تحدثنا في المقال السابق عن قصة إنشاء متحف الفن الإسلامي الذي كان يسمي ب "الآثار العربية" وبدايته في جامع الحاكم بأمر الله بالقرب من باب الفتوح. وذلك عندما صدر أمر الخديو محمد توفيق في 1881م بتشكيل لجنة "حفظ الآثار العربية" وضم إليها محمود سامي البارودي باشا وزير الحربية في ذلك الوقت. ومصطفي فهمي باشا وزير الخارجية وعلماء ومهندسين معماريين وأثريين من مختلف الجنسيات لجمع وترميم الآثار الإسلامية المنقولة وحفظها. ووقع الاختيار علي جامع الحاكم بأمر الله ليصبح مقراً لأول متحف للفن والآثار الإسلامية واستمر إلي 1902م. حينما تم نقل الآثار إلي المبني الجديد بباب الخلق الذي افتتح في ديسمبر 1903م. واليوم نتحدث عن ملحمة الترميم والتطوير والتي كانت بدايتها عبارة عن كوابيس. كلما انتهينا من كابوس منها ظهر الآخر رعباً وفزعاً.. كان المتحف حتي وقت إغلاقه في 2003م كأنه عجوز بلغ سن الاستيداع تداعت كل أعضاؤه. وكلما قمنا بعلاج عضو ظهر آخر علي وشك الانهيار. وتحدينا كل المصاعب يحدونا أمل واحد وهو إعادة بعث متحف الفن الإسلامي من جديد وافتتاحه للزيارة مرة أخري وعلاج كل مشاكله. وقد بدأنا بعلاج عمارة المتحف التي تأثرت بشكل كبير بوجود دار الكتب والوثائق في الطابق الثاني الذي يعلو المتحف. وللأسف الشديد كان بعض المنافقين ومدعي العمل ممن تولوا مسئولية آثار مصر ولم يفعلوا شيئاً.. يخرجون علي الناس بالشائعات التي بدأت بقولهم إنني أقف ضد الآثار الإسلامية وأوجه اهتمامي كله نحو الآثار الفرعونية. والدليل علي ذلك إغلاق متحف الفن الإسلامي ونقل آثاره وأن المتحف لن يري النور بعد ذلك وأنه لن يتم افتتاحه مرة أخري. بل وصل الأمر إلي ظهور شائعات بأننا تخلينا عن مبني المتحف ونعتزم نقله إلي مكان آخر. وشائعة أخري تقول إن بدروم المتحف قد انهار نظراً لسوء أعمال التطوير. وعلي الرغم من الهجوم الشرس إلا أننا لم نضيع الوقت في صده أو مجاراتهم لسابق معرفتنا بهم وبإمكانياتهم التي لا تخرج عن كونه تحريك الألسنة فقط.. واستمر العمل بفريق من شباب المهندسين والأثاريين والمرممين. وعلي الرغم من تخطي بعضهم العقد الخامس والسادس من العمر إلا أنهم كانوا يعملون بروح الشباب المتحمس الذي لا يهدأ. ولم تنته مشاكل المتحف بالقضاء علي المصاعب المعمارية التي واجهناها وإنما كانت هناك مشكلة تكدس الآثار. وقد اتخذت منذ البداية قراراً بعرض حوالي 2500 قطعة فنية تعبِّر عن مختلف فنون العصر الإسلامي من خشب ونسيج ونحت ومعادن وفسيفساء وغيرها من فنون العصر الإسلامي بالشكل الذي يسمح لها بإبراز قيمتها الفنية. فهي كنوز لا يمكن تكديسها داخل فتارين أو تعليقها علي حوائط لا تري وبالتالي نهدر قيمتها التي يحسدنا عليها العالم كله.. أما آثار متحف الفن الإسلامي والتي تعدت المائة ألف قطعة فلم يتم التفريط فيها كلها. بل سيظل جزء كبير موجوداً بمخازن المتحف من أجل تجديد العرض المتحفي وتجديد شبابه ودمائه كل فترة وتغذيته بقطع جديدة للعرض.. أما بعض القطع المكررة وغير الفريدة فسيتم عرضها في متاحف أخري بمصر لكي نتيح لأبناء مصر كلها رؤية الفنون الإسلامية في أكثر من متحف. وقبيل افتتاح المتحف وبعد أن تم دهان حوائط المتحف بالكامل باللون الأبيض والبدء في تجهيز الآثار للعرض حضر الوزير الفنان فاروق حسني لمتابعة الأعمال كعادته كل فترة. وبمجرد أن شاهد اللون الأبيض قال لمن حوله إن هذا اللون لن يتيح رؤية الأعمال الفنية بشكل واضح نتيجة الخلفية البيضاء. واختار اللون الرصاصي الغامق بدلاً من الأبيض! وهنا شعر فريق العمل بنوع من الإحباط نتيجة تعجلهم افتتاح المتحف لرؤية ثمرة جهدهم وعرقهم. وكان رد فاروق حسني رداً مقنعاً ليس نابعاً من كونه وزير الثقافة والرئيس الأعلي لفريق العمل الأثري في مصر. وإنما من خلال كونه فناناً شغلته الألوان كما قال هو بنفسه.. وبالفعل تم تغيير اللون واقتنع الجميع بعد رؤيته مع الآثار بأن اختيار اللون كان صائباً مائة في المائة وكانت أسعد أيام حياتي وفريق العمل هو يوم أن افتتح السيد رئيس الجمهورية محمد حسني مبارك والسيدة الفاضلة سوزان مبارك متحف الفن الإسلامي بباب الخلق. www.zhaihawass.com