136 سفارة وقنصلية جاهزة لتصويت المصريين المقيمين بالخارج بانتخابات الشيوخ    محافظ القليوبية يكرم 44 طالبا من أوائل الشهادات العامة والأزهرية والفنية    محافظ سوهاج يبحث استعدادات انتخابات مجلس الشيوخ ويؤكد ضرورة حسم ملفات التصالح والتقنين    البورصة ترتفع فوق مستوى 34 ألف نقطة مجددا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    وزير الكهرباء والطاقة المتجددة يشهد توقيع مذكرة تفاهم لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق (EHVRC)    فلسطين: فرض واشنطن عقوبات على مسؤولين بالسلطة انحياز فاضح لإسرائيل    كندا تعلن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين سبتمبر المقبل    مقتل شخص وإصابة 11 آخرين في هجوم روسي على مدينة كراماتورسك الأوكرانية    هاآرتس الإسرائيلية تحتفي ب"الإرهابية".. كيف علق إعلام الاحتلال علي مظاهرات سفارة مصر    الصحة العالمية: غزة تشهد أسوأ سيناريو للمجاعة    وزير الخارجية اللبناني يبحث مع مسئولة أممية سبل تحقيق التهدئة في المنطقة    تدريبات تأهيلية لثلاثي الزمالك على هامش ودية غزل المحلة    توتنهام يسعى لضم بالينيا من بايرن ميونخ    ريبيرو يستقر على مهاجم الأهلي الأساسي.. شوبير يكشف التفاصيل    بمشاركة جيوكيريس.. أرسنال يخسر من توتنهام وديًا    جدول ولائحة الموسم الجديد لدوري الكرة النسائية    مدير أمن الفيوم يعتمد حركة تنقلات جديدة في أقسام وإدارات المباحث بالمحافظة    التحقيق فى واقعة تعدى زوج على زوجته بسبب قضية خلع بمحكمة الدخيلة بالإسكندرية    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    معاقبة شقيق المجني عليه "أدهم الظابط" بالسجن المشدد في واقعة شارع السنترال بالفيوم    وزارة الداخلية تضبط طفلا يقود سيارة ميكروباص فى الشرقية    وزير الثقافة يشارك باحتفالية سفارة المملكة المغربية بمناسبة عيد العرش    ياسر السقاف يخلف مصطفى الآغا في تقديم برنامج الحلم على MBC    الخميس 7 أغسطس.. مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات "مهرجان الصيف الدولى"    الشيخ خالد الجندى: من يرحم زوجته أو زوجها فى الحر الشديد له أجر عظيم عند الله    وكيل صحة شمال سيناء يبدأ مهامه باجتماع موسع لوضع خطة للنهوض بالخدمات الطبية    طريقة عمل الدونتس في البيت زي الجاهز وبأقل التكاليف    "قريب من الزمالك إزاي؟".. شوبير يفجر مفاجأة حول وجهة عبدالقادر الجديدة    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    محافظ المنيا: تشغيل عدد من المجمعات الحكومية بالقرى يوم السبت 2 أغسطس لصرف المعاشات من خلال مكاتب البريد    17 برنامجًا.. دليل شامل لبرامج وكليات جامعة بني سويف الأهلية -صور    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    المشدد 3 سنوات ل سائق متهم بالاتجار في المواد المخدرة بالقاهرة    تعرف على كليات جامعة المنيا الأهلية ومصروفاتها في العام الدراسي الجديد    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    محافظ المنوفية: تكريم الدفعة الرابعة لمتدربي "المرأة تقود في المحافظات المصرية"    منظمة التحرير الفلسطينية: استمرار سيطرة حماس على غزة يكرس الانقسام    صبا مبارك وحلم الأمومة الذي يواجه خطر الفقد في 220 يوم    القنوات الناقلة لمباراة برشلونة وسيول الودية استعدادًا للموسم الجديد 2025-2026    "يحاول يبقى زيهم".. هشام يكن يعلق على ظهوره في إعلان صفقة الزمالك الجديدة    البورصة: تغطية الطرح العام للشركة الوطنية للطباعة 23.60 مرة    تعليقا على دعوات التظاهر أمام السفارات المصرية.. رئيس حزب العدل: ليس غريبا على الإخوان التحالف مع الشيطان من أجل مصالحها    4 تحذيرات جديدة من أدوية مغشوشة.. بينها "أوبلكس" و"بيتادين"    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    هل انقطاع الطمث يسبب الكبد الدهني؟    حرام أم حلال؟.. ما حكم شراء شقة ب التمويل العقاري؟    بالأسماء إصابة 8 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة بصحراوى المنيا    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    البابا تواضروس يشارك في ندوة ملتقى لوجوس الخامس لشباب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    المهرجان القومي للمسرح يكرم روح الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    حنان مطاوع تودع لطفي لبيب: مع السلامة يا ألطف خلق الله    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قلادة النيل العظمي بدلا من صباع الكفتة
نشر في أخبار الحوادث يوم 19 - 01 - 2011


صورة جميلة رأيتها هذا الاسبوع وسط الظلام !
صورة رئيس مصر . الرئيس حسني مبارك وهو يقلد الدكتور والجراح المصري العالمي مجدي يعقوب . قلادة النيل العظمي . التي يستحقها د . مجدي بكل جدارة !
مشاعري كانت رائعة ..
ها هي مصر تكرم واحداً من أولادها العباقرة ..
ها هو صديقي د. مجدي يعقوب المصري حتي النخاع . الطائر المهاجر الجميل . يحط أخيراً علي أرض وطنه . ويواصل المزيد من العطاء . وسط تكريم المصريين . ورئيس كل المصريين .
لقد عرفت د. مجدي يعقوب من سنوات طويلة . وحضرت معه الكثير من العمليات الجراحية . التي كان يجريها في صمت جليل لأطفال مصر الفقراء المرضي ..
وهذه السطور تروي قصة رحلة نبيلة من رحلات مجدي يعقوب إلي أرض الوطن . وربما كانت بالتحديد هي الرحلة التي جعلته يفكر في العودة نهائياً . ليعطي وطنه .. رحيق عمره !
كاد الدكتور أشرف شحاته أن يكذب اذنيه عندما رفع سماعة التليفون في مكتبه بمستشفي اسوان التعليمي ليسمع علي الطرف الأخر الصوت القادم عبر مئات آلالاف من الأميال . وكان الطبيب الشاب معذوراً فكيف يمكن أن يصدق أن حلمه المستحيل قد تحقق في غمضة عين . وأن الذي يتحدث معه بحرارة الآن هو أشهر أطباء القلب قاطبة في العالم .. " الدكتور مجدي يعقوب .. ذات نفسه " !
كان الطبيب المجهول الممتليء حماسة قد أوشك علي الوقوع في دوامة من اليأس والاحباط ليس لأنه يعمل بعيداً عن القاهرة في أقصي أقاصي صعيد مصر . ذلك لأنه نفسه صعيدي المولد والنشأة ولا يتصور أن يعيش أو يعمل بعيداً عن أهله وناسه .. وانما لأنه قد جاءت عليه لحظات تعسة شعر فيها بالعجز المرير .. وهو يستقبل في مستشفي اسوان العشرات من الأطفال المرضي بالقلب زهور صغيرة بريئة بعضهم ولد وهو يعاني من ثقب في القلب أو ارتجاع في الصمام الأورطي .. وجوه حزينة شاحبة وأجساد عليلة نحيفة لا تقوي علي الذهاب الي المدرسة أو اللعب مع الأقران في الشارع مثل كل الأطفال في أي مكان بالدنيا !
أخذ الطبيب الشاب يتجرع مشاعر المرارة والإحباط يوما بعد يوم فلم يكن هؤلاء الأطفال يكفيهم حماسته أو تعاطفه بل كانوا في حاجة الي عمليات جراحية خطيرة تتكلف مئات آلالاف من الجنيهات وليس مكانها مستشفي تعليمي في مدينة اسوان !
وحتي عندما سمع الدكتور أشرف عن " سلسلة الأمل " لمساعدة الأطفال التي يقودها جراح القلب المصري العالمي دكتور مجدي يعقوب . وحتي عندما أرسل إلي مستشفي د. يعقوب في لندن رسالة تضم أسماء هؤلاء الأطفال وأمراضهم وتواضع مستوي أهاليهم الاجتماعي لم يكن لديه أمل كبير في أن تصل الرسالة إلي الجراح العالمي المشغول دائماً . ومن هذا الذي يستطيع أن يخبره أن في نجوع وكفور صعيد البلد الذي ينتمي اليه يوجد صغار لا يستطيع أحد مساعدتهم .. سواه!
دكتور أشرف : أنا قادم للقاهرة بعد اسبوع .. هل يمكنك التفضل بإحضار ثمانية من هؤلاء الأطفال لكي أراهم ؟
اذن .. إلي اللقاء دكتور أشرف .
بعد أن وضع سماعة التليفون ..
كاد الدكتور أشرف بالفعل ألا يصدق أذنيه وكان بالفعل أيضا معذوراً في ذلك بل الحق أنه لم يصدق إلا بعد اسبوع حين حضر الدكتور مجدي يعقوب وفحص الأطفال الثمانية المرضي عزيز كمال وجرجس سامي ونعمة مسعد عبد العال وماريانا سمير ورشا محمد اسوانلي ونسمة محمود وإدوار يونان وتامر محمد النوبي وكلهم من القري والنجوع المحيطة بأسوان وكوم أمبو وقرر الدكتور يعقوب أن يسافر ثلاثة منهم ليجري لهم العمليات الجراحية في لندن .. علي أن يجري للآخرين الجراحات اللازمة عند زيارته القادمة لمصر ..
في ذلك اليوم ..
صدق الطبيب الشاب اذنيه .. وعينيه !

فكرة " سلسلة الأمل " بدأت حقيقة في فرنسا قبل 10 سنوات بهدف انهاء آلام الأطفال الذين يعانون من أمراض خطيرة في القلب .. في كافة أنحاء العالم وبالتحديد هؤلاءالذين لا تتوافر لأسرهم امكانيات العلاج الباهظة التكاليف تحمس الدكتور مجدي يعقوب للفكرة النبيلة . وساندته لفترة طويلة الأميرة الراحلة "ديانا " وساعده فريق شجاع من أربعة متطوعين علي رأسهما ابنته " ليزا " والبريطانية الشابة إيما سكانلان واليزابيت بلوم وربيكا فوندريتش وبدأ " فريق الأمل " بقيادة الدكتور يعقوب يطير لاجراء عمليات جراحية للأطفال المرضي في جاميكا وموزمبيق وفلسطين وغيرها من بلاد العالم .. وفي أوقات أخري كان يستقبل الأطفال المرضي في مستشفاه في لندن ويجري لهم العمليات الجراحية وكان الأطفال يفاجأون بالأميرة ديانا تدخل عليهم حجراتهم في المستشفي وهي توزع ابتساماتها وباقات الزهور هنا وهناك . كانت تأتي في الصباح الباكر أو في وقت متأخر من المساء بلا صحافة ولا اضواء وتتجول مع الدكتور مجدي يعقوب بين الأطفال بعد اجراء العمليات الجراحية لهم وقد عاد لون الدماء الي الوجوه الشاحبة وبدأت العافية تدب في الأجساد الصغيرة العليلة !
وحين قرر الدكتور مجدي أن تسافر الصغيرة ماريانا لاجراء العملية الجراحية في لندن وقف والدها المزارع الصعيدي البسيط مترددا ..
- وقال للدكتور مجدي يعقوب بلهجة أبناء الصعيد : لا تؤاخذني يا دكتور .. البنت عيلة صغيرة لسه .. كيف تركب طيارة وحدها وأبوها لسه بيرعش من ركوب القطر ؟!
ابتسم الدكتور مجدي يعقوب .. مد يده ليربت علي كتف الأب الوجل .
- وقال له أيضاً بلهجة أبناء الصعيد : ماتخافش يا أبو ماريانا .. بنتك حاتكون في عيني !
وحدث هذا بالفعل تماما كما حدث بالفعل مع الطفل عزيز الذي وجد في انتظاره في مطار هيثرو بلندن أسرة انجليزية متعاطفة مع " سلسلة الأمل " جاءت لانتظاره واستقباله واستضافته في منزلها لمدة شهر بعد العملية الجراحية .. وبالدموع والأحضان ذهبوا لتوديعه بعد شفائه مسحت الزوجة الانجليزية دموعها في المطار وهي تودع الطفل المصري الصغير وكانت قد تعلمت منه بعض الكلمات العربية .. وباللهجة الصعيدية !
- قالت له : أزيز افتكرني
ابتسم الصغير وهو يلوح لها قبل أن يصعد الي الطائرة وكان بدوره قد تعلم منها ..
- قائلا : " شور " بالتأكيد !

ابن مصر الذي تفخر به مصر لا يكاد يغيب عنها طويلا ..
يسافر ومصر في قلبه يحتفل به الناس في كل مكان بالعالم لكنه لا يشعر بالفرحة الصادقة و "الحضن الحقيقي " إلا في وطنه . فيعود !
أبداً .. لم يحضر د. مجدي يعقوب إلي مصر كسائح !
عندما يأتي لا يكون عنده وقت ليزور الأهرامات أو المتاحف أو يتمتع بالسهرات وما أكثر الدعوات التي يتلقاها ويعتذر عنها بأدب جم .. المكان الوحيد الذي يأخذ معظم وقت الدكتور مجدي يعقوب عندما يحضر الي مصر .. هو حجرة العمليات !
هكذا عاش الدكتور مجدي الاسبوع الماضي ..
حضر ومعه طاقم كامل من الأطباء والمساعدين حقائبه لم تكن تضم " ملابس السهرة " بل صمامات وشرايين لمتطوعين من بريطانيا ، أوصوا قبل وفاتهم بالتبرع بها لأي طفل محتاج في أي مكان في الدنيا !
اليوم الأول في القاهرة ..
قضاه الدكتور مجدي يعقوب ي لقاءات هامة .. التقي بالسيدة سوزان مبارك قرينة الرئيس حسني مبارك استمر اللقاء نحو ساعة وعندما انتهت اللقاءات وجد في انتظاره تلميذه وصديقه جراح القلب المصري الشاب د. السيد عقل وهو يحمل قائمة طويلة بأسماء وحالات الأطفال الذين سيجري لهم الدكتور يعقوب عمليات زرع الشرايين والصمامات في مستشفي " قصرالعيني " الفرنساوي ..
وكانت كل أيام الاسبوع متشابهة !
يغادر د. يعقوب وفريقه فندق شبرد الذي أصر الفندقي المصري العالمي عنان الجلالي علي استضافتهم فيه إلي المستشفي ويظل الدكتور يعقوب يتنقل من حجرة عمليات إلي أخري يزرع " الأمل " وينثر الرحمة بين الأطفال حتي ساعة متأخرة من الليل فيعود مرهقاً إلي الفندق .. ليسرق بعض ساعات نوم قليلة .. حتي يستطيع الاستيقاظ مبكراً .. ليذهب الي المستشفي .. من جديد !
أكثر من 15 عملية جراحية ، تبرع دكتور مجدي يعقوب باجرائها لأطفال المرضي .. وتحملت مصر تكاليف العلاج داخل المستشفي ..
كل أيام الاسبوع كانت متشابهة .. ما عدا الليلة الأخيرة !..

سافرت الي لندن أكثر من مرة ..
والتقيت بالدكتور مجدي يعقوب أكثر من مرة .. لكن !
لم ألتق به أبداً في " حفل استقبال " ولا في " عشاء رسمي " .. كل لقاءاتي معه كانت دائما .. علي باب حجرة العمليات .. أو داخلها !..
الليلة الأخيرة للدكتور مجدي يعقوب في القاهرة ..
مضي النهار الشتوي قصيراً .. لكني كنت أعلم كم هو طويل ومرهق .. بالنسبة للدكتور مجدي الذي كان مايزال يجري آخر عملياته الجراحية لأطفال في المستشفي .. كانت الساعة تقترب من العاشرة مساء عندما فوجيء بي وبالزميل المصور مكرم جاد الكريم ندخل في هدوء حجرة العمليات ونحن نرتدي رداء حجرة العمليات المعقم .. رغم تركيزه الشديد في الطفل المريض المستلقي أمامه علي المائدة ، أظن أنني لمحت ابتسامة خاطفة في عيني د. يعقوب عندما لمحني أتسلل مع زميلي المصور الي حجرة العمليات..
وهمس لي الصديق الدكتور السيد عقل : كنت متأكداً .. أنك قادم لا محالة !..
أية رهبة .. وأية مشاعر متضاربة تنتابني كلما دخلتها والدكتور مجدي يعقوب يعمل فيها .. وحوله يلتف الأطباء المصريون من الشباب ، يراقبونه ، ويساعدونه ، ويستلهمون منه بواعث الاجتهاد والعبقرية !..
- ذات مرة سألته : د. مجدي .. ماذا تشاهد في حجرة العمليات ؟
أفحمني في رده
- حين قال : أشاهد .. الله !..
ها هو الطفل الصغير المريض في غيبوبة المخدر .. صدره مفتوح والدماء تتفجر منه ، القلب الصغير بين أصابع الجراح العبقري ، نظرات الأطباء مشدودة .. والأنفاس لاهثة لكنها مكتومة .. الطفل شبه ميت ، جسده النحيل يعمل فقط علي جهازي القلب الصناعي والرئة الصناعية ، ايه أيها القلب ، الذي لا يزيد حجمك عن حجم قبضة الطفل الصغيرة ؟ كيف تعمل فيك هذه الأصابع السحرية ، تخيط الشرايين الجديدة ، تعالج الصمامات التالفة ، تري هل يعيش الطفل المريض وتكتب له حياة جديدة ؟ ..
استغفر الله العظيم ..

عقارب ساعة حجرة العمليات تتحرك بطيئة
- يهمس الطبيب الانجليزي الجالس الي جهاز القلب الصناعي : مضت عشرون دقيقة تتوتر وجوه الأطباء الشبان ..
يرد د. يعقوب علي مساعده : شكراً ..
الساعة بها ستون دقيقة .. والدقيقة ستون ثانية ، وعقرب الثواني يعني الكثير لهذا الصغير الراقد في غيبوبة شبه ميت ، ومشرط الجراح العبقري لا يتوقف عن الحركة ، ونظراتي لا تريد الابتعاد عن الدكتور يعقوب .. انه لا يقف مستقيماً ، ينحني برأسه ونصف جسده العلوي علي طاولة العمليات ، لا أعرف لماذا تصورت أنه بهذه " الوقفة " المهيبة كأنه يصلي !..
كل ليل .. له فجر ..
وكل ظلام .. له شمس ..
بعد أكثر من ساعتين .. ينهي الدكتور يعقوب عمله .. يلتفت الي المساعد الذي يجلس أمام القلب الصناعي ، فيفهم الأخير الاشارة ، تتحرك الأصابع الماهرة ، يتوقف عمل القلب الصناعي ، تتحلق كل الأنظار نحو الصدر الصغير المفتوح .. تحدث المعجزة ، وينبض القلب ، تنبض الحياة ، وتتحقق ارادة الله .
ينظر الدكتور مجدي في ود الي الأطباء الشبان .. والي الممرضات ..
يبتسم وهو يغادر حجرة العمليات ..
قائلاً لهم : لا أعرف .. كيف أشكركم !..

في نفس المكان .. في حجرة التعقيم ..
حيث تعودت علي لقاء دكتور مجدي يعقوب .. يدور معه حواري هذه المرة عن تفاصيل زيارته ..
- أسأله : كيف كان لقاؤك مع السيدة سوزان مبارك ؟..
يقول : كان لقاء ايجابيا للغاية .. وتحدثنا عن تعاون " سلسلة الأمل " مع أطفال مصر ، وكانت السيدة سوزان مبارك متعاطفة للغاية مع مجهوداتنا ومتحمسة لاستمرار علاج الأطفال المصريين ، وأن يقوم فريق الأطباء بزيارة إلي مصر كل شهرين لاجراء العمليات الجراحية للأطفال المرضي . وكان لديها اهتمام كبير ومعها كل الحق بمساعدة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة . وانا شخصياً أهتم كثيراً بهؤلاء الأطفال ..
- أسأل د. مجدي يعقوب : كيف تصف السيدة سوزان مبارك بعد لقائك بها ؟..
يقول بحماس : ليس هذا هو اللقاء الأول لي مع السيدة سوزان مبارك ، لقد التقيت بها من قبل في السفارة المصرية في لندن أكثر من مرة ، لكن الحوار بيننا هذه المرة استغرق نحو الساعة ، وهي بالفعل سيدة عظيمة من طراز نبيل ، تشعر من خلال الحديث معها بأنها شخصية جادة للغاية ، وهي انسانة مخلصة عطوف تريد أن تحقق الكثير من أجل أطفال الوطن ، ولديها رؤية واسعة عن كيفية تحقيق ذلك ، وأسعدني جدا اهتمامها بالتركيز علي دعم الأبحاث المتعلقة بأمراض القلب ، ولقد سعدت وتشرفت بهذا اللقاء ..
الساعة تقترب من الثانية والنصف صباحا ..
الدكتور فؤاد النواوي مدير المستشفي .. يدخل ويدعو الدكتور مجدي يعقوب للذهاب معه الي ردهة حجرات العمليات في المستشفي ..
- ويقول له : هناك مفاجأة صغيرة .. ثم ان الساعة أصبحت اثنين ونصف بعد نص الليل..
يسأله دكتور يعقوب : يعني ؟
- يرد عليه الدكتور النواوي : يعني ميعاد الغداء .. اللي فاتك !

أي غداء هذا .. بعد منتصف الليل ..
يفاجأ الدكتور مجدي يعقوب بالفعل :
ردهة حجرات العمليات اختفت منها عربات " التروللي " التي تنقل المرضي ، وتراصت عدة مناضد طويلة .. امتلأت بالزهور وأصناف الحلوي والطعام ، المفاجأة لم تكن للدكتور مجدي فقط ، المفاجأة كانت للجميع ، كل المصريون قد أعدوا حفلة واشتروا طعاما للدكتور مجدي وفريقه البريطاني ، بينما كان الفريق البريطاني قد أعد حفلة واشتري طعاما للفريق المصري !..
المصريون .. أحضروا طعاما فاخراً من أحد الفنادق
والبريطانيون .. أحضروا " الكباب " من محلات أبو شقرة !..
ووقف الدكتور مجدي يعقوب سعيداً وسط الجميع ، يوزع ابتساماته وكلمات الشكر علي الكل ..
وانهال الجميع بريطانيين ومصريين علي الأطباق يلتهمونها ، حتي الساعة الثالثة صباحا .. بعد أن فاتهم موعد الغداء بساعات طويلة ..
عندما بدأ الفجر يرسل أول خيوطه البيضاء كان الدكتور مجدي يعقوب يغادر المستشفي الي الفندق مع فريقه ، ليقوم بتغيير ملابسه ويتوجه مباشرة الي المطار ، حيث الطائرة التي ستعود به إلي لندن ..
علي سلم الطائرة ..
وقال : المرة القادمة .. لن أنسي ..
- سألته : ماذا ؟..
قال : كان نفسي .. في صباع كفتة !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.