظروف المناسبة للالتزام بتطبيق الجرائم الحدية عبر منظومة متكاملة من إعلام رشيد ومسئول وفهم صحيح ومستنير لأحكام الشريعة وتماسك اجتماعي سليم يهييء للجميع الوعي بأحكام الشريعة في مجملها وليس في جزء منها ليكون الالتزام بالاقتناع والخوف من الله سبحانه وتعالي قبل استخدام سيف القانون والعقاب. وأكد أن الشريعة تكافل وعمل وثقافة صحيحة فلا يجوز اختزال الشريعة في تطبيق الحدود الشرعية والغفلة عن الأوامر الألهية في التكافل الاجتماعي وتوفير العمل لكل قادر عليه وتمكين كل فرد من الحصول علي مقومات حياته الضرورية، فإذا توافرت هذه المتطلبات فعندئذ لا يكون هناك شبهة تدرأ الحدود ومن ثم تقام الحدود ضمن المنظومة الكاملة للشريعة وليس فقط اختزال الشريعة في الحدود كما ينادي البعض وهو الأمر غير المتوافر حاليا. وقال المستشار أيمن عبد الحكم رئيس محكمة جنايات شبرا الخيمة، إنه بخصوص إصدار احكام خاصة بتطبيق الحدود في بعض القضايا فهذا مخالف لصحيح القانون، والقاضي ملزم في كل الاحوال بتطبيق القوانين الوضعية التي يستنها المشرع في القوانين المكملة في الدستور كقانون العقوبات وما الي ذلك من عقوبات سالبة للحريات أو عقوبات توقع علي جسد المجني عليه كحكم الإعدام أو عقوبات بالناحية المالية،والمشرع حدد السلوك الاجرامي بمعيارين وهما الضبط في مكان عام أو طريق عام أو محل عام وثانيهما أن يكون في حالة سكر بين وهذا بشأن قرار وكيل النيابة بتطبيق حد الجلد علي المتهم بالسكر. وأكد أنه وفقا لصحيح القانون لا تملك النيابة حبس المتهم احتياطيا علي ذمة التحقيق لمجرد ضبطه في حالة سكر بين بالطريق العام، إذ أن ضوابط الحبس الاحتياطي لا يكون إلا لارتكاب جريمة، وفيما عدا ذلك لا تملك إلا إخلاء سبيله بضمان مالي أو بدون ضمان مالي بعد التأكد من محل إقامته.