من غرائب هذا العالم انهم يحتفلون دائما بليلة رأس السنة وينسون الحاضر الذي يعيشون فيه وهو ليلة ديل السنة.. مع ان هذا خطر.. لأن من نسي حاضره وماضيه فكيف سينطلق للمستقبل؟؟ والمفروض ان يحتفل عالم اليوم علي وجه الخصوص بليلة ذيل السنة وان يبتهلوا الي الله ويشكروه لأن السنة عدت علي خير وانهم مازالوا أحياء يتنفسون بدليل انهم يقفون الآن علي ذيلها الذي سيلقي بهم الي العام الجديد..!! قد يقول قائل: ان الاحتفال بالرأس رغبة أو نزوع نحو استشراف المستقبل..؟ وقد يكون رغبة في التحلل أو النسيان ولو لليلة واحدة ما حل عليهم وفيهم من فساد مقيم.. وكان وراء حالات الشقاء والتعاسة التي خيمت علي مناح عديدة في الحياة المعاصرة؟!! لابد ان نعترف بأن مرارات كثيرة من العام 2010 الذي يرحل غدا لاتزال في الحلوق وقيوده أكثر حول الرقاب وهمومه في القلب لا يقدر علي ازاحتها الا رب القلوب.. هل اذكركم بنار الأسعار التي لاتزال تشوينا حتي اليوم وستعبر معنا العام الجديد وكأنها تأبي ان تخفف عنا ولو قليلا من العناء والعذاب.. قلنا ستهبط أسعار اللحوم بعد العيد ومر العيد وبعد العيد وجاءت سنة جديدة.. واذا بعدوي الجنون السعري تنتقل الي سلع أخري أكثر أهمية "السكر.. الأرز.. الخضراوات.. وغيرها حتي الملح.." وكأن غول الأسعار يخرج لنا لسانه في كل ساعة بل ودقيقة.. وتذهب كل الصرخات ادراج الرياح.. وأصبح الناس في حال المستجير من الرمضاء بالنار.. وكأنهم والمعذبون في نار جهنم سواء كما جاء في الصورة البليغة التي حكاها وصورها القرآن الكريم.. فكلما استغاث المعذبون من نار جهنم.. اغيثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه.. كما في قوله تعالي: "وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا". وهكذا نحن كلما ضجرنا وصرخنا من الأسعار زادوها نارا وسعيرا والهبوا ظهورنا بكرابيج متتابعة ليلا ونهارا.. قل ذوقوا بما كسبت أيديكم وبما قست قلوبكم وبما غفلت عقولكم وبما انقطعت عنه السنتكم حتي أصابكم الخرس.. فلنشوينكم بصمتكم واستهتاركم وغفلتكم نارا وسعارا.. انه الجزاء الواجب والمستحق علي أمثالكم بما اهملتم وبما كنتم تكنزون.. وبما كنتم أيضا عنه ساهون لاهون. ** سألني صديقي مستنكرا ومتعجبا: كله نار نار.. الا يوجد يا أخي شيء رخيص؟! قلت له: بلي.. بلي. فضحك ساخرا وقال بسرعة: البلا عمره ما كان رخيص.. فلم يضيعنا في هذه الحياة.. الا البلا والبلاوي.. من كل صوب.. وخاصة من بني آدم. ضحكت أكثر وقلت له علي مهلك قليلا.. بلي بلي أي نعم نعم.. وليست من البلوي أو البلية أو البلاء.. لكن معك العذر فلو تم تعليمك صح في المدرسة أو الجامعة.. وعرفت لغتك الأصلية وهي لغة القرآن الكريم لما وقعت في مثل هذه البلية.. ولعرفت أبسط حقوقك.. تضيعون الأشياء ثم تندمون عليها أشد الندم بعد فوات الأوان. قال محتجا أو وهو "مشمئنط" دعك من الفلسفة وقل لي ما هو الشيء الرخيص حقا؟؟ وقال ومستهزئا "حلوة حقا!! أليس كذلك؟؟!!" قلت: اعلم أعزك الله انه ليس هناك أرخص عندنا من البشر وهم مثل الهم علي القلب في كل مكان.. ليس لهم سعر ولا قيمة.. ولذلك لا يهم ان كانوا مهانين معذبين أو غير ذلك.. وما عليهم سوي ضرب الأخماس في الأسداس وما شابه ان كانوا يريدون العيش في هذه الحياة.. فهم دائما ضحايا وقرابين للنسيان والاهمال وقل ان شئت الدقة.. ضحايا للعجز والفشل والتجارب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.. أما تراهم علي الأرصفة أمام الجهات الرسمية والشعبية ينامون ويصرخون أياما وليالي.. أما تراهم يحتجون ويتظاهرون في كل مكان ويضربون عن الطعام في كل مكان.. في النقابات في المصانع.. في الشوارع والميادين.. وكل ما يحدث ان تلقي اليهم بالفتات حتي ينفضوا ولو لساعة وما هي الا أيام وتعود الكرة من جديد.. يحدث هذا يا عزيزي في كل الفئات والقطاعات وليس فئة العمال فقط التي اشتهر عنها وعرفت في الأدبيات بأنها مطحونة.. فالأطباء هكذا والمدرسون والمهندسون وأصحاب الرأي وووووووو. واما سمعت عن ضحايا الخصخصة أو الخسخسة هؤلاء الذين تسمع عويلهم وصراخهم اليوم هم بقايا اقذر عملية نخاسية تمت.. حتي وان كانت بحسن نية أو أعلنوا انها لم تكن نخاسة مطلقا وانها كانت فتحا جديدا يشبه في قوته وقيمته عملية تحرير العبيد.. لكن ماذا نفعل والرياح أصبحت تأتي بما لا تشتهي السفن!! ما تسمعه في الشارع ما هو الا مجرد نفثات حارة لبراكين مكبوتة داخل البيوت.. بعد ان أضفنا الي البطالة وقودا جديدا.. فبعد ان كانت قاصرة علي الشباب وحديثي التخرج.. انضم اليهم الآباء بعد ان اجبروا أو بعد ان تمت غوايتهم بما يعرف بالمعاش المبكر.. ليجتمع في البيوت.. كل من المتعوس وخائب الرجاء.. ولتعزف الأمهات والزوجات "عدودة" الأمل المفقود.. أو حكاية يا ما كان هنا وهناك.. "صويت جماعي"!!!! أما من رفضوا المبكر وأصروا علي الاستمرار فها هم الآن غارقون في دوامات البيع.. حائرون علي الأرصفة في كل مكان عسي ان يأتي الفرج من بين طوفان الأحاديث عن الصفقات وشروط المستثمرين وخفايا العقود وصفقاتها أو اعلان الافلاس والبحث عن مستثمرين جدد أو منقذين لأي شيء حتي ولو لماء الوجه الكالح.. هؤلاء هم أرخص ناس الآن في الأسواق.. وينافسهم ضحايا الطرق السريعة ونزيفهم المستمر يوميا ليلا ونهارا بالعشرات بلا رحمة وبكل استهتار. ولا تعجب عزيزي ان ينضم الي قافلة مآسي سيارات النقل والأتوبيسات والميكروباص الوافد الجديد.. مستر "توك توك" الذي حار الناس في أمره وفي حوادثه وجرائمه التي لا تنقضي كل يوم بلا ضابط أو رابط.. وتعددت أنواع جرائم التوك توك هذا وجناياته ما بين السرقة بالاكراه والقتل العمد والاختطاف والاغتصاب.. والتنكيل بخلق الله علي أيدي مجموعة من الصيع والبلطجية والصغار من كل الأعمار آخر ضحاياها منذ يومين فقط في شبرا الخيمة.. حيث تمكن مجموعة من صبيان التكاتك من محاصرة ومهاجمة سيدة حامل وتمكنوا من اجهاضها أثناء محاولتهم اغتصابها..!!! ولا حياة لمن تنادي.. وكأننا أصبحنا نعيش في الغابة!! واذا كان بعض المحافظين وفي مقدمتهم السيد المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية قد حاولوا التصدي للمشكلة بواقعية وعقلانية ومراعاة الأبعاد الانسانية للظاهرة التي انتشرت وانفجرت في وجه المجتمع فجأة أو في غفلة.. الا ان المشكلة الآن أصبحت تشكل خطرا كبيرا علي المجتمع وعبئا أكبر علي الجميع.. الأسر والأفراد لا يمكن السكوت عليها.. وأصبحنا في حاجة الي تدخل سريع لضبط الأوضاع واعادة الأمن والطمأنينة للناس والشارع عموما.. لأن الحوادث الأخيرة صدمت الكثيرين من بشاعتها وجرأة مرتكبيها رغم حداثة سنهم.. ونجحت في خلق حالة من الهلع والتوجس في كل البيوت.. خاصة في ظل انتشار وتنامي ظاهرة قيادة الصبية والأطفال لهذه المركبات دون رقابة وعزوف أصحابها عن ترخيصها بإدارات المرور.. وفي هذا الاطار يجب أن نأخذ بعين الاهتمام ما صرح به السيد العميد صلاح منسي مدير مرور القليوبية حول الظاهرة وأهمية وضعها تحت السيطرة للحد من آثارها السيئة في المجتمع. ومن أهم ما اثاره ولفت الأنظار اليه هو وجود عجز في أفراد الشرطة المكلفين بمراقبة مخالفات "التوك توك" بالمحافظة.. وأكد علي ضرورة تدبير أماكن للايواء لضبط المركبات المخالفة وحجزها اداريا لمدة لا تقل عن 6 أشهر للقضاء علي ظاهرة قيادة الصبية للتوك توك..! ألم أقل لكم انه ليس هناك أرخص من البشر..!! ** علي أية حال غدا هو ديل السنة الحالية.. وبعد غد هو رأس السنة الجديدة.. وكل عام وأنتم بخير من راسها الي ديلها القادم ان شاء الله..!! [email protected]