لقد أصبح مفهوم البحث عن مدرسة غاية في التعقيد في مجتمع أصبح لا يبحث عن التعليم بقدر ما يبحث عن الوجاهة والرفاهية.. وفي مجتمعات مرتفعة الدخول يبحث أصحابها عن مدارس ذات مصروفات ولا يقف الأمر عند ذلك فقد يتباهي البعض بأنه يدفع بالعملة الصعبة في سبيل إلحاق أبنائه بتلك المدارس التي قد لا تزيد تميزا عن مدارس أخري وتندهش حينما تقرأ في صفحة الوفيات أباً ينعي ولده ولا يتورع عن ذكر اسم المدرسة التي كان بها كنوع من التفاخر!!!!.... لكن حقيقة أن تلك المدارس عرفت كيف تحقق رغبة ولي الأمر في توفير عوامل جذب في مجتمع حالم متخم بالأموال لا يبخل أبداً في تعليم أبنائه وإلحاقهم بأرقي المدارس وأعلاها في المصروفات.. وليس عيبا أن يكون الاستثمار في تلك المدارس منصبا علي الأبناء بشرط ألا يتم التغاضي عن المضمون بشكل يجعل المدرسة تخرج عن رسالتها.. الآباء أصبح شغلهم الشاغل أن يبحثوا عن مدرسة يتفق معهم آخرون في انها تقدم تعليما متميزا ووسائل جاذبة لأبنائهم.. وفي هذا السياق نؤكد علي أن المدرسة لم تعد ذلك السجن الذي كنا نذهب قديما إليه مرغمين خائفين.. ولكنه أصبح يأخذ مفاهيم أخري في ظل الاهتمام بتحقيق عناصر جذب ومتعة.. وأحد أهم عناصر الجذب هو المعلم.. ويتحرر التعليم الخاص من عنصر الاجبار إلي مساحة كبيرة وفضفاضة في اختيار معلميه ومساحة أكبر في الثواب والعقاب تدفع المعلم إلي عمل متواصل ودءوب لأنه يعلن انه بغير ذلك فإن استمراره في مكانه أمر مستحيل وفي مقابل ذلك تجد ان التعليم الحكومي تتقلص لديه فرص الاختيار بل وتنعدم كما يصاحب تطبيق الثواب والعقاب أمور غاية في التعقيد لا تشجع علي التميز.. وهذه الحرية التي يتمتع بها التعليم الخاص في الاختيار جعلته أكثر حرصا علي تعيين الأفضل والتحرر من بيروقراطية القرار حيث يسود مفهوم البقاء للأصلح.. أما في التعليم الحكومي فإن التعيين يتم وفق نظام جامد يعطي حصانة لصاحبه كما لا يستطيع أحد ان يزحزحه عن مكانه طالما انه يؤدي ولو الحد الأدني من عمله.. إلي جانب الواسطة التي لا تستطيع أن تخترق القطاع الخاص في ظل وجود المالك الذي يريد أن يحقق نجاحا مستمرا.. كما يتفوق التعليم الخاص في قدرته علي الوصول لولي الأمر القادر علي أن يقدم مقابل ما يأمل ان يجده.. أي يكون قادرا ماديا علي الوفاء بالتزامات المدرسة وكذلك قادر علميا وعمليا علي التعاون مع المدرسة في سبيل تحقيق التميز والالتزام بنظم المدرسة.. أما ولي الأمر نفسه فيبحث عن مدرسة تحقق له التميز الاجتماعي والعلمي والخلقي.. قد لا تعنيه الماديات إذا ما وجد ما يريد تحقيقه لابنه.. ولم لا وهو يدرك انه يترك ابنه وقتا في هذا المكان قد لا يقضيه معه في المنزل.. لذلك فإن حرصه الأساسي في أن يجد المكان الذي يستحق أن يأتمنه علي أغلي ما يملك.. ان تفوق وتميز المدارس الخاصة أمر طبيعي في ظل تراجع واضح للمدارس الحكومية.. ورغم الجهود التي يبذلها الوزير الجديد إلا أن الأمر يتطلب استراتيجية جديدة تسعي إلي تغيير النظم للوصول إلي التيسيرات التي سهلت سبل النجاح للتعليم الخاص وكانت بمثابة عوائق وأغلال تطبق علي صدر التعليم الحكومي لتجعل من محاولات الإصلاح أشبه بمن يحرث في البحر.. ورغم تعدد المدارس الحكومية والدعم الذي تلقاه من الدولة إلا أنها في حقيقة الأمر تفتقد إلي عنصر المنافسة في ظل نظم عقيمة لا تشجع علي ذلك ولا تعطيه أي أهمية.. فأي منافسة تلك التي نتحدث عنها والمناخ الإداري لا يري قيمة للابتكار.. ختاما فإن هذين النوعين من التعليم يمثلان وجهين لعملة واحدة لا يصح أن نترك احدهما علي القمة وحده دون منافس والآخر يتهاوي.. أليس من حقنا بعد ذلك أن نسأل أين مدارسنا..؟