فقد تصور رئيس الوفد أن الاعجاب الذي ناله بعد عملية الانتقال السلمي للسلطة سيترجم فعلياً في الشارع رغم أن التواصل بين الحزب العريق والشارع انقطع تقريباً منذ 1987 وهو آخر عهد الوفد بالأرقام الكبيرة في التمثيل البرلماني حيث حصد 34 مقعداً في آخر مجلس شعب يتم اختياره بنظام القائمة الحزبية والتمثيل النسبي .. ومنذ ذلك الحين اقتصر تواجد الوفد في البرلمان علي رقم أحادي. غير أن ما حدث من سقوط سكرتير عام حزب الوفد منير فخري عبدالنور في جرجا جعل أصواتا كثيرة تزعم أن هناك اضطهاداً للاقباط وأن الدولة لا تريد نجاح مرشحين مسيحيين أو أن هناك تربصا برموز الوفد.. والحقيقة أن عبدالنور سقط لأسباب أخري.. أولها أنه كان يريد خوض الانتخابات في دائرة الوايلي التي شغل مقعدها من قبل لكنه شعر أن المنافسة ليست في صالحه خاصة أنه انقطع عن الدائرة طوال الخمسة أعوام الماضية حيث شغل المقعد د. شيرين أحمد فؤاد نائب الوطني.. درس عبدالنور الموقف جيداً وشعر أن معركته مستحيلة فقرر الهجرة إلي جرجا .. عبدالنور يملك رصيداً عند المسلمين والمسيحيين في الدائرة وعائلته تحظي باسم عريق. لكن المشكلة أنه ظهر في الدائرة فجأة. بينما كان منافسه ينسج خيوطه بهدوء ويمد جسوره مع الأهالي منذ فترة.. ورغم عدد الأصوات الكبيرة الذي حصل عليه سكرتير عام الوفد. إلا أنه يبدو أنه وصل متأخراً إلي جرجا .. بدأ الدعاية واللقاءات والاجتماعات قبل الانتخابات بشهر واحد. فكان طبيعيا أن تؤول النتيجة إلي ما آلت إليه.. أتعلمون ما هي المشكلة الحقيقية لحزب الوفد. أنه "افترض" ولم "يحسبها صح".. الوفد تصور أن له قوة وقاعدة.. لكن اتضح أنها "قوة افتراضية".. كيف تصور قادة الوفد أنهم سيخرجون من الانتخابات بحصيلة 60 مقعدا مثلما حدث عام 1987. بينما هم لم يحققوا اكثر من 6 مقاعد طوال 15 عاما؟ ما هي القوة الحقيقية للحزب العريق الآن؟ وما هو الإنجاز الذي حققه في الحياة السياسية المصرية أكثر من الصحيفة والمؤتمرات الصحفية لرئيسه؟ لا شيء. الوفد العريق لم يتحرك قيد أنملة عن موقعه عام ..1990 من ثم فالشعور "الافتراضي" الذي تراءي لهم بأنهم المنافس الرئيسي للوطني هو إحساس "تخيلي". والسياسة كما نعلم ليس فيها قوة افتراضية. السياسة ليست "هندسة فراغية ومنظور" ولكنها واقع.. لاينفع في السياسة الافتراضات والنظريات المبنية علي أنه "لو كان كذا مضروبا في كذا فإن الناتج يصبح كذا".. ماذا تفعل إذا كان هذا ال "كذا" غير موجود أصلاً. لقد خسر حزب الوفد الانتخابات في الجولة الأولي ليس لأن الحزب الوطني أقوي منه فقط. ولكن لأنه أدار المعركة بطريقة افتراضية.. أيضاً لم يكن لديه عدد كبير من المرشحين قادر علي المنافسة ومع ذلك افترض انه سيفوز لأن "الإخوان" انكشفوا أمام الرأي العام وظهر انهم "سلطويون" وليسوا نواب خدمات.. هذا افتراض خاطئ لأن الحزب أي حزب يعتمد علي الخدمات. أما الجماعة المحظورة فقد استفادت من أخطاء الوطني في الجولة الأولي للانتخابات. ومن ثم قفزت واقتنصت مقاعد.. وبالتالي لما حاصرها الوطني وصحح أخطاءه وفتح الدوائر واهتم بالإعلام وأدي أداء محترفا دفع الناخبين إلي زيادة الاقبال لأول مرة إلي 35% من إجمالي عدد الأصوات المسجلة وهو 40 مليونا أي أن هناك حوالي 14 مليونا تدفقوا للتصويت وهو رقم كبير مقارنة بأرقام الأعوام السابقة التي لم تتعد النسبة فيها 23%.. أيضاً خسر الإخوان المسلمون الكثير. أي ليس مقاعدهم فقط ولكن بصفتهم حركة لديها قواعد شعبية.. انهار التنظيم السري لأنه تصور ان الناخبين مازالوا علي قناعتهم به لكن الحقيقة أن المحظورة سقطت قبل أن تبدأ الانتخابات. كان يمكن للوفد أن يخرج بنتيجة أفضل لو وضع إحدي قدميه في العالم الافتراضي والأخري في العالم الواقعي. لكن المشكلة انه وضع قدميه في العالم الافتراضي وتشبث بأحبال الهواء فسقط!