يمتد تاريخ مدينة القاهرة إلي ما يزيد علي ثلاثة عشر قرنا من الزمان اكتسبت خلالها هذه المدينة العملاقة مكانة متنامية وارتبط اهلها وزائروها بها وجدانيا حتي بات حلم الملايين في منطقتنا والعالم زيارة القاهرة والاستمتاع بسحر لياليها وعبق التاريخ الذي يحتضن حاضرها ويشهد علي عظمتها. والحقيقة ان مصر باعتبارها من اقدم الدول في التاريخ قد تغيرت عاصمتها نحو سبع عشرة مرة بعضها اقترب من الموقع العبقري للقاهرة وبعضها ابتعد لكن يبقي لهذه المدينة انها العاصمة الاطول في تاريخ مصر.. ومع كل ما تكابده إلا ان احدا لا يرضي بغيرها بديلا. فكرة مرفوضة ومن هذا المنطلق يرفض البعض فكرة العاصمة البديلة وقد فشلت محاولة سابقة من جانب الرئيس الراحل أنور السادات عندما قام بانشاء مدينة السادات في الظهير الصحراوي الغربي لدلتا مصر لتكون بديلا عن العاصمة وظلت القاهرة بكل مباهجها ومغرياتها مطمعا لكل نازح. مشروع جديد وقد ذكر محافظ القاهرة الدكتور عبداالعظيم وزير انه يجري الآن اعداد مشروع قانون خاص بالعاصمة يتضمن طموحات للحكومة منها إخلاء العاصمة من الأحمال التي تئن بسببها مثل مجمع ميدان التحرير الضخم الذي يحتوي علي أكثر من ستمائة غرفة ويتردد عليه يوميا نحو 32 ألف نسمة.. ومثل مبني التليفزيون الذي يعمل به ويتردد عليه 35 الفا.. يوميا! مع اضافة ضاحية جديدة شرق القاهرة للوزارات والسفارات وأنشطة أخري. كما يتضمن مشروع القانون الجديد انشاء مجلس استشاري مساعد للمحافظ الذي سيكون عضوا في الحكومة بدرجة نائب رئيس الوزراء اضافة إلي حزمة قوانين تساعد علي خلخلة المدينة وتخفيف مجموعة كبيرة من الاعباء التي تنوء بها حتي تتخلص من الزحام الذي يضيع بهاءها ويفقدها رونقها. أهم الأسباب لكن اصواتا عديدة وخبراء كثر اكدوا أنه لا فائدة من كل هذه المسكنات سواء بالمدن الجديدة التي تمتد كبروز للعاصمة وتحمل كل مشاكلها أو بمحاولات نقل المصالح الحكومية والوزارات بدون تخصيص مسبق يساعد العاملين علي الانتقال الي اماكن قريبة بما قد يساعد في تأزيم الموقف بدلا من البحث عن حلول له. وقد ذكر احد القيادات المرورية ذات مرة ان ارتفاع اسعار المساكن في القاهرة احد أهم اسباب زحام الشوارع بها حيث نجد انه ليس بوسع معظم سكان القاهرة الاقامة بأماكن قريبة من عملهم وبالتالي يضطرون إلي قطع مسافات داخل العاصمة سواء في وسائل مواصلات خاصة أو عامة بما يزيد الأمور تعقيدا. ويري البعض أنه حان الوقت لاختيار مكان بعيد عن القاهرة بمسافة لا تقل عن 70 كيلو متراً علي الاقل وانشاء عاصمة جديدة علي احدث الطراز المعمارية والتخطيط السليم بحيث تتفادي هذه العاصمة كل مشاكل القاهرة المرورية والتخطيطية والمعمارية وقد اختار لها البعض المنطقة الواقعة بين القاهرة وقناة السويس بينما اختار اخرون المنطقة بين القاهرة والفيوم فيما اختار فريق ثالث المنطقة التي تقع غرب مدينة السادس من أكتوبر علي أن تبتعد عنها مسافة لا تقل عن 30 كيلو متراً علي الاقل. فوائد مزدوجة وهناك اقتراح باتخاذ مدينة شرم الشيخ عاصمة لمصر لأسباب عديدة شرحها وفصلها. منها أن قاهرة المعز غابت عنها أضواء السياسة التي انتقلت إلي مدينة شرم الشيخ الشابة النظيفة المتألقة. وان القاهرة اصبحت مدينة ازدحام وعشوائيات وسحابة سوداء وأزمات مرورية يستحيل علاجها مع اقتراب سكانها البالغ عددهم الآن 20 مليونا من 30 مليونا عام .2040 ووفقا لهذا الاقتراح.. فإن نقل أجهزة ومؤسسات الدولة الي المنتجع الأشهر علي ساحل البحر الأحمر سيحقق فوائد مزدوجة منها تخفيف زحام القاهرة بنقل ثلاثة ملايين من سكانها علي الأقل إلي شرم الشيخ. وفي الوقت ذاته تحقيق الأمن والحماية إلي سيناء مع وجود العاصمة الجديدة بها وما يستلزمه ذلك ويستتبعه من توسعات واستثمارات اقتصادية وبشرية في شبه الجزيرة المنسية. استثناءات محدودة لكن هناك اشياء عديدة تحول بين هذه الدعوة والمتطلبات المتعددة للعاصمة المصرية فعاصمة مصر جغرافياً كانت منذ فجر التاريخ ولاتزال في موقعها الوسطي بين دلتا النيل شمالا وصعيدها جنوباً. وهو ما حدث ابتداء من منف إلي هليوبوليس ثم الفسطاط والقطائع وصولا إلي القاهرة مع استثناءات قليلة حينما كانت طيبة "الأقصر" والإسكندرية عاصمة للدولة. العاصمة الجديدة يمكن ان يخصص لها مطار مدني حديث لخدمة الساسة والمسئولين لتيسير حركتهم دون التسبب في اختناقات مرورية. ولاشك ان الموقع الجديد يتعين ان يحافظ علي خصائص العاصمة المصرية من حيث اقترابها من الدلتا والنيل والصعيد في آن واحد والأهم اقترابها من منطقة الساحل الشمالي الغربي الذي ينبغي استغلالها تنمويا وسياحيا وزراعيا وصناعيا لتستقطب 40 مليون مصري خلال العقود الخمسة المقبلة. نعم بوسعنا تشييد عاصمة حضارية جديدة تكتفي فقط بكونها عاصمة سياسية وإدارية. أما التاريخ والتراث والمتاحف فلتبقي في القاهررة القديمة بأبنيتها وقلعتها واهراماتها الراسخة هناك. أما العاصمة المالية والفنية فيمكن اعادتها إلي الاسكندرية كما كان عليه الحال في مطلع القرن العشرين أو تنقل إلي العلمين ومارينا حيث التجمع السكاني الجديد الذي تخطط له الحكومة حاليا.